السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
اظهرت دراسة اشارت اليها احدى القنوات الفضائية المعروفة ان معدل القراءة لدى الشعوب العربية هو ست دقائق سنوياً ، وبحساب لايستلزم عبقرية يكون المعدل ثانية واحدة في اليوم بالتمام والكمال !! بكل مافيها من ارباع واخماس واعشار ، واذا صح وجود مثل هذه الدراسة فلسنا بحاجة الى استنطاق نتائجها كثيرا : فهي لاتعدو كونها دليلا جديدا على حقيقة قديمة طالما رفعنا اصواتنا بها ، ولولا الاذان المصابة بداء الاتياب لما احتجنا الى دراسات ولاهم يحزنون ؛ فان هذه النتائج واشباهها مؤامرة مفضوحة على ارض الواقع ! ولن تمنحنا بصائرنا المدربة اذن المرور باليسر الذي تتوقعه الافواه المريضة التي اطلقتها ، فقد تجاوزت قامتنا تخرصات المشككين بحقيقة كوننا امة نهمة حقاً ؛ ليس على موائد الطعام حتما بل من التهام الكتب ، ولولا ان اوقاتنا مشحونة حتى الترقي بمهمات جسيمة ، كصنع التاريخ مثلا ، لتحول جشع القراءة لدينا الى ادمان يستدعي العلاج ، ولن يزعم افاك اثيم اننا غادرنا متن الثقافة الى هامش التطفل على انجازات الاخرين والتفاخر بحشو الذاكرة فوق طاقتها الاستيعابية باثقل القوالب الجاهزة وزنا واوفرها طولا ، وترديدها كأنشدودة مقدسية بمناسبة او بدونها ، لالغرض ثقافي بل انقيادا لميزة حروفها غير العربية ، مع الاعتراف بأن بعض الاستثناءات تضع العصي في عجلة الدفاع ارثنا الحضاري ، او على الاقل تصعب مهمة الدفاع عنها شخصياً ، من مثل ماجاء في مقالة لاحدهم : اذبعد ان ذكر لفظة ( كتاب ) اتبعها – موضحا – بين قوسين بكلمة ( book ) !! ومع ان القراءة لامثاله بمثابة اهانة لسكان الكهوف ، تبقى ارادة دفع اللبس محتملة في نية الرجل و ( لعل له عذرا وانت تلوم ) ولكن هناك عقبات ، لاترفع كثيرا عن سطح الارض ، لكنها تسبب بعض المشاكل لتجاوزها مساحة الهفوات الصغيرة ، لعل ذكر القليل منها لن يصدم وعينا المرهف : كاطلاعي على شخصياً على كتابات لأسماء لها طريقة خاصة ( جداً ) في الاملاء تحيل الذاكرة الى مسلسل ( تحت موسى الحلاق ) ، او نسبة ( رسالة الغفران ) الى الجاحظ على لسان احد المثقفين ، او اصرار بعضهم على ان الفرنسا اتبعت سياسة ( التتريك ) في الجزائر ن وتطول القائمة حتى الملل ، اقول لعل هذه النماذج علامات استفام مربكة عن شريعة ابوتنا للحرف الاول التي طمستها ضعف ذاكرة الطين واصبحت بحاجة الى براهين اضافية اكبر من الرقم الطينة المهشمة على رفوف المتاحف ؛ فان كنا ولدناه ـــــــ الحرف ـــــــــ حقا فقد تركناه يتسكع على ابواب الامم حتى وجد اباء بالتبني اقل عقوقا منا ، ومع ذلك ، ليس لأحد ان ينكر علينا اصالة اجتراحنا للقلم ، خصوصا بعض المتباهين بحفنة اختراعات بحجة انها اوصلتهم الى القمر ! ، او جعلت العالم اصغر من راحة اليد الواحدة ، او حتى نتوق بعض القمم الفكرية كمثابة على خريطة المنجز البشري ؛ فنحن ـــــ في النهاية ــــ من عملهم كيف يكتبون افكارهم ، برغم ان نتائج هذه الدراسة اللعينة بعثرت مصداقية تماهينا مع دلالة اول كلمة من الوحي المقدس على ارضنا ؛ كلمة ( اقرأ .... ) واظهرتنا بمظهر المناواة لاقدس مانؤمن به ، وان كشفت سرنا المعلن لا أكثر ولا أقل
جاسم الزركاني