(( إستيقاظٌ مُبكر ))
قاربت الساعة العاشرة مساءاً والزوجة لازالت خارجاً والإنتظار يأكل قلبَ الزوج وَ لهفة الطفل
الذي كان ينتظر كل مساء لـ يحصل على قُبلة والدته ، كان عملها يتطلبُ منها أحياناً هذا التأخير ، ليس حاجة
وإنما إدمانها وإهتمامها بـِ إرضاء أرباب عملها على حساب نفسها وَ أُسرتها الـ لم تهتم بـ إحتياجاتهم دوماً
اعلنت الدقائق وقت عودتها ولم تلبث كثيراً حتى تواجدت داخل منزلها واضعة حقيبتها على طاولة الطعام
باحثة عن لقمةٍ تسد جوعها كـ العادة التي كان زوجها يقوم بـ تحضيرها لها لكنها هذه المرة لم تجد شيئاً
لا على الطاولة ولا في الثلاجة نظرت الى زوجها وبإبتسامة طلبت منه أن يخبرها أين يخبئ الطعام
ظناً منها أنه أحب أن يُمازحها هذه المرة ، لم يُجبها لـ عدة مرات ثم أخذت تتمتم مع نفسها بصوت عالٍ
بعض الشيء علها تترك أثراً في قلب زوجها إما غضباً تثيره فيه وإما حناناً عليها تطالبه به
وحالما إنتهت من إعداد الطعام لـ نفسها سألت زوجها إن كان جائعاً وهل أن طفلها أخذ عشاءه قبل أن ينام
على الأريكة وهو لازال منتظراً عودة والدته ، فـ استسلم لـ النوم قبل حضورها ، أجابها بـ النفي
وأنه لم يكن متواجداً في المنزل وعاد قبلها للمنزل مع طفلهما الذي كانت حرارته مرتفعة والوجع ينهبُ ابتسامته
تركت طعامها وهرولت الى طفلها وهي تقول لزوجها : هل ذهبت به الى الطبيب ، لما لم تهاتفني ،
لما لم تخبرني ، لما ....؟ واسئلة كثيرة ترددت في مخيلتها وهي تقبل طفلها بـ رفق وتمسح جبينه بيديها
تودُ أن تشتشعر حرارة جسده وهي تلمس جبينه وكفيه وقدميه ، طلبت أن يحمله زوجها لـ فراشهما لـ تعتني به
لكنه أبى ، وطلب منها أن تتركه في مكانه نائماً ، ودون حديثٍ منها لـ برهة من الوقت نظر بـ برودٍ إليها
قائلاً لها ، أتعلمين شيئاً يازوجتي الودودة هذه اللحظة أنا أقارنك بـ أُخرى تعلقنا بها أنا وطفلنا ، رقيقة
حنونة ، طيبة ، جميلة في سكوتها ، في ثرثرتها ، حتى في غضبها ، لها قلبٌ مرهف ، وحنانٌ كبير
يفيضُ علينا كلَ حين ، ربما لست متعلقاً بها أنا أكثر من تعلق طفلكِ بها ، فـ أنتِ تعلمين أن الأطفال
يتعلقون جداً بـ من يهبهم الحنان والرعاية والإهتمام ، وكذلك الرجل ، صدقيني حاولت ان اُبعد نفسينا عنها
لكن دفئها الـ غمرنا جعلنا لانقاوم سحرها ونتلعق بها دون قصدٍ من قلبينا وعقلينا ، لم أشأ إخباركِ
لكنكِ تعلمين الملل الذي نشعر به دائما أنا وإبننا ، جعلنا نبحث عن أحضان أخرى طالبين حنانها وإهتمامها
صمتَ الزوج بُرهة منتظراً غضبَ وغيرة زوجته الـ كان كل قلبها وعقلها متجهاً نحو نجلها المحموم
والذي شعرت بـ هذيانه جراء الحرارة المرتفعة ، لكنها سمعت كل كلمة قالها زوجها سمعت صوته
بـ أنوثتها ، تحرك كل شيء في مشاعرها ، لمست وجهها بـ كفِ يديها ، وجدت أن حرارتها أصبحت
أعلى من حرارة وليدها ، حتى غرقت عيناها بـ الدموع ، وأطلت بـ وجهها إلى السماء ، لم تعرف ماتفعل
أخذت تفكر تلك اللحظة ، هل حقاً هي فقدت حب زوجها وقلبه وتفكيره ، وطفلها الـ لايستغني عنها
كيف تعلق بـ أخرى لم يضنها التعب في تربيته ولا سهرت الليالي لأجله ، ولم تكترث بـ وجوده يوماً
وجاءت في هذه اللحظات لـ تسرقهما مني ، من تكون تلك ، كيف يكون شكلها ، اسلوبها ، تعاملها
مع حبيبين لي ، كيف جعلتهما يتعلقان بها ويحبانها وأنا على غفلة من أمري، متى كان ذلك ، كيف سمح لها زوجي ..؟
وعشرات الأسئلة والوساوس التي طاردتها لحظتها وهي لاتشعر بدموعها التي اغرق كفَ طفلها الصغير
الـ ممسكة به والقريب على وجنتها ، وجمرُ الثواني يأكلُ بعضها وربما كلها وهي تحترق بداخلي
