صحيفة جزائرية في بيت الإمام علي في النجف ومقام الحسين في كربلاء
خلطة الدين والسياسة والطقوس والتجارة
الجمعة 15 نوفمبر 2013العراق: مبعوث ”الخبر” عثمان لحياني
هنا يسكن العقل، ويستسلم الزائرون للروح والغيب، هنا كل شيء.. دهاليز التاريخ وحضرة الدين، هنا كل وجوه العالم، وألسنة الناس المختلفة، هنا مقام الإمام علي بن أبي طالب، رضي اللّه عنه، و”الحرم” مثلما يسمّيه الشيعة، وقريبا منه في الكوفة بيته ومسجده الذي كان يحكم منه، وغير بعيد عنه مسافة ساعة من الزمن مقام نجله الحسين في كربلاء.
خرجنا من بغداد نبغي النجف، كان قد التحق بنا وفد سوري يضم صحفيين وفنانين، أبرزهم علي كريم الذي مثّل دور ”العقيد أبو النار” في مسلسل ”باب الحارة”، والفنانة السورية سحر فوزي التي مثلت دور ”أم بشير” في المسلسل نفسه، كان الوفد مدعوا للمشاركة في مهرجان ”الغدير” الإعلامي السابع الذي تقيمه قناة ”الغدير”.
الطريق إلى النجف
كان بعض الخوف يسيطر على كثير من أعضاء الوفد، فأخبار التفجيرات متلاحقة في العراق، والمجموعات الإرهابية باتت تضرب في كل مكان وكل شيء. على طول الطريق الرابط بين بغداد إلى النجف كنا نمر بمئات الحواجز الأمنية، أو ما يسميها العراقيون بـ”السيطرات”. اللافت أن كل ”السيطرات” ترفع إلى جانب علم العراق أعلام الحسين والإمام علي وشعارات شيعية. يعطي هذا صورة عن انقلاب الكفة المسيطرة على منظومة الجيش والأمن في العراق لصالح الشيعة على حساب السنة، منذ سقوط صدام حسين في 2003. بعض هذه ”السيطرات” كانت تفتح الطريق أمام الوفد، وأخرى تتعنت ولا تعترف بأي وثيقة، قبل مراقبة جوازات الوفد.. حدث هذا عند مدخل مدنية الحلة، أو ما يعرف في العراق بـ”حلة بابل”. يقول العراقيون إن المدينة سميت ”الحلة” لأن الإمام علي بن أبي طالب حلّ فيها حزامه، وفيها أيضا أعاد بإشارة من يده الشمس إلى موضع العصر، وكانت قد دنت إلى الغروب، بعد أن كان فاتته صلاة العصر، ليصلي العصر في وقته.. قصة قد لا تنبع من الحقيقة بقدر ما تنبع من هالة القداسة التي يضفيها الشيعة في العراق على الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه.
نحن نقترب الآن من الكوفة، مدينة اللغة ومدرسة النحو والقواعد.. تغيّر وجه المدينة كثيرا، وبدأت الحكومة تطلق يد رجال الأعمال والشركات في إقامة المشاريع والمنشآت المعمارية والفنية. كان الظلام قد بدأ يسدل خيوطه الأولى حين توقّف الوفد لفترة عند حاجز أمني، أصر مسؤوله العسكري على التدقيق في الهويات وتفحص جوازات السفر مهما كان الأمر. عرفنا لاحقا أن السبب يتعلق بإجراءات مشددة تفرضها سلطات مدينة النجف، لمنع أي تسلل للإرهابيين والمجموعات المسلّحة إلى ”المدينة المقدّسة”. لا يحتاج الدخول إلى هكذا مدينة إلى إعلان، يزداد طغيان المظاهر الدينية، وتكثر رايات الحسين والإمام علي، وتتوالى الحسينيات، وهي مقامات ومراكز مخصصة لاستقبال زوار المقامات المقدسة للإمام علي والحسين.
