اليوم وبعد أن ودعت بغداد ألزمن ألجميل وتلاشت صورتها المشرقة حكاية حسو أخوان وبغداد الخمسينات ربما تبدو وكأنها من قصص ألف ليلة وليلة أو ضرب من الخيال لما حصل من خراب للعراق وتحديدا بغداد بعد قيام الجمهورية وخاصة بعد عام 2003 فماذا عن حسو أخوان؟.
دخل التلفزيون بغداد في 1954 حيث عرضته شركة باي الألمانية وقامت بشرائه حكومة العراق في عهد الملك فيصل الثاني وأفتتح الملك البث بتاريخ 2/5/1956 بمناسبة ميلاده الواحد والعشرين , بذلك أعتبرأول تلفزيون بالشرق الأوسط وهرعت الناس الى المقاهي التى تمتلك ذلك الجهاز ألاعجوبة ، وبدأ البغداديون بشراء التلفزيون الذي أصبح لابد منه والبعض فضّل أن يشتري الجهاز من أسواق حسو أخوان الواقعه في شارع الرشيد قرب ساحة حافظ القاضي ( ساحة فيصل الثاني سابقا) وحسو أخوان عبارة عن محل كبير فيه ما يحتاجه البيت من كهربائيات الى ملابس ولعب أطفال وغيرها وما يسمى اليوم في دول الغرب للتسوق وقفه واحده للتسوق ..... One Stop Shoppers. وخدمات ما بعد البيع أي صيانة وتصليح الأجهزة الكهربائية ومنها جهازالتلفزيون بالنظام المعروف عالميا after sale service
المعمول به في بعض البلدان الغربية وأستمرت أسواق حسو أخوان بتقديم خدمات الصيانة ألتزاما منها طالما الجهاز مباع من قبلهم وأتذكر أحد الفنيين الذي كان يقوم بصيانة جهاز التلفزيون ماركة باي الذي أشتراه والدي المرحوم كان يأتي أينما سكنا في بغداد بسيارته نوع أنكَليا أنكليزية الصنع وعدّته مع أبتسامته التى لاتفارق وجهه ليقوم بفحص ألجهاز وتنظيفه أو تبديل لمبه حين كانت التلفزيونات الأسود وألابيض تعمل بنظام اللمبات وأن تعذر أصلاحه في البيت يقوم ذلك الفني بنقل التلفزيون الى ورشة الصيانه في شركة حسو لأصلاحه ثم أعادته لنا .. وأستمرت تلك الخدمة الى نهاية الستينات حيث أغلقت الشركة بعد أصدار القوانين التي تحد من ألاستثمارات ألاهلية..
ولم تكن شركة حسو أخوان الوحيدة التى أغلقت أبوابها بل شركات عديدة مثل وكالات بيع السيارات ماركة فورد وشيفروليه ومحلات نوفكس الشهيرة ببيع الملابس الرجالية ومكتبة مكنزي وغيرها من المعالم الشهيرة ، ومن الطرائف التى تحصل كان بعض زوار بغداد من المحافظات يسألون عن أورزدي باك فيقولون أين أورزدي بيكَ ضنا منهم أنه أسم شخص والعبارة بيكَ كانت تستخدم للتفخيم وهي تركية ألاصل.
أما اورزدي باك فهي كلمة ارتبطت بكل ماهو جيد من بضاعة ظهرت لاول مرة اوائل الثلاثينات من القرن العشرين ، والاورزدي كما يسميه العراقيين كان مكانا تباع فيه البضائع المنوعة المستوردة والمحلية وهي تشمل كل شي مثل الملابس , الاقمشة , لعب الاطفال , المواد الغذائية ,المواد الكهربائية , الادوات الاحتياطية , الاكسسوارات , العطور , لوازم الاطفال , لوازم نسائية وتقريبا كان يباع كل شي يخطر على البال , وغالبا تكون البضاعة جيدة ومن مناشئ اوربية غربية ويابانية ، واصل كلمة اورزدي فقد تعددت الاقاويل عن اصلها ، فمنهم من قال:- 1- انها مشتقة من الكلمة الانجليزية Ours Day Bag اي حقيبة تسوقنا اليومية. 2- انها اسم شركة اجنبية افتتحت اول سوق بهذا الاسم. 3- انها كلمة فرنسية تعني سوق مركزي او مول 4- انها مشروع تجاري في بغداد تابع لشركة عمر افندي وقد بيعت الى يهودي فرنسي يدعى اورزدي باك وسمي السوق بهذا الاسم.
ويقال أيضا ان أوروزدي باك يرجع اسمه إلى أودلف أوروزدى الذي كان ضابطاً بالجيش المجري افتتح أول محل له لبيع الملابس بمدينة جالاتا عام 1855.ولقد بدأ أوروزدى وأبناؤه وهم من عائلة باك ذات الأصول النمساوية المجرية بإنشاء معارض شبيهة في أماكن متعددة بما فيها بغداد وإسطنبول وبيروت.ثم اشتراها ثري يهودي في القاهرة وسماها سلسلة متاجر “عمر أفندي“ في مكانه الذي ما زال قائماً في شارع عبد العزيز .
