يعد موضوع نمذجة الاقتصاد في البيئة العربية الإسلامية من بين المواضيع التي شغلت المفكرين وجلبت اهتمام المثقفين الاقتصاديين ، من أجل النهوض بالأمة ووضع الأسس المؤطرة من أجل مواكبة التطور الحاصل في الساحة الدولية .
ومن بين المفكرين الذين اهتموا بواقع الأمة الاقتصادي والاجتماعي ، المفكر مالك بن نبي رحمه الله ، والذي حدد شروط النهضة باقتصاد أي أمة أو بيئة فقد تعرض في حديثه إلى نظام التفكير عند الشعوب التي تريد تطبيق أنموذج اقتصادي معين ، وكيف ينسج البشر تفكيرهم على منوال الآخرين ، فهذه البرامج التي استوردها المثقفون الاقتصاديون وأرادوا وضعها في بيئاتهم سواء كانت ماركسية أو ليبرالية ، كما حصل في أندنوسيا حين وضع المفكر شاخت برنامجا لم يتوج بالنجاح ، رغم أنه نجح في ألمانيا غداة الحرب العالمية الثانية، ويرجع بن نبي المشكل في أن البرنامج لم يكن متوافقا مع المعادلة الاجتماعية ، فضيع شرطا أساسيا من شروط النهضة والتنمية ، والمقصود بالمعادلة الاجتماعية هو العامل النفسي ( وعي اقتصادي ) و المشاكل الاجتماعية وطبيعة البشر ونظام تفكيرهم ونشاطهم الاجتماعي والثقافي .
كما ذهب المفكر عمار جيدل من خلال سلسلة فقه التحضر أن الذين يضعون خطط التنمية في بيئاتهم سواء كانت مستوردة أو متمازجة الاستراد ، وفشلت هذه الخطط ، لأنها لا تتوافق مع المبدأ الذي نشأت عليه الأمة ، فيضطر الناس لقبول المشروع تكلفا أو رغبة في تحقيق مآرب شخصية ، لأن البرنامج إذا حمل دفعة روحية يجعل من القائمين على شؤون الناس يسترخصون مهجهم من أجل النهوض بكيان الأمة .
وقد خلص جيدل إلى ما خلص إليه بن نبي ، في حتمية موافقة البرناج لمبادئ الأمة ( صلة رحم بين الناس والمشروع ) .
أما إذا كان المجتمع في حالة نشاط نسبي وتم وضع برنامج أدى إلى توقفه ، فهذا يحيلنا إلى طرح التساؤل حول طبيعته والجدوى من استراده ، فكانت النتيجة فقدان حضور المجتمع في البرامج المقترحة ، لأن الذين استوردوا النماذج الاقتصادية لم يفرقوا بين مجتمع الأشكال ومجتمع الشعور المشترك .
كما قسم الأستاذ أصحاب القرار في النماذج المقترحة إلى فريقين ، فالفريق الأول هم المستوردون الذين لم يدرسوا الوضع جيدا ولم يفسروا الواقع بالواقع فآل مشروعهم للفشل الذريع ، أما الفريق الثاني هو فريق المؤصلين الذي يؤصلون للمسائل فانتظروا أن يتغير الناس حتى يضعوا برامجهم ، ففشلوا كسابقيهم ، فكلا الفريقين في جزر متناثرة ( جزيرة التأصيل وجزيرة الاستراد ) .
ومنه فنظرة جيدل لا تختلف عن نظرة بن نبي كون المبدأ الذي تقوم عليه الأمة لا يختلف عن المعادلة لاجتماعية بمخرجاتها ، فكلاهما يركز على المبادئ المؤسسة من أجل مستقبل راشد للأمة .
عامر غزير
انظر مالك بن نبي ، المسلم في عالم الاقتصاد دار الفكر العربي دمشق 1981[1]
عمار جيدل أستاذ متخصص في العقيدة والفكر الإسلامي جامعة الجزائر [2]
حصة فكرية تبث على قناة القرآن الكريم تحت عنوان " رؤى " [3]