قبل أن تنطلق القافلة، كان المنظمون قد ألزموا صحفيات وفنانات قدمن من سوريا ولبنان وتونس بارتداء العباءة والخمار. لا تدخل النجف وتعني ”الأرض المنخفضة” امرأة سافرة، ولا تسير في شوارع مدينة الإمام علي امرأة غير محجبة. كل النساء يرتدين العباءات و”التشادور”، لا صوت للغناء أو الموسيقى في الشارع. هنا تحرص الشرطة على إلزام الناس والمارة باحترام طابع ”المدينة المقدسة”. الأمن هنا علامة مميزة، آخر عمل إرهابي استهدف محيط المدينة حدث منذ ستة أشهر.. يعتقد أهل النجف وزوارها أن المدينة محمية بكرامة الإمام علي والحسين.
”العتبة المقدّسة”
يسمّيه الشيعة ”الحرم”، هنا يسكن العقل، ويستسلم الزائرون للروح والغيب، هنا كل شيء، دهاليز التاريخ وممرات الماضي. هنا حضرة الدين وهنا العادات التي نعرف بعضها، والتقاليد الغريبة وطقوس بعضها أقرب إلى الغلو، وبعضها لا تفكّ طلاسمه الكتب. هنا الحلّ والعقد وطلب الرزق وفك المظالم. هنا التجارة والعملات والبيع والصناعة القديمة للسيوف والنحاس والبردة. وهنا سحر المكان في غياهب الماضي والحاضر الملون بكل الطقوس. هنا كل وجوه العالم، وألسنة الناس المختلفة، من طشقند إلى قم، ومن تونس إلى تورا بورا، من نيويورك إلى السنغال. هنا السياسة والجغرافيا وصراع الحضارات. هنا السلاح النووي وصراع الإرادات في سوريا والمقاومة في لبنان والثورة في البحرين والحوثية في اليمن. هنا مقام الإمام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه، و”الحرم” مثلما يسمّيه الشيعة، وقريبا منه في الكوفة بيته ومسجده الذي كان يحكم منه، وغير بعيد عنه مسافة ساعة من الزمن، مقام نجله الحسين في كربلاء.
رهبة المكان تلزم الداخل إلى مرقد الإمام علي السكون. أعلى درجات الحيطة والتفتيش للداخلين إلى المزار.. في عهد صدام حسين كان يُمنع على الشيعة إقامة الطقوس والتوجه إلى المزارات، لكن بعد 2003 أعيد ترميم ”المزارات المقدّسة”، وطليت القبة بالذهب، وزخرف المقام بالزخرفة الفارسية والإسلامية الفخمة، وتم ترصيف الأرضية بالسجادات الفارسية، كما نظم الدخول إلى المزار على نحو مرتب. هناك مكان مخصص لترك الأحذية والأغراض، ويمنع إدخال الكاميرات والهواتف المحمولة (سمح لنا استثناء لأننا كنا في وفد رسمي). عند الأبواب الخشبية للمقام ”يقبّل” الداخلون الأبواب، وينحني الخارجون منه لتأدية واجب السلام على الإمام.
