يتألف الانسان من عنصرين :
عنصر الجسد ، وعنصر الروح ، وهما مترابطان ترابطا وثيقا ، ومتفاعلان قويا ، لاينفك احدهما عن الثاني الا بتصرم العمر، ونهاية الحياة وسعادة الانسان وهناؤه الجسمي والفكري منوط بصحة هذين العنصرين وسلامتهما معا . لهذا كان على ناشد السعادة ومبتغيها ان يعني بهما عناية فائقة تضمن صحتها وازدهارهما ، وصيانتهما من المضار ..
ولكل من الجسم والروح اشواقه وحاجاته :
المآرب المادية الموجبة لنموه وصحتة وحيويته كالغذاء والشراب والكساء ونحوها من ضرورات الحياة .
الاشواق الروحية والنفسية التي تتعشقها الروح ، وتهفو اليها ، كالمعرفة ، والحرية ، والعدل ، وراحة الضمير ورخاء البال هذه المآرب والرغائب الجسمية والروحية لتحقيق صحة الجسم والروح ، وضمان هنائهما المرجو .
فحرمان الجسم من اشواقه يفضي به الى الضعف والسقم والانحلال وحرمان الروح والنفس من امانيها ، يقودها الى الحيرة والقلق والشقاء .والسعادة الحقة منوطة بصحة الجسم والنفس وازدهارهما معا ورعاية حقوقهما المادية والروحية ..
وتتلخص هذه الحقوق في رعاية القوانين الصحية ، واتباع الاداب الاسلامية الكفيلة بصحة الجسم وحيويته ونشاطه . كالاعتدال في الطعام والشراب وتجنب الكحول والعادات الضارة ، واعتياد النظافة وممارسة الرياضة البدنية ، ومعالجة الامراض الصحية ونحو ذلك من مقومات الصحة وشرائطها مما هومعروف لغالب الناس لتوفير التوعية الصحية ، والنصائح الطبية في حقول الاعلام الصحفي والاذاعي .
بيد ان صحة النفس ووسائل وقايتها وعلاجها ، وعوامل رقيها وتكاملها ، ورعايه حقوقها وواجباتها ، يجهلها او يتجاهلها الكثيرون لقلة احتفائهم بالقيم الروحية والمفاهيم النفسية ، وجهلهم بعلل النفس وانحرافها . وما تعكسه من اثار سيئة على حياة الناس.فالأمراض الجسمية تبرز سماتها واعراضها على الجسم في صور من الشحوب والهزال والانهيار . اما العلل النفسية والروحية فأن مضاعفاتها لايتبينها الا العارفون من الناس ، حيث تبدو في صور مقيتة من جنوح النفس، وتمردها على الحق ، ونزوعها الى الاثام والمنكرات ، وهيامها بحب المادة وتقديسها وعبادتها ، ونبذها للقيم الروحية ومثلها العليا . مما يوجب مسخها وهبوطها الى درك الحيوان من اجل ذلك كانت العلل الروحية والنفسية اصعب علاجا ، واشد عناءمن العلل الجسمية ، لعسر علاج الاولى ويسر الثانية في الغالب. وكانت عناية الحكماء والاولياء بتهذيب النفس ، وتربية الوجدان اضعاف عنايتهم بالجسد ..
واليك طرفا من طلائع حقوق النفس
وذلك بتنويرها بالمعرفة الالهية والعقيدة الحقة ، وتزويدها بالمعارف النافعة التي تنير للانسان سبل الهداية وتوجيه وجهة الخير والسداد وهذه هي اسمى غايات النفس واشواقها . فهي تصبو الى العقيدة، وتهفوالى الايمان بالله عزوجل ، وتتعشق العلم وتهفو الى استجلاء الحقائق ، واستكشاف اسرار الكون والغاز الحياة . تتطلع الى ذلك تطلع الظمآن الى الماء ، وتلتمس الذي لنفسها كما يلتمسه هو سواء بسواء. فأن ظفرت بذلك احست بالطمآنينة والارتياح ، وان فقدته شعرت بالقلق والسأم .
للأنسان صورتان صورة ظاهرية تتمثل في اطار جسده المادي ، وصورة باطنية تتمثل فيها خصائصه النفسية وسجاياه الخلقية .