أرادت الصراخ ، والعبث بـ مشاعر وغضب زوجها ومن ثم كسر كل ماهو قابل لـ الكسر في المنزل
لكن عطفها على صغيرها منعها وخوفها من إستيقاظه جعلها تتردد وتعيد التفكير بـ خطواتها اللاحقة
نهض الزوج واقترب منها حاول وضع يده على كتفها اراد إخباره بـ أشياء أخرى يود فعل حركة
يستطيع خلالها أن يكفكف دموعها لكنه لم يستطع ، وأخبرها بـ هدوء أن تذهب لـ النوم
وأنه سـ ينام بجانب الطفل هذه الليلة وسـ يهتم هو به لأنه قرر أخذ إجازة من عمله لـ الإعتناء به
حتى يشفى وتنخفض حرارته ، ويعود لـ سابق عهده ، إبتسامته وبهلوانيته يملئان البيت صخباً جميلاً وضجيجاً
ورغم كبرياءها الـ كان يطلب منها ان تعاند زوجها إلا انها إستسلمت لـ كلامه ونهضت من فورها وبقسوة
ودخلت غرفتهما وأغلقت الباب وهي تحدق في زوجها بكل كبرياء لكنها اجهشت بـ البكاء وراء ذلك الباب
ورمت بـ ثقل جسدها على السرير ، بعد ان دفنت وجهها في كفيها وهي تحاول إخراس صوت بكائها
وتقتل في نفسها ذلكَ الأنين ،لا شيء يريح تعبها ، وصوت زوجها الـ سلبت حنانه أخرى لازال يإن في مخيلتها
لكنها استردت بعض شجاعتها وتناولت منديلاً تمسح بها دموعها ثم أخرجت غطاءاً من الخزانة وخرجت
من الغرفة حتى وصلت إلى الركن الذي يتمدد فيه زوجها وطفلها وقالت أن الجو بارد عليه بـ أن يغطي
جسده وجسد طفلهما حتى لايشعرا بـ البرد رغم انها تعلم بـ حرارة طفلها المرتفعة وتلك الحمى التي لم تفارقه بعد
عادت الى الغرفة لـ تنال هي الأخرى قسطاً من الراحة لكن كيف ، وهي تشعر بـ غريزة انوثتها وأمومتها
يحترقان بـ صمت في داخلها ، وما من أحد يستشعر حالتها وإنقساماتها التي تتكاثر بـ أفكار و وساوس وحدتها
الليلة،مضت ساعات الليل الطويلة وكأنها أيام بـ النسبة لـ الزوجة،والنعاس كان هارباً من نافذة غرفتها
لم تشعر بـ هذا الضياع يوماً وفكرها المشتت الـ لم يعرف حتى اللحظة ما العمل وكيف تستردُ زوجها وطفلها
لم تشعر بـ قرص الشمس قد لاح في أفقِ الصباح حتى سمعت صوت هاتفها القادم من خارج الغرفة داخل حقيبتها
الـذي تركته على الطاولة منذُ الأمس،إستيقظ الزوج ايضاً على نغمةِ الهاتف لكنه لم يبرح مكانه منتظراً قدوم زوجته
لابد أنه العمل يطلبها وهي ليست كـ عادتها في الإستيقاظ متأخراً والتهيئ لـ الخروج قبل أن يستيقظ زوجها
خرجت من غرفتها وهي تمشي بخطوات متثاقلة صوبَ حقيبتها ،أخرجت الهاتف وأخذت تنظر الى الرقم المتصل عليها
ثم أجابت وهي تظن أن زوجها لازال نائماً،وأخبرت المتصل أنها لن تحظر لـ العمل لـ أيام لديها ظروف تمنعها
وأنتظرت حتى يكمل المتصل كلامه ثم صرخت: وكذلك زوجي وطفلي بحاجة لي أكثر من العمل، وصمتت لـ سماع
القبول من المتصل نظرت لـ الهاتف ثم نظرت الى زوجها وطفلها الـ توسدا تلك الأريكة القاسية ألـ تحتظن جسديهما
محاولة ردع نفسها بما سـ تفعله وهي تحاول إستعادة توازنها الفكري المرهق منذ الأمس حتى تصارع رغبتها ولا تندم مستقبلاً ،
فـ قالت دون تردد ، إذاً لـ تُقدموا إستقالتي ، فـ أنا لم أعد بحاجة لـ ذلك العمل ،
أغلقت هاتفها ورمت به على الطاولة وعادت بـ نظرها المبتسم بعض الشي والدموع لازالت حبيسة عينيها
وقادت نفسها الى المطبخ وهي غير نادمة ، بل وسعيدة أنها سـ تستردُ جزءها المكمل لها
والتي شعرت بـ ان شخصيتها لا تكتمل إلا بـ هذا الإستيقاظ المُبكر
إبتسم الزوج في سره وهو لازال مُمدداً وشعور الفرح العميق يكاد يشق صدره لـ الخروج ومعانقة زوجته لـ يخبرها :
أنها هي المرأة الأخرى الـ تكلمَ عنها أمس لكنها كانت تلبس ثياباً مغايرة ، واليوم عادت لـ تلبسها من جديد.
قصة من واقع إمرأة .....كانت لها حكايات ..، منها تلك الحكاية
بقلمي ،،،اسرار بلا عنوان