يفرض على الداخل إلى المزار قراءة ورد الزيارة، وأداء ست ركعات؛ ركعتان للإمام علي وأخرى لسيدنا آدم ونوح عليهما السلام. في الداخل زحمة كبيرة للوصول إلى قبر علي رضي اللّه عنه.. عند قبر الإمام، ترتفع الابتهالات والدعوات، لكلٍّ طلبه، ويعتقد الشيعة أن للإمام علي كرامة تلبية هذه الدعوات. أغلب الزوّار يحملون معهم رايات خضراء يتمسحون بها على السياج الفضي للمقام، ويرمي الزائرون داخل المقام- كل حسب قدرته- مبالغ مالية تتراكم ليتم جمعها من قِبل القائمين على المزار بعد غلقه ليلا. تشير بعض الأرقام غير الرسمية إلى أن قيمة عائدات ”العتبة المقدّسة” تبلغ 16 مليار دولار، تتضمن أيضا عائدات ”الخُمس” الذي يتبرع به التجار الشيعة من كل أصقاع العالم. وتتجمع العائلات والشباب للنوم والإقامة لليالي في الساحة الخارجية للمزار، كما يتحلق في باحة المرقد طلبة العلم في أكثر من حلقة للاستماع إلى الدروس التي يقدّمها علماء ومراجع من الشيعة. وتقام في الوقت نفسه حلقات ”اللطم” التي يتم فيها استذكار مأساة الحسين في كربلاء، بالفارسية والعربية غالبا وبلغات أخرى، وحين يصل اللطم إلى ذروته يستلسم الرجال للضرب على الصدر، وتستلم النساء للبكاء والعويل على ما انتهى إليه مصير الحسين.. هنا تدغم ”لام” اللوم على التاريخ، و”طاء” الطقوس، و”ميم” الاعتقاد بالمهدي المنتظر.
دهاليز الماضي
قبل الدخول إلى ”العتبة المقدّسة” في النجف، حيث مقام الإمام علي، هناك ممرات ودهاليز سوق النجف، وهو سوق تراثي بدأت تغزوه شيئا فشيئا الموضة، لكنه مازال يحافظ على طابعة التراثي العريق، ومازالت هناك محلات تدور فيها رحى طحن الدقيق والقهوة، وصناعة الخبز البلدي وحلويات ”المدهن”، وصنّاع شراب الرمان، وباعة الذهب والفضة.
الضرب على الأواني النحاسية يصم الآذان في السوق، وحين تقترب من مكان الطرق تكون أمام محل العم صالح.. مازال الشيخ يدير متجره الصغير لصناعة الأواني النحاسية منذ أكثر من خمسين عاما، حيث ورث محله عن أبيه، ومازال يحترف المهنة نفسها منذ عقود، رغم أن ولديه توجها إلى التدريس في الجامعة والعمل في وكالة الطاقة النووية. في الطابق العلوي للسوق تجتاحك حشرجات آلات الخياطة، فعشرات الخياطين يشغلون محلات صغيرة يخيطون البردة والملابس التقليدية و”الدشداش” والبرانيس والعباءات و”التشادور”، كما يخيطون ملابس للعسكر والشرطة. وفي الجهة الأخرى من السوق باعة الأواني والأغراض القديمة.. هنا تحصل على السيوف والخوذات والدروع والألبسة التي كان يرتديها المحاربون القدامى. وخارج سوق النجف توجد ساحة كبيرة احتلها باعة الكتب والبخور، وعربات يشتغل عليها أطفال لبيع الحلوى التقليدية، واحتل جزءا منها باعة العملات الأجنبية، أو مكاتب الصرف في الهواء الطلق. هنا يتاح لك أن ترى جبالا من الدينار العراقي الذي مازال يعاني من التضخم، حيث يبلغ صرف 100 دولار أكثر من 122 ألف دينار عراقي. اللافت أن ”التومان”، وهي العملة الإيرانية، باتت العملة الأكثر حضورا في النجف، تماما كما بدأت اللغة الفارسية تجد لها مكانا لافتا في النجف والمدن ”المقدسة”، بسبب كثرة الزوار القادمين من إيران. يستغل التجار العراقيون حركية السياحة الدينية للترويج لسلعهم ومنتجاتهم الحرفية.
قريبا من مقام الإمام علي توجد مقبرة ”السلام”، التي يقال إنها أكبر مقبرة في العالم، حيث تتربع على مساحة 30 هكتارا، ويدفن فيها الناس من كل أقطار العالم. هناك بعض العائلات الشيعية التي تتواجد في دول وقارات مختلفة تصرّ على نقل رفات موتاها لتدفن في هذه المقبرة قريبا من مرقد الإمام علي.. يعتقد الشيعة أن 70 ألف نبي من أنبياء اللّه مدفونون في هذه المقبرة التي تمتد إلى أفق بعيد. وتستقبل المقبرة 30 دفنا جديدا يوميا.