وكما تكون الصورة الظاهرية هدفا للمدح او الذم ، ومدعاة للحب او الكره نظرا لصفاتها الجميلة او القبيحة . كذلك الصورة الباطنية يعروها المدح والذم وتبعث على الاعجاب او الاستنكار ، تبعا لما تتسم به من طيبة او خبث ، من تلألوء او ظلام وكما يهتم العقلاء بتجميل صورهم المادية ، واظهارها بالظهر الجذاب كذلك يجدوا الاهتمام بتجميل صورهم الباطنية ، وتزينها بالطيبة وصفاء السريرة وجمال الخلق . لتغدو وضاءة بألوان الخير والجمال . وذلك بتطهيرها من اوضار النفاق ، والرياء ، والحسد ، والمكر ، ونحوها من السجايا الهابطة المقيتة..
.................................................. .........................
من اجل ذلك حرص اهل البيت ( عليهم السلام ) على تهذيب النفس واصلاح السريرة ..
فعن الصادق عن ابائه ( عليهم السلام ) قال : قال امير المؤمنين (ع) : كانت الفقهاء والحكماء اذا كاتب بعضهم بعضا ، كتبوا بثلاث ليس معهن رابعة :
من كانت الاخرة همه كفاه الله همه من الدنيا ، ومن اصلح سريرته اصلح الله علانيته ، ومن اصلح فيما بينه وبين الله عزوجل اصلح الله فيما بينه وبين الناس
وقال الصادق (ع) : ما من عبد يسر خير الا لم تذهب الايام حتى يظهر الله له خيرا ، وما من عبد يسر شرا ، الا لم تذهب الايام حتى يظهر الله له شرا
وعنه (ع) قال : قال رسول الله (ص) : سيأـي على الناس زمان ، تخبث فيه سرائرهم ، وتحسن فيه علانيتهم ، طمعا بالدنيا ، لايريدون به ما عند ربهم ، يكون دينهم رياء ، لايخالطهم خوف ، يعمهم الله بعقاب فيدعونه دعاء الغريق ، فلا يستجاب لهم ..
تنزع النفس بغرائزها وشهواتها الى الشذوذ والانحراف ، وتخدع اربابها بسحرها الفاتن واهوائها المضللة ، حتى تجمع بهم في متاهات الغواية والضلال ( ان النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربي ) وهذا ما يحفز كل واع مستنير ان يعني بضبط نفسه والسيطرة عليها وتحصينها ضد المعاصي والاثام ، وترويضها على طاعة الله تعالى واتباع شرعته ومناهجه .
وقد حث القرأن الكريم على ضبط النفس ، والحد من جماحها وتوجيهها شطر الخير والصلاح .
.................................................. ..................................
قال تعالى (( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ، قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها ))
وقال تعالى (( وامامن خاف مقام ربه ، ونهى النفس عن الهوى ، فان الجنة هي المأوى )) (( فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا ، فان الجحيم هي المأوى ))
.................................................. ..........
وهكذا حرض اهل البيت عليهم السلام على ضبط النفس وقمع نزواتها معتبرين ذلك افضل صور الجهاد
فعن موسى بن حعفر عن ابائه ( عليهم السلام ) قال : قال : امير المؤمنين (ع) ان رسول الله (ص) بعث سرية ، فلما رجعوا قال : مرحبا بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقي عليهم الجهاد الاكبر . قيل : يارسول الله وما الجهاد الاكبر ؟ قال (ص) : جهاد النفس . ثم قال : افضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه .
وعن عبد الله بن الحسن ، عن امه فاطمة بنت الحسين بن علي (ع) عن ابيها (ع) قال : قال رسول الله (ص) : ثلاث خصال ، من كن فيه ، استكمل خصال الايمان : الذي اذا رضى لم يدخله رضاه في اثم ولا باطل ، واذا غضب لم يخرجه العضب من الحق ، واذا قدر لم يتعاط ما ليس له ..
........................................
والمراد منها هو محاسبة النفس في كل يوم عما عملته من الطاعات والمعاصي والموازنة بينهما ، فأن رجحت كفة الطاعات ، شكرا المحاسب الله على توفيقه لها وفوره بشرف طاعته ورضاه .وان رجحت كفة المعاصي ادب المحاسب نفسه بالتقريع والتأنيب على اغفال الطاعة والنزوع للآثام .
وقال الامام موسى بن حعفر (ع) : ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فأن عمل حسنة استزاد الله تعالى ، وان عمل سيئة استغفر الله منها وتاب اليه .
...............................................