الشاعر الأميركي موريس دوكول لـ (الصباح): أريد أن أرى بغداد مركز العالم
حاوره في باريس ـ أحمد عبد الحسين
موريس دوكول شاعر أميركيّ، كان شاهداً على حرب العراق، إذ دخل العراق جندياً وخرج منه مترعاً بصور عن فظاعة ما حدث، حبه للعراق ممتزج بأطياف تأريخية قرأها عن سومر وأكد وبابل، كانت لحظة وقوفه على نهر الفرات لحظة مقدسة بالنسبة له، لأنه لم يكن يتصور يوماً ما انه سيبلل يديه ووجهه بماء هذا النهر المذكور في التوراة، جمعتني وإياه فعالية شعرية في باريس، سألته عن الشعر الأميركي المعاصر، عن تأثير الحرب فيه، وعن الشعر الأسود، وإمكانية أن يغيّر الشعر العالم، فكان هذا الحوار الذي تمّ بمساعدة كريمة من قبل صديقة لبنانية رائعة "منى غصن".
ـ كنتَ جندياً، ودخلت مع القوات الأميركية إلى العراق، ما انطباعك عن العراق؟
ـ حسناً، لأبدأ من إحساسي الذي انتابني في الطريق من الكويت للعراق، أسى عميق وترقّب وخوف، نعم خوف لا مثيل له، كنا ذاهبين إلى حرب في بلد لا نعرف عنه الكثير، صحراء ممتدة ولم نكن نعرف لم نحن هنا. لكني ـ صدّق أو لا تصدق ـ حين دخلت الناصرية وجدتها تشبه كاليفورنيا ..
ـ الناصرية تشبه كاليفورنيا؟
ـ نعم .. الفضاء الممتد، والخط السريع فيها أول ما رأيته هناك، ذكرني بكاليفورنيا، رأيت أحياء في الناصرية كأنها في مسقط رأسي. ثم هناك شعور عميق آخر، حين وصلت إلى ضفاف الفرات، يا للروعة، كنت مغموراً بشعور فريد، أنا على ضفاف نهر مقدس، في هذا الموقع التأريخي العظيم، استحضرت حينها كلّ ما قرأته عن "ميزوبوتاميا ـ بلاد ما بين النهرين". كنت في اشدّ حالات التأثر.
ـ صورة العراق هذه هل تشبه صورته التي كانت في ذهنك قبل مجيئك إليه؟
ـ طبعاً كانت صورتي عن العراق مأساوية،اثنا عشر عاماً من الدمار ومن غياب إعادة الإعمار بسبب الحصار، كان في ذهني تصوّر نمطيّ خلقته لنا الميديا، خصوصاً تفجير العامرية الذي تم تداول صوره آنذاك على نطاق واسع.إذن توقعتُ أن أرى الخراب الذي رأيته فعلاً، لم أكن مصدوماً أبداً، وبالفعل لم أر صورة إيجابية أبداً.
ـ لننتقل إلى الشعر، نحن لا نملك صورة وافية عن الشعر الأميركيّ الآن
ـ مشهد الشعر الأميركي كبير وواسع، ليس هنالك من قوالب محددة، لم تعد هناك تقاليد خاصة بكل شاعر على حدة، صار الشاعر حراً أكثر، وقلة فقط هم الذين يعودون للماضي الشعري، بعضهم يقلد شعراء سابقين لكنهم قلة على أية حال.
ـ أليس هناك أبناء لـ"ألن غينسبرغ" مثلاً؟
ـ غينسبرغ بالذات له مقلدون كثر.. نعم هناك شعراء يقلدونه في كل وقت.
ـ في العراق لدينا شعراء قلدوه، خاصة قصيدته "عواء"؟
ـ لا أستغرب ذلك، إنه مقروء عالمياً.
ـ ربما لأنه سياسيّ؟
ـ نعم، أنهم في الأغلب يقلدون افكاره لا أسلوبه بالضرورة، كان غينسبرغ قبل الحرب العالمية الثانية شاعر حبّ، لكنه تغيّر تماماً بعد أن رأى فظاعات الحرب، أفكاره السوداوية عن وحشية العالم والإنسان وسخريته السوداء أثرتْ في كثير من الأجيال.
ـ هل سيكون لحرب العراق مثل هذا التأثير في الشعر الأميركي؟
ـ ربما، أعتقد انها ستؤثر ربما، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عاد الجنود بصورٍ لمجازر أثرت فيهم كثيراً وانعكست بالتالي على شعرهم وطريقة كتابتهم، صارت هذه الصور والمشاعر داخلة في الثقافة المعاصرة حتى بالنسبة لأولئك الذين لم يشتركوا في الحرب، أنا أرى قصائد سيلفيا بلاث عن الانتحار ضمن هذا الإطار، الحرب لم يكن تأثيرها على المشتركين فيها فقط.