في اليوم الموالي
غدا يوم جديد، كان المقصد إلى حيث يشدّ الشيعة الرحال في الكوفة، إلى مسجد الإمام علي بن أبي طالب وبيته في الكوفة. على مسافة نصف ساعة مع زحمة الطريق والحواجز الأمنية إلى مسجد الخليفة الرابع. لا يحب الشيعة أن يوصف الإمام علي كذلك.. في معتقداتهم أن الإمام علي هو الخليفة الأول والأزلي للمسلمين، بعد وفاة الرسول محمد صلى اللّه عليه وسلم، ويعتبرون أن الصلاة على الرسول، عليه الصلاة والسلام، مبتورة إن لم تكتمل بالصلاة على آل بيته. في الكوفة بيت الإمام علي دار متواضعة، بها ديوان كان يستقبل فيه الإمام زائريه، وبئر صغيرة، وفي الداخل غرفة نوم الإمام التي لا تتجاوز المترين على ثلاثة أمتار، وغرفة صغيرة مثلها لابنته السيدة زينب المدفونة في سوريا، وغرفة مثلها لأم البنين زوجة الإمام علي، وبيت أخرى كان يرقد فيها الحسن والحسين، ومكتبة صغيرة. يحيط بالبيت سور صغير يتلامس مع قصر الإمارة الذي احتله عبد اللّه بن زيادة الذي أرسله زيد بن معاوية، ليحكم العراق ويخاصم الحسين، وبخلاف بيت الإمام المزدحم بالزوار، كان قصر الإمارة موحشا، يعلّق عليه الشيعة انتقاما من آل معاوية بأن ”تلك بيوتهم خاوية، تسكنها الذئاب العاوية”.
قريبا من بيت الإمام علي مسجده، مازال محراب الإمام في مكانه، بالقرب منه حُفر المكان الذي قتل فيه الإمام علي، حيث يتسابق المصلون على الصلاة في الحفرة. وكما في مرقده في النجف، يتحلّق طلبة العلم للاستماع إلى دروس العلم من مراجع الحوزات العلمية، فيما تجتمع مجموعات متناثرة قادمة من في كل مكان، في حلقات ”لطم” وبكاء على مأساة مقتل الحسين، بعض ”اللاطمين” يدخل في غياهب الروح فيؤذي نفسه. وفي عاشوارء تقوم مواكب العزاء للحسن، حيث يضرب بعض الشيعة أنفسهم بالسلاسل والخناجر، برغم أن المرجع الأكبر للشيعة في العراق، السيستاني، أصدر فتوى تحرّم إيذاء النفس باللطم وإسالة الدم.
إلى الحسين في كربلاء
على مسافة 400 كيلومتر يسير الناس إليه مشيا على الأقدام. قبل أيام من عاشوراء يبدأ المسير من مدينة البصرة، كما من كل المدن العراقية، إلى مقام الحسين في كربلاء، وأصل اسم المدينة ”كرّ وبلاء”. تعد عاشوراء من أكبر المناسبات الدينية لدى الشيعة، إذ يحيون فيها ذكرى مقتل الإمام الحسين وأخيه العباس، في أجواء يخيّم عليها الحزن، وترفع الرايات السود وصور الحسين وعلي بن أبي طالب وسط المجالس التي تروي السيرة ”التراجيدية” للحدث. في طريق الذهاب، تنتشر ”الحسينيات ” و”المواكب الحسينية”، وهي إقامات صغيرة تمنح الأكل والشراب لـ”الحجاج” مجانا.. كل محسن يقيم حسينية بما يستطيع، بعض رجال الأعمال والأثرياء يقيمون حسينيات فخمة ومزخرفة إكراما– حسبهم- للحسين.
