بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
ان الله اختار لبعث رسالته اشخاص قد امتحنهم بخلقهم وعفاف سريرتهم وساد بذلك الخلق والسريررة على سائر من اختار الله هو خاتم الانبياء والمرسلين النبي الاكرم محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) حيث وصفه الله تعالى بجملة هي تكفي عن كل ما يذكر سواها ألا وهو قوله تعالى ( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) وان النبي قد جسد قوله تعالى فلذا يروي لنا الائمة والصحابة الخلص نبذة عن احواله وسيره مع نفسه (صلى الله عليه وآله) وغيره نذكر جملة منها:
عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي وكان وصافا عن حلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخما مفخما يتلالا وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع وأقصر من المشذب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إذا انفرقت عقيصته قرن وإلا فلا يجاوز شعره شحمه أذنيه إذا هو وفرة، أزهر اللون واسع الجبين، أزج الحواجب سوابع في غير قرن، بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين، له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم، كث اللحية، سهل الخدين، أدعج، ضليع الفم، أشنب مفلج الاسنان، دقيق المسربة كأن عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق بادنا متماسكا، سواء البطن والصدر عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، أنور المتجرد، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك، أشعر الذراعين والمنكبين، أعلى الصدر، طويل الزندين، رحب الراحة، سبط القصب، شثن الكفين والقدمين، سائل الاطراف، خمصان الاخمصين، مسيح القدمين ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعا، يخطو تكفئا ويمشي هونا، سريع المشية، إذا مشى كأنما ينحط من صبب وإذا التفت إلتفت جميعا، خافض الطرف، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء، جل نظره الملاحظة، يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام.
قال: قلت له: صف لي منطقه ؟
قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متواصل الاحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ويتكلم بجوامع الكلم، فصلا لا فضولا ولا قصيرا فيه، دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئا، ولا يذم ذواقا ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها إذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفه كلها وإذا تعجب قلبها وإذا تحدث أشار بها، فضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض من طرفه، جل ضحكه التبسم، ويفتر عن مثل حب الغمام.
قال الحسن (عليه السلام): فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه، فسألته عمن سألته فوجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منها شيئا.
قال الحسين بن علي: سألت أبي عن دخول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك وكان إذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء، جزءا لله عزوجل، وجزءا لاهله، وجزءا لنفسه، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس، فيرد ذلك على العامة والخاصة ولا يدخر ـ أو قال لا يدخر ـ عنهم شيئا.
فكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم وأصلح الامة من مسألته عنهم، وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول ليبلغ الشاهد الغائب وأبلغوني في حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون زوارا، ولا يفرقون إلا عن ذواق، ويخرجون أدلة فقهاء.
قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخزن لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم ولا يفرقهم ـ اوقال ولا ينفرهم ـ ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس الفتن، ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه، ويسأل الناس عما في الناس فيحسن الحسن ويقويه ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الاسر غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمهم نصيحة، وأعظهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه ؟
فقال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر الله جل اسمه، ولا يوطن الاماكن وينهي عن إيطانها وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كلا من جلسائه نصيبه، حتى لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو قاومه في حاجة صابره حتى يكون هو المنصرف عنه، ومن سأله حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس منه بسطه وخلقه فكان لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الاصوات ولا يوهن فيه الحرم ولا تنثى فلتاته، متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى، متواضعون، يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون ـ أو قال يحوطون الغريب.
قال: قلت: كيف كانت سيرته مع جلسائه ؟
قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب ولا فحاش، ولا عياب ولا مداح، يتغافل عما لا يشتهي، فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه، قد ترك نفسه من ثلاث: المراء والاكثار ومما لا يعنيه، وترك الناس من ثلاث: كان لا يذم أحدا ولا يعيره، ولا يطلب عورته، ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا. ولا يتنازعون عنده الحديث، من تكلم أنصتوا له حتى يفرغ، حديثهم عنده حديث أوليهم، يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصير للغريب على الجفوة في منطقة ومسألته، حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم، ويقول: إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فأرفدوه، ولا يقبل الثناء إلا عن مكافئ ولا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بانتهاء أو قيام.
قال: قلت: كيف كان سكوته ؟ قال: كان سكوت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أربعة: على الحلم والحذر والتقدير والتفكر، فأما تقديره ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى، وجمع له الحلم والصبر، فكان لا يغضبه شئ ولا يستنفره، وجمع له الحذر في أربعة: أخذه بالحسن ليقتدي به، وتركه القبيح لينتهى عنه، واجتهاده فيما أصلح امته، والقيام فيما جمع لهم خير الدنيا والاخرة.
