مقتطفات من كتاب الهوية الثقافية بين العالمية والعولمة للكاتب عفيف البهنسي


القانون العالمي هو قانون الحوار بين الذاتيات المتفاعلة في العالم وليس هو قانون الصراع.


البشر في العالم متساوون أصلاً بإنسانيتهم متقاربون في أهدافهم، يشعرون بوجودهم من خلال تفاعلهم وتبادلهم. والإنسان من أي جنس كان مركب من الخير والشر.


ثمة ضرورة لإعادة النظر في بنية المنظمة الدولية وفي صلاحياتها كي تواكب مطالب دول العالم التي تعيش على كرة أرضية واحدة بحقوق متساوية , لتحقيق ما تصبو إليه من حوار متكافئ في عصر شديد التقدم.


لكي نتحاور يجب أن نعرف من نحن، ثم يجب أن نعرف من هو الآخر. ويصدر هذا الجواب عن القناعة بأننا لن نكون بشراً ما لم نحقق حواراً ومعاشرة مع الآخر، بدءً من المجتمع الصغير إلى المجتمع العالمي الكبير.


ولأن جوهر الثقافة كامن في التحول، كان التباين بين الثقافات نتيجة حتمية، دون أن يعني هذا التباين فقدان اللغة الإنسانية المشتركة التي تحقق الحوار.


إن تعاقب حياة الناس على الأرض ليس تكراراً دون تطور إلى أعلى، والناس متفاوتون في تطورهم وتقدمهم , ويحكم تقييم المتقدمين مدى تعاونهم وتفاعلهم الإيجابي مع الآخر.


" إن الكائنات البشرية لا تقنع بمجرد الحياة في علاقات، بل إنها تنتج العلاقات لكي تعيش"غولديير .


إن حوار الحضارات هو حوار الذاتيات هو حوار بين الإنسان والإنسان بوصفه كائناً حضارياً وليس كائناً غريزياً كالوحوش التي تعيش في غابة يسودها الأكثر قوة والأكثر ضراوة.


لابد من تقدم القيم لدعم التقدم المادي ولإعطائه المغزى الإيجابي والإنساني.


لابدّ للحوار الحضاري أن يحل محل الحوار المادي، وبخاصة عندما يصعب تحقيق هذا الحوار بسبب تزايد الفروق بين قوى المركز وقوى المحيط، وبسبب انحصار الهيمنة على العالم بقطب واحد لا سبيل إلى حوار معه وقد امتلك ناصية الشرعية الدولية ذاتها.


الحوار العربي – العربي قاعدة أي حوار مع أية جهة كانت، ومن المؤسف أن هذا الحوار الذي ابتدأ مع إنشاء جامعة الدول العربية لم يصل بعد إلى مستوى الاتحاد أو الوحدة، على الرغم من الوحدة الثقافية والتاريخية والعقائدية التي تشكل قاعدة في الحوار مع جميع الجهات.


إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقية ليست مركزاً لإنجازات ثقافية عظيمة ولا يحتمل أن تغدو كذلك في المستقبل القريب، وهكذا فإن دراسة هذه المنطقة ليست مكافأة مجزية للجهد الذي ننفقه لدراستها.


تعد هجرة الأدمغة واحدة من اخطر ما تفرزه الهيمنة من مخاطر، إنها ضياع موارد حيوية من الرأسمال البشري ضياعاً لا يمكن تعويضه، ويبدو خطرها واضحاً في انتقال كفاءات كان يجب أن تسهم في تحقيق رفاه بشري في منشئها، إلى مناطق أتخمها الرفاه وأصبحت توفر المزيد من الملاكات الاختصاصية لدعم الرفاه المضخم بأقل التكاليف.


إن الهدف من الاختراق الفكري تفتيت الوحدات القومية والوطنية وغسل العقول وتحويلها من الفعل إلى الأداء، بمعنى عزل الفعل عن الحرية وإغراقه بالتبعية والتنفيذ. بل أصبح الهدف امتصاص الثروات بأقل ما يمكن من العمالة التي تحولت إلى البطالة المنحرفة.


لقد أصبح واضحاً أن مجابهة مخاطر العولمة وفخاخها، تحتاج إلى نوع من التكتل الإقليمي أو القومي أو القاري، قادر أن يصحح أخطاء العولمة بتفتيت السوق العالمية التي تبتلع الضعيف بعد أن تقضي على جميع فرص الحوار المتكافئ.


سيكون الإسلام بسبب تأييده المطلق للمقهورين والمظلومين, أكثر جاذبية فهذا الدين المفرد الانتشار على المستوى العالمي, هو الديانة الوحيدة المستعدة للمنازلة والكفاح
.


