TODAY - July 04, 2011
إلى رئيس الوزراء.. مع التحية .. العراقي مُهان
سعيد عبد الهادي
لا تحتاج هذه العبارة إلى علامة تعجب، ولن تثير تساؤلا لدى العراقيين، لأنها أصبحت من المسلمات، فبعد أن كان المواطن يظن أن سقوط صدام ورحيل أزلامه كاف لاسترداد الكرامة المسلوبة، ها هو يعيش حياة الذل والإذلال ذاتها، وإن اختلفت الطرق والممارسات، يعيشها لأنها أصبحت جزءا من تركيبة لنفسية شذّت بفعل ضغط الحروب وما صاحبها من خراب واسع.
لا أدري هل حاول السيد رئيس الوزراء، أن يتزيا بزي مواطن بسيط، ويراجع أي دائرة يشاء من الدوائر التابعة لحكومته، في بغداد أو أية بقعة يختارها، ليرى بأم عينيه كيف يهان المواطن...
ما زلت أتذكّر أن غرفة المراجعة في أحد (التجانيد) القديمة لم يُكسر بياض (الجص) على جدارها إلا بآية تقول: ادفع بالتي هي أحسن، وكنّا ندفع، من دون أي شعور بالذنب؛ اجتماعيا أو دينيا حتى نحفظ كرامتنا من مراجعة دوائر الحكومة، ويصبح العدو (السيد الموظف) صديقا حميما. هذا المنطق مازال سائدا، في جميع مفاصل الحكومة، بلا استثناء، كثيرا ما اسمع عن تعقيدات الانتقال إلى كردستان، حتى رأيت أن انتقالك من حي إلى آخر في بغداد دونه خرط القتاد، فأنت تحتاج إلى إهانات متواصلة لأكثر من أسبوع بإجراءات لا يمكن لـ (جحا) أن يفكر فيها جادا أو مازحا...
قد يقول البعض: عشرة آلاف دينار تعْبُر بها ما تشاء وإلى أين تشاء، لكن ماذا عمن تعود على الإجراءات السليمة؟ ماذا عن مواطن تركه صدام يخاف من ظله؟ لماذا نصر على إهانة بعضنا البعض؟ لماذا يلتذ المسؤول في الدولة العراقية بإهانة مواطنيه؟ أحد الأخوة من التيارات التي لا حديث لها إلا عن الحرمان والمحرومين، ما أن انتُخِب لمجلس النواب حتى أغلق الشارع على جيرته! إذا كانت أخلاق نوابنا بهذا الشكل فليس من المنطقي أن نلوم المدير العام الذي يسير بموكب تتطاير منه الشتائم على السائرين من حوله، المدير العام الذي وضع حمايته أمامه في الدائرة لإزاحة الموظفين عن طريقه عندما يسير في ممرات المديرية، ونقول المدير العام لأنه يمثل الشريحة الأوسع بين الدرجات الحكومية العليا، وإن أُتخمت وزاراتنا بوكلاء لا حصر لهم ولا عمل، بل بوزراء لا عمل لهم سوى تسلم المرتب آخر الشهر والسفر على الحساب العام...
يا ترى ما الذي يمنع السيد رئيس الوزراء من السير في الشوارع والأسواق، أليس هو بشر مثلنا؟! لا أظن أن بريد رئاسة الوزراء أهم من المواطن... المواطن الذي لم تحل بركات الرئاسات عليه لأنه لم يتشرف بالدخول في معيتها، نعم معية الرئاسات لهم جواز السفر الدبلوماسي، لهم الشقق الدبلوماسية، وقطع الأراضي دبلوماسية، والمرتبات الدبلوماسية... فعراق اليوم موزع بين طبقة دبلوماسية متحصنة بخط أحمر، وإن سكنت المنطقة الخضراء، وطبقة عوام (رعاع، غوغاء) هذه الطبقة مشابهة لأختها في أقصى غرب البلاد العربية التي صرخ (القذافي) بوجهها: من أنتم؟ هي ذاتها التي مازالت تتوسد الأرصفة ليلا وتسعى في الطرقات نهارا، هي ذاتها التي أسماها أحد الوكلاء المحترمين بـ (الحمير) الموزعة بين دوائر الدولة العراقية المختلفة، أو بين (المساطر) و(الجنابر) والتي حُكم عليها، كما حكم على سيزيف من قبل، بأن تنهش بعضها بعضا.
يا سيدي تعبنا فنحن نحمل السلطان على أكتافنا منذ أربعة عشر قرنا، أريحونا بمفخخة نووية، أو بسلطان يمشي بين الناس لا على رؤوسنا... سلطان يبكي لدمعة طفل جائع، أو لغصة عراقي يهان في سيطرة أمنية لا لشيء إلا لأنه كان مهموما بلقمة عيشه المرة فنسي أن ينزل زجاجته الجانبية، أو لنحيب أرملة لم يبق لها سوى جسد أكلته ألاعيب السياسة.
هل هذا بلد أم سيرك؟