وبني اورزدي باك على ارض وقف قره علي والتي كانت عبارة عن قهوة ومسافرخانه (فندق) و مربط للخيل وهي ارض واسعة المساحة حدودها کما یلی من الامام شارع الرشيد ومن الخلف نهر دجلة و من الجانب الايمن ( وانت تواجه البناية) ملك بيت الباججي ومن الجهه اليسرى مدرسة قره علي و تكية قره علي وجامع علي جلبي (جامع سيد سلطان علي) ودور بيت قره علي. هذا الموقع المتميزفي قلب بغداد وعلى اكبر شارع فيها و بمساحتها الشاسعة اجتذب انظار شركة عمر افندي التجارية لصاحبها عمر افندي الأرنئوط الالباني الاصل بالمفاتحة ببدء المشروع التجاري في بغداد لكن شركة عمر افندي بيعت الى يهودي فرنسي يدعى اورزدي باك والذي اخذ الخطوات الجدية في التعاقد مع متولي وقف قره علي محمد رشيد جلبي(رشيد جلبي) بن عبد الكريم جلبي قره علی و بواسطة ممثل الشركة شاؤل المحامي المعروف من ملة اليهود و تم تآجير الارض اجارة طويلة لمدة ستة و ثلاثين سنة .
من جهة أخرى شغلت المطربة عفيفة اسكندر الأوساط الفنية والثقافية في بغداد، لسنوات طويلة، فهذه الفنانة التي دخلت الإذاعة العراقية عام 1937اصبح اسمها بين ليلة وضحاها على كل لسان،، كان السحر عند الناس آنذاك هو الراديو. لقد استحوذ الأثير المغني على البيوت. وجاءت هذه الفتاة من أربيل الى بغداد، صبية تحلم بعالم من الشهرة والأضواء، كان عالم بغداد جميلاً ومختلطاً وملوناً، ففي هذه المدينة، تحمل الشوارع المضاءة اسماء ملوك وشعراء وأمراء، أشهرها الرشيد.، فهنا أنشأ تاجر مسيحي أشهر المحال " حسو اخوان" وافتتح مسيحي آخر أشهر ستوديو للصور " ارشاك "،. وفي هذا الشارع ينشئ مسيحي آخر أشهر فندق " دجلة بلاس " في هذه المدينة التي تتطلع الى المستقبل بعيون مفتوحة علقت الشواهد على شوارعها الرئيسية، الملك فيصل، المتنبي، ابو نواس، الأمير غازي، ابن سينا.تلك، كانت بغداد في الثلاثينيات. والقادمون يأتون من قريب ومن بعيد. يغنون. ويعشقون، ويحلمون بيوم يصبحون فيه أبطالاً، قادرين على العيش برفاهية، وعلى الحصول على جهاز راديو، طراز "سيرا " او "باي"، يغني لهم من داخل البيت، بدلا من اسطوانات جقماقجي وبيضافون. في البيت الذي سكنته عفيفة اسكندر في كرادة مريم كان المذياع يصدح بأغنيات سليمة مراد ومنيرة الهوزوز وزهور حسين والقبانجي، وكانت تمضي أكثر الوقت،، من اجل ان تسمع ما تحب.الإذاعة نفسها، "إذاعة بغداد "، كانت على بعد خطوات من البيت الذي سكنته عفيفة، وسوف تغامر ذات يوم،، بالذهاب صوب الإذاعة، وتطلب من فؤاد جميل مدير الإذاعة آنذاك أن تغني، ولكن من سيلحن لها الأغنية؟ لم يكن غير اليهودي العراقي صالح الكويتي الذي كانت أصوات المطربات تنتظر عند عتبة بيته. غنت فأطربت وقبضت أعلى اجر تأخذه مطربة آنذاك وهو دينار ونصف الدينار دفع لها من أموال الجباية التي تأخذها الإذاعة نظير تقديم برامجها لمن عنده جهاز راديو، فحين أنشئت الإذاعة عام 1936 اعترضت وزارة المالية على المبالغ المخصصة لعدم وجود تخصيصات مالية لمثل هكذا مشاريع، فتفتق ذهن البعض عن فرض رسم بمبلغ ربع دينار سمي برسم الراديو يؤخذ من أصحاب المقاهي والمحال والبيوت التي تضع هذا الجهاز و هكذا نشأ جيش من الجباة بزي موحد يجوبون المقاهي والمحال و يطرقون ابواب البيوت و يتنصتون على الناس من خلف الشبابيك قائلين:عدكم راديون ويكون الجواب لا يابه عدنه قبول".