على طول 100 كيلومتر الأخيرة إلى مقام الحسين توجد أعمدة كهرباء مرقّمة حتى 1600 عمود، تتيح للزائرين التواعد على رقم أي عمود للالتقاء. عند الوصول إلى كربلاء تتشدّد الإجراءات الأمنية، وتمنع السيارات من الدخول إلى مقام الحسين، عدا تلك التي تحمل شارات خاصة، كتلك التي تخص الفنادق الفخمة التي أنشئت في السنوات الأخيرة في كربلاء. وقبيل الدخول إلى المرقد، يجدر بالزائر التعرف إلى مقامات صغيرة تنتشر في المحيط، كل منها لها قصة تاريخية، كالمكان الذي أقامت فيه السيدة زينب، أو المكان الذي اعتلاه الحسين ليطلّ على جيش يزيد بن معاوية. فالمكان متخم بالقصص الدراماتيكية المؤلمة في تاريخ الإسلام، والصراع السياسي بين أهل البيت من الشيعة الذين تشيّعوا لعلي والحسين، وآل معاوية الذين أثخنوا بالقتل في آل البيت، وقتلوا ببشاعة الحسين وأهله، ونكلوا بهم تنكيلا، حسب ما يرويه الشيعة.
يحمّم ألم التاريخ زوار الحسين، فيقبّل الداخلون إلى المرقد الأبواب الخشبية، وينحني الخارجون منه لتحية الحسين. وداخل المقام أبهة وفخامة، فكل مناحي المقام وجدرانه مزخرفة ومزينة. وعند المرقد طلي السقف بالفضة، وطلي سياج المرقد بالذهب، ويرمي الناس الأموال ويرفعون أيديهم ليوهبوا مطالبهم. يقصّ عليك المرافقون الشيعة للوفد الذي كنا فيه قصصا لأشخاص قضيت حاجاتهم بعدما طلبوها في مقام الحسين. بعض القصص يمكن أن تصدق، وقصص أخرى يصعب تصديقها، وربما تكون أقرب إلى الإشاعة والدعاية منها إلى الحقيقة.
في مرقد الحسين يلحظ وجود أشخاص يلبسون عباءات موحّدة وطرابيش حمراء، هؤلاء هم خدم المقام.. وحدهم من يختصون بالخدمة في المقام، يتوارثون ذلك أبا عن جد. وهنا أيضا تسجل القنوات الفضائية الشيعية الدروس الدينية، كقناة ”الحسين”، وقناة ”الغدير” التي استضافت الوفد.
في حضرة السياسة
لا تغيب السياسة عن ”العتبات المقدّسة”.. تحضر مجموعات من البحرين تدعو على نظام آل خليفة الذي يقمع ثورة الشيعة في البحرين، ومجموعات من اليمن تدعو بالنصرة للحوثيين وهم شيعة اليمن، وجماعات كثيرة تأتي من لبنان، ممن ينتمون إلى حزب اللّه أو حركة أمل، ووفود كثيرة من سوريا التي باتت أكثر اهتماما في العراق، بعدما اتجهت الأزمة السورية منحى طائفيا ومذهبيا. أبلغنا أحد المسؤولين على الوفد من الناشطين السابقين في منظمة ”بدر” المسلحة التي كانت تعارض نظام صدام حسين، أنه تم تشكيل لواء باسم ”لواء أبو الفضل العباس” تم إرساله الى سوريا وكُلّف خصوصا بحماية مرقد ”السيدة زينب” في العاصمة دمشق، وهو يقاتل إلى جانب الجيش السوري ضد الجيش الحرّ. كما تتم هنا رعاية مجموعات تأتي من دول القوقاز والجمهوريات الروسية، وكذا من دول شمال إفريقيا كالمغرب، وتونس الذي حضر منها أحد أبرز شيعة تونس الباحث محمد الصالح الهنشير.
