لا يزال التحديق في عينيك
|
يشبه متعة إحصاء النجوم في ليلة صحراوية...
|
ولا يزال اسمك
|
الاسم الوحيد "الممنوع من الصرف" في حياتي.. |
لا تزال في خاطري |
نهراً نهراً.. وكهفاً كهفاً.. وجرحاً جرحاً... |
وأذكر جيداً رائحة كفك.. |
خشب الأبنوس والبهارات العربية الغامضة |
تفوح في ليل السفن المبحرة إلى المجهول... |
... لو لم تكن حنجرتي مغارة جليد، |
لقلت لك شيئاً عذباً |
يشبه كلمة "أحبك".. |
ولكن، وسط هذا المساء المشلول.. |
تحت أحابيل الضوء الشتائية الغاربة.. |
لم أعد أكثر من جسد ممدد في براد الغربة، |
لم يتعرف أحد على جثته |
المشخونة "ترانزيت" من دفء بيروت الغابر.. |
إلى مشرحة اللامبالاة في حانة الحاضر.. |
*** |
لأنني أولد مرة، وأموت مرات... |
لأنك دخول الضوء في الأشجار |
والحبر في عروقي، وبهاء لبنان في مرايا ذاكرتي.. |
أضبط نفسي متلبسة بالشوق.. |
متسولة على أبواب المجاعة إليك.. |
أهيم على وجهك، مثقلة بأشواكي |
مثل نبتة صبار صغيرة ووحيدة.. |
وأعرف أنني سأظل أفتقدك في ولائم الفراق.. |
(هل ينبغي حقاً أن أنساك |
كلما سكبت بيروت اسمنتها المسلح في حنجرتي؟) |
وأعرف جيداً طريق العاصفة إلى منارتك
|
وأحزان أنهار ضلّت الدرب إلى مصبّاتها.. |
لا تتهمني بالنسيان، ولا تطعنني "ببرج إيفل".. |
ولا تصلبني على عقارب ساعة "بيغ بن".. |
ولا تحنط رأسي وتعلّقه أعلى "قوس النصر".. |
لم يكن بوسعي أن أزرع الياسمين الدمشقي، |
فوق جدران "سوهو" و "الحي اللاتيني".. |
ولا اقتلاع "برج بيزا" لغرس نخيلي مكانه.. |
لكنني احتفظت لك دوماً بحقل سرّي |
في دهاليزي.. وأشعلته بحمرة شقائق النعمان اللامنسية |
المتأججة على جبين البراري السورية.. |
*** |
آه سأظل أتذكر تلك القبلات |
التي تتبادلها يدي ويدك خلسة.. |
حين أصافحك وداعاً، |
في سهرات الياقات المنشاة.. |
وولائم أقنعة الدانتيل فوق أسنان أسماك القرش.. |
*** |
... أحمل حبنا إلى محنّط الطيور |
وأرجوه أن يصنع لنا شيئاً.. |
تفوح رائحة عقاقيره، يستل مشرطه |
وهو يتناول مني عصفورنا النادر |
ثم ينطلق هارباً صارخاً: ولكنه مازال حياً... |
... أرافق حبنا إلى الحانة.. |
فيطرده النادل ضاحكاً: طائرك ولد ثملاً... |
... أمضي بحبنا إلى "مقهى المطر" |
وأغني له كي ينام، فيحدّق ساخراً.. |
وعلى أهدابه ألمح اسمك |
معلّقاً كدمعة تواكبها ابتسامة شيطانية.. |
أدس له المخدر في قهوته،
|
فيرتشفها لا مبالياً ممتطياً صهوة الذكريات.. |
ويقصّني صوت فيروز الجارح منشداً.. |
(بعدك على بالي...)... |
*** |
لماذا أخط إليك الآن جنوني |
في "لحظة حب نزقة كزفرة تنهد؟ |
لأنني الليلة، داهمت منضدة مكتبي
|
فوجدت أحد أقلامي جثة هامدة |
وقد مات منتحراً.. |
بعدما شرب السم بدل الحبر.. |
وكنت قد كتبت به صباحاً
|
رسالة وداع إليك!.. |
_______
|
17-2-1989
|