ـ ما تأثير الشعر الأسود في خارطة الشعر الأميركي؟
ـ في فترة تحرر السود كان هناك شعراء مهمون وفاعلون كتوني موريسون، أمير باراكا، وكواندلم بروكس، اسهموا في إضافة روح جديدة للشعر.
ـ واليوم؟
ـ أنا أقرأ لانكستن هيوز ويوسف كوفياك أقرأ للجميع، لكلّ أسلوبه في الكتابة لكنهم ليسوا بالضرورة رجع صدى لشعر فترة التحرر. الأمور تغيرتْ.
ـ هل الشعر عموماً مقروء على نطاق واسع في أميركا؟
ـ أبداً. كتب الشعر لا تباع في أميركا كما في كل العالم، قراء الشعر هم مجموعة صغيرة، إنهم أقلية، اشبه بمجموعة دينية صغيرة.
ـ نحن لدينا نوع من الشعر ـ الشعبيّ والشعر الذي يستعيد تقاليد الشعر الكلاسيكيّ ـ مقروء بشكل جيد، ما رأيك بفكرة أن يغيّر الشاعر من شعره ليلائم شعره الذوق السائد، ليلتقي مع مساحة أوسع من القراء؟
ـ لست أميل الى هذا الرأي، الشعر فنّ ولا يمكن أن يتحول إلى سلعة.
ـ جيل دولوز يقول "أن اكون صاعقة خير من أن أكون سلعة"؟
ـ أوافقه الرأي طبعاً. مقولة عظيمة.
ـ ما الذي يمكن للشعر أن يفعله في مواجهة العنف، أتكلم باعتباري شاعراً يموج بلده بصنوف العنف؟
ـ ليس هناك اكثر من الصدق، كن صادقاً في التعبير عما تشعر وترى، وعلينا أيضاً ان نتمسك بفكرتك التي ذكرتها عن عدم تسليع الفنّ.
ـ باعتقادك هل الشعر كافٍ ليغيّر إنساناً؟
ـ نعم بالتأكيد، الشعر يسهم في التغيير، استمعت لشبان ثورة مصر في ميدان التحرير يغنون أغنية "ريتا" للشاعر محمود درويش الذي أحبه جداً. نعم أعرف ان الشعر يمكن أن يغيّر ولو بعد فترة من الزمن.
ـ درويش في بداياته شاعر جماهيري، هل يمكن الجمع بين الجماهيرية والفنية العالية؟
ـ الشعر يمكن أن يحظى بفرصة أكبر إذا انتبهنا لتدريسه في المدارس، في الصفوف الأولى الابتدائية لا نقرأ الشعر، وإذا كان هناك شعر فهم لا يلامس حياتنا، يجعلوننا نقرأ "هوميروس"، ما علاقتي بهوميروس؟ أبداً لم نقرأ شعراً معاصراً، أعتقد ان الأفضل إدخال شعراء معاصرين للدراسة، يجب ان يتعرف الطفل على شيء من الشعر الحالي ليحبه، هذه مشكلة، وحين يكبر هذا الطفل قليلاً يدرسونه شكسبير بلغته الصعبة المعقدة، شكسبير صعب حتى للكبار والمختصين، دراسته في فترة مبكرة تسهم في كراهية الطفل للشعر، ما أحسه صعباً سأكرهه بالضرورة.
ـ كيف يمكن أن يباشر الشاعر الكتابة في قضايا سياسية مصيرية ويحافظ على الشعر كفن خالص؟
ـ الشعر فنّ راقٍ، هذا جيد، لكني لا أوافق عليه بالكامل، الشعر يتحدى سياسات وأفكاراً، في فترات ما يكون له تأثير حاسم، في فترة تحرر السود مثلاً كان له تأثير كبير على الناس.
ـ لكن التأثير الأكبر للشعارات والخطب الحماسية، مثالك عن تحرر السود جميل، هل هناك شعر له التأثير نفسه لخطبة "عندي حلم I have adream لمارتن لوثر كنغ؟
ـ أهمية هذه الخطبة بسبب أهمية الحدث أولاً، ثم الرسالة التي تحملها وشخصية صاحبها وتوقيت الخطبة وحجم الحاضرين.
ـ هل هناك كاتب حيّ في أميركا يعدّ صدور كتاب له حدثاً ثقافياً؟
ـ نعم. بيلي كولينز، إنه كاتب مهتم بالتصوّف الإسلاميّ، كتبه تشكل علامة فارقة في الثقافة الأميركية الآن، يعرف اللغة الفارسية وهو ملمّ بأدق تفاصيل الدين الإسلاميّ.
ـ هل ستعود إلى العراق؟
ـ أتمنى ذلك من كل قلبي، اريد أن أرى بغداد لأنني لم أرها، رأيت الناصرية فقط، أحبّ أن أرى تلك المدينة التي كانت يوماً ما مركز العالم.