جهاز نسخ بيولوجي لاكتشاف حياة على المريختطوير تقنيات جديدة تغني العلماء عن السفر إلى الفضاء
يطور خبراء تكنولوجيا الفضاء جهازا جديدا يعتبر بمثابة محول رقمي بيولوجي، من شأنه نسخ وإرسال المعلومات المتعلقة بالكائنات الحية على كوكب المريخ إلى الأرض، في وقت قياسي، وذلك على غرار آلية عمل الفاكس، في محاولة منهم لكشف خبايا المريخ ،بأقل التكاليف وفي أقصر الأوقات.
وذكرت مجلة "ساينس أند تكنولوجي"، في تقرير نشرته حول هذا الموضوع ،أخيرا، أن الجهاز ينسخ الهيكل التنظيمي لخلية كائن حي دقيق على افتراض أن يكون موجودا على سطح المريخ، دون الحاجة لجلبه إلى الأرض عبر مركبات الفضاء وفحصه في المختبرات. وسيستخدم الجهاز بداية لنسخ جينات منفردة أو فيروسات معينة، على أن ينسخ الكائنات الحية أحادية الخلية مثل البكتيريا، في مراحل لاحقة.
آلية العمل
ويعد هذا الجهاز الاختراع الجديد للعالم جي كريغ فينتر، والمعروف باختصاصه في مجال الجينات وتركيبها. ويعمل الجهاز على تحديد تركيبة وحدات الحمض النووي في المحتوى الجيني لكائن ما قد يكون على سطح المريخ مثلا ونسخها، ومن ثم نقلها إلكترونيا إلى مستقبلات على كوكب الأرض. ويتم ذلك عبر إدخال الحمض النووي الذي تم الحصول عليه في خلية مفرغة، بحيث توجه الخلية المادة الوراثية "دي إن إيه"، إلى إعادة ترتيب نفسها كما كانت في الكائن الحي الذي استخرجت منه.
الفاكس البيولوجي، أو كما اصطلح على تسميته، ليس بالفكرة بعيدة المنال، فتقنية إعادة ترتيب الحمض النووي باتت أسرع انتشارا وأقل تكلفة. وعلى الرغم من ذلك، فإن استنساخ منظومة جينية كاملة لكائن لا يزال أمرا صعبا، وقد يكون من المستحيل التحقق من ذلك. من جهتها استخدمت شركة فينتر "سينثتك غينومكس"، بالتعاون مع شركة "نوفارتس" للأدوية، تقنية نسخ الجينات هذه لتطوير لقاح تجريبي يكافح أنفلونزا الطيور "أتش 7 أن 9".
تقنين التكاليف
ويشير العلماء إلى أنه لدى ظهور أي سلالة جديدة من الفيروسات في العالم كانوا يضطرون إلى جلبها للمختبر ،والعمل مدة أسابيع كاملة لتكثيرها في بيض أو خلايا حيوانية، وذلك للحصول على اللقاح المضاد لها. إلا أنه ولدى انتشار فيروس "إتش 7 أن 9"، في الصين، نسخ العلماء تركيبة الحمض النووي للفيروس وأتاحوا المعلومات المتعلقة به للعامة على شبكة الإنترنت، الأمر الذي سهل على فريق عالم البيولوجيا فينتر إعادة تشكيل الجينين الرئيسيين المكونين للحمض النووي واستخدامهما في تصنيع اللقاح المضاد، وذلك خلال يومين فقط، دون الحاجة لجلب الفيروس من الصين إلى مختبراتهم في الولايات المتحدة الأميركية.
من جهته يقول فينتر إن شركته ستبدأ ببيع جهاز الاستنساخ الأوتوماتيكي هذا العام المقبل. ويؤكد أنه :" أخيرا، سيكون لدينا صندوق صغير يشبه الطابعة، يمكن وصله بجهاز الكومبيوتر". الأمر الذي يُمكن المصابين ببكتيريا معينة من إرسال الشيفرة الخاصة بها عبر الجهاز ليتم تركيب فيروس مضاد لها. وفي هذا الصدد يشير فينتر إلى أنه :" يمكننا إرسال المضاد الحيوي بصورة مشابهه للبريد الإلكتروني"، موضحا أنه بالإمكان أيضا تصنيع البروتين ، مما يُمكن المصابين بمرض السكري مثلا من تحميل الأنسولين من الإنترنت.
وعلى الرغم من تعدد منجزات فينتر، بعمره العلمي البالغ 67 عاما، إلا أنه أخفق في تحويل الكثير منها إلى مشاريع ناجحة. فالصفقة التي أبرمتها شركة "سينثتك غينومكس"، مع شركة "إكسون موبيل" عام 2009، والتي بلغت قيمتها 600 مليون دولار أميركي لإنتاج الوقود الحيوي باستخدام الطحالب، تقلصت لتصبح مشروعا بحثيا فقط.
ومن المتوقع أن يستخدم جهاز النسخ البيولوجي بفعالية عالية في مجال الاكتشافات الفضائية، نظرا لارتفاع تكلفة الرحلات الفضائية، فضلا عن عدم جدوى شحن كميات كبيرة من الأدوية إلى البلد الذي يواجه انتشار فيروس ما.
وعلى الرغم من محاولة العلماء، من خلال إجرائهم للتجارب على هذا الجهاز في صحراء "موغافي"، محاكاة ظروف وخصائص كوكب المريخ، إلا أنهم يؤكدون أن الطريق لا يزال أمامهم طويلا. فعلى الأرض استغرق نسخ الحمض النووي لبكتيريا خضراء تم الحصول عليها من الصخور الموجودة في المنطقة مدة 26 ساعة، وذلك في حافلة مليئة بالمعدات المخبرية. وبناء على ذلك يقول كريس مكاي، العالم من وكالة "ناسا"، والذي يعمل على تطوير المشروع، إنه لا بد من تصغير حجم الحافلة المخبرية إلى صندوق صغير ليكون بالإمكان نقلها إلى المريخ، مشيرا إلى أنه :" خلال كل تلك المدة التي تسبق ذهابنا إلى المريخ، سنكون قد صرفنا حوالى 500 مليون دولار أميركي على تطوير ذلك الصندوق الصغير". ويأمل العلماء الانتهاء من تطوير جهاز النسخ البيولوجي ووضعه على سطح المريخ عام 2020.
انتقادات
تصدر العالم فينتر وفريقه ،عام 2010، عناوين الصحف العالمية، وذلك لدى إعادة ترتيبهم للهيكل التنظيمي الخاص بأحد أنواع البكتيريا ونقلها إلى نوع آخر من الكائنات الحية، مما دفع الحمض النووي إلى التناسخ بذات الشكل في الخلية الأم. الأمر الذي أثار في ذات الوقت حفيظة بعض الناقدين ،الذين قللوا من شأن الأمر قائلين إنه لم تنشأ خلايا حية من العدم. من جهته رد فينتر "أن الحمض النووي ليس مخزنا للحياة بحد ذاته ،بل هو فرصة لحياة جديدة"، مؤكدا أنه وفريقه يعملون على تطوير هيكل تنظيمي لا يكون نسخة مماثلة تماما لهيكل آخر، وبأنهم باتوا قريبين من تحقيق سبق في هذا المجال.