فالحج إلى مقام الحسن وعلي في النجف وكربلاء مناسبة أيضا للاتصالات السياسية، ولربط العلاقات بين المجموعات الشيعية المنتشرة في كثير من دول العالم، ولحلحلة مشكلات تعترض هذه المجموعات، وفرصة للقاء قيادات سياسية كمقتدى الصدر والحكيم وغيرهم، أو مراجع دينية شيعية رفيعة كالسيستاني وغيره. لكن أكثر من يزورون ”العتبات المقدّسة”، إضافة إلى العراقيين، هم الزوار القادمون من إيران. هذه الأخيرة التي بات حضورها لافتا في العراق، حيث يلعب عامل المذهب الديني لصالح طهران.. الشيخ آية اللّه الخميني، وخليفته آية اللّه خامنئي، من أكثر الصور التي تتواجد في المزارات، إضافة إلى صور مراجع عراقية كمحمد باقر الصدر، إضافة إلى كتب علماء الحوزات الدينية في ”قم” في إيران. كما أنه ليس غريبا أن يلحظ طغيان عملة ”التومان” الإيرانية على جزء من التعاملات في المصارف والبنوك ومكاتب الصرف العملات في النجف وكربلاء، ولا تستغرب أن يطلب منك إيراني أن تتعلم اللغة الفارسية- بحسبه- لتفهم كتب الخميني.
لم أكن مهتما كثيرا لفهم هكذا تفاصيل، كنت أحاول أن أعيد ترتيب كثير من الأفكار والمعلومات، والحقائق والإشاعات.. في طريق العودة من مقام الحسين في كربلاء، تختفي ”الحسينيات” ولا أثر لـ”المواكب الحسينية”، لأن ”الحجيج” يعودون ركّابا في السيارات والحافلات، بعدما ينتهي ”الحج”. كما عدنا نحن مجددا إلى النجف، بعدما خيّم الظلام على المدينة.. كان كل منا يحتاج إلى بعض الوقت لاستحضار العقل والعودة إلى الحاضر.
الباحث التونسي الشيعي محمد الصالح الهنشير
”غالبية الشيعة في الجزائر من النخبة لكنهم يخافون المجتمع”
نادرا ما يحضر شيعة من دول شمال إفريقيا، الجزائر والمغرب وتونس إلى النجف، لكن في الفترة الأخيرة ومع بروز جماعات تعمل لصالح المذهب الشيعي في المنطقة، باتت النجف تستقبل متشيّعين من شمال إفريقيا. ”الخبر” التقت في النجف بالباحث التونسي محمد الصالح الهنشير، وهو أحد أبرز أقطاب الشيعة في تونس.
يقول محمد الصالح الهنشير إنه كان عضوا قياديا وفي مجلس شورى حركة النهضة التونسية، حتى انسحابه من النهضة في عام 1997، بسبب خلافاته مع قيادتها حول المسار العام للنهضة. وقد أصدر الهنشير قبل فترة كتاب ”هكذا فهمت الإسلام” يلخص فيه تجربته في التحوّل من المذهب السني إلى المذهب الشيعي، وصرح لـ”الخبر” قائلا: ”تشيّعت منذ 10 سنوات، وليس للشيعة في تونس تنظيم ولا نسعى إلى ذلك”. وبدأ الهنشير يعتقد بمعتقدات الشيعة، ويرى أن الإمام علي رضي اللّه عنه أجلّ عند اللّه من الأنبياء لعلمه، ويرى أن المذهب المالكي الذي يسود منطقة المغرب العربي مذهب غير صحيح، ويطعن في نسب الإمام مالك رضي اللّه عنه.
ويقول الهنشير: ”زرت الجزائر أكثر من مرة، وألتقي بشيعة من الجزائر، وألقي محاضرات ودروس (ذكر منطقة الحميز في العاصمة). واللافت أن غالبية الشيعة الذين أعرفهم في الجزائر هم من أهل الفكر، بعضهم أساتذة جامعيون، بينهم إمام خطيب في أحد مساجد العاصمة درس في قم في إيران”. وقال: ”أنا مع إعلان الشيعة عن وجودهم بشكل علني في الجزائر. لكن تخوّف شيعة الجزائر من الخروج إلى العلن مرجعه مخاوف من ردّة فعل اجتماعية وسياسية”.
البوم الصور