اختلط الجهل المطبق بالفكر الإسلامي في الغرب وأمريكا مع عدم الاعتراف بالدين الإسلامي, واقترن الجهل بسوء فهم المجتمع الإسلامي بسبب وضع المرأة والزواج المتعدد والإيمان بالخرافات, مما سوقه الرحالة, إضافة إلى اتهام الإسلام بالانتشار عن طريق العنف والاحتلال تحت عنوان الجهاد والفتح. وأخيراً اقترن النشاط الإسلامي أياً كان شكله ثقافياً أو خيرياً أو كفاحياً بالإرهاب.


لقد استطاعت الآلة أن تحل محل الإنسان، واستطاعت أن تختصر الزمن، وتقفز على التاريخ، وأصبحت أداة للهيمنة والاستغلال والتفوق، إذ جعل سدنة الآلة من مصانعهم وشركاتهم هياكل لعبادة المادة واحتقار الروح. وتحول هؤلاء السدنة إلى قياصرة وسلاطين يسعون إلى حكم العالم بحجة العولمة، أو بفعل الاحتلال، أو بشراء الأسواق مهما كانت ضخمة وصعبة.

الثقافة التقنية عالمية بطبيعتها لأنها مرتبطة بالعقل, وكذلك أداة الثقافة أي تطور الأداة فهي وسائل المدنية. أما الثقافة الإنسانية التي تقوم على العطاء الحضاري وتطور الإنسان نفسه فإنها من الأمور القومية التي لا يمكن تعميمها ولا يسمح بهدر هويتها, لأنها مرتبطة عضوياً بالتاريخ والطبيعة, وليس بالعرض والعقل.


إن ثنائية السيطرة والتفوق خلقت إشكالاً معقداً في الفكر العربي المعاصر, ففي حين نرفض السيطرة, فإننا نعترف بحداثة الغرب الخارقة. ولكن الأمر لا يستقر في نفوسنا إلا من زاوية الإذعان, فعندما لا نستطيع أن نعاصر التفوق التقني ولا نستطيع أن نكون فاعلين فيه, فإن ذلك يعني أننا سنكون ضحايا السيطرة الكامنة وراء هذا التفوق والتي تعمد إلى استغلاله
.


السيطرة قضية سياسية مأآلها القضاء على الذاتية القومية بكل ما تتضمنه من كرامة وحرية وسيادة. أما التفوق فهو مباراة حضارية مشروعة، وعلى العالم كله أن يدخل حلبات المباراة على قدم وساق، تماماً كما يتم في حلبات الرياضة، ودون أن يكون لهذا التفوق أي علاقة بالسيطرة
.


تحرير الذات من عقدها الدونية ومن الكسل والاتكالية ومن الاستسلام للتفوق العلمي ثم البحث عن هذه الذات من خلال دراسة التاريخ الثقافي والحضاري والسياسي والاجتماعي، يفسح المجال للدخول في عملية المعاصرة أي بناء العصر بجدية وقوة موازية لقوى الآخرين، وتبادل الحداثة دون أن يخضع هذا التبادل لعوامل السيطرة أو العنصرية.

استطاع الغرب أن يحقق انفصالاً عن الدين، في الفلسفة والأدب والفن والسياسة، ثم أن يحقق تمييزاً بين الأسطورة والحقيقة، وأن يؤكد أفضلية للعقل والعلم. وأقام أنظمة حرة سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

إن مسألة المعاصرة يحب أن تطرح على أساس تبادل الحداثة وليس على أساس سياسة الهيمنة والسيطرة.


إن مسألة المعاصرة ليست قضية فكرية مجردة، بل هي مسألة اقتصادية وإاجتماعية كما هي مسألة ثقافية حضارية، ولعلها استعملت في مجال تأصيل الفكر خشية انزلاقه نحو الماضوية الميتة أو التراثية السلفية.

كثير من حملة لواء الحضارة الغربية وممن بشروا بها، أصبحوا يشعرون بعمق وصدق أنهم بحاجة إلى أكثر مما تقدمه لهم الحضارة الغربية، وإن عليهم أن يعودوا إلى تراثهم لالتماس ما ينقص هذه الحضارة الجديدة.


إن زوال الذكريات الحضارية المتمثلة بالتراث المعماري، في أكثر العواصم العربية والإسلامية، أفقد الجيل الجديد فرصة التعايش مع هذا التراث مباشرة. بل إن إهمال ما تبقى منه مهلهلاً أورث نفور المعماريين من تمثل أنقاض وأطلال في عمارة لن تلبي حاجات جديدة جداً ومختلفة عن حاجات الماضي.