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس على الارض ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك.
عن أسماء بنت يزيد قالت: إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مر بنسوة فسلم عليهن.
عن ابن مسعود قال: أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل يكلمه فأرعد، فقال: هون عليك فلست بملك، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد.
عن أبي ذر قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجلس بين ظهراني أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل، فطلبنا إلى النبي أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه فبنينا له دكانا من طين فكان يجلس عليها ونجلس بجانبيه.
سئلت عائشة ما كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يصنع إذا خلا ؟ قالت: يخيط ثوبه، ويخصف نعله ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.
وعنها: أحب العمل إلى رسول الله الخياطة.
من كتاب النبوة عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول: مرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة بذية وهو جالس يأكل، فقالت: يا محمد إنك لتأكل أكل العبد وتجلس جلوسه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحك ! وأي عبد أعبد مني، فقالت: أما لي فناولني لقمة من طعامك فناولها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقمة من طعامه فقالت: لا والله إلى التي في فيك قال: فأخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقمة من فيه فناولها فأكلتها. قال أبو عبد الله (عليه السلام): فما أصابت بداء حتى فارقت الدنيا.
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أجود الناس كفا وأكرمهم عشرة من خالطه فعرفه أحبه. من كتاب النبوة عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أنا أديب الله وعلي أديبي أمرني ربي بالسخاء والبر ونهاني عن البخل والجفاء وما شئ أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق وإنه ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.
و برواية اخرى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) إنه كان إذا وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: كان أجود الناس كفا وأجرأ الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وأوفاهم ذمة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، لم أر قبله، ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن يسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا قط فيقول: لا. عن إبن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال: يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجملهم ام حبيبة أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، قال: نعم، قال ابن زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أعطاه إياه لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال: نعم.
عن علي (عليه السلام) قال: لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أقربنا إلى العدو وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
عن علي(عليه السلام) قال: كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم إتقينا برسول الله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عن جابر بن عبد الله قال: غزا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إحدى وعشرين غزوة بنفسه شاهدت منها تسع عشر غزوة وغبت عن إثنتين، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل فبرك، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في اخريات الناس يزجي الضعيف، ويردفه ويدعو لهم، فانتهى إلي وأنا أقول: يا لهف اماه ما زال لنا ناضح سوء، فقال: من هذا ؟ فقلت: أنا جابر بأبي وامي يا رسول الله، قال: وما شأنك ؟ قلت: أعيا ناضحي، فقال: أمعك عصا ؟ فقلت: نعم، فضربه، ثم بعثه، ثم أناخه ووطئ على ذراعه وقال: إركب، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبقه فاستغفر لي تلك الليلة خمسة وعشرين مرة، فقال لي: ما ترك عبد الله من الولد ؟ ـ يعني أباه ـ قلت: سبع نسوة، قال: أبوك عليه دين ؟ قلت: نعم، قال: فإذا قدمت المدينة فقاطعهم فإن أبوا فإذا حضر جداد نخلكم فآذني، فقال: هل تزوجت ؟ قلت: نعم، قال: بمن ؟ قلت: بفلانة بنت فلان بايم كانت المدينة، قال: فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك ؟ قلت: يا رسول الله، كن عندي نسوة خرق ـ يعني أخواته ـ فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقاء، فقلت: هذه أجمع لا مرى، قال: أصبت ورشدت، فقال: بكم اشتريت جملك ؟ قلت: بخمس أواق من ذهب، قال: بعنيه ولك ظهره إلى المدينة، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل، فقال: يا بلال، أعطه خمس أواق من ذهب يستعين بها في دين عبد الله، وزده ثلاثا، ورد عليه جمله، قال: هل قاطعت غرماء عبد الله ؟ قلت: لا يا رسول الله، قال: أترك وفاء ؟ قلت: لا، قال: [ لا عليك ] فإذا حضر جداد نخلكم فآذني، فآذنته فجاء فدعا لنا فجددنا واستوفى كل غريم ما كان يطلب تمرا وفاء وبقي لنا ما كنا نجد وأكثر، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ارفعوا ولا تكيلوا، فرفعناه وأكلنا منه زمانا.
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حدث الحديث أو سئل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه
روى عن زيد بن ثابت قال: كنا إذا جلسنا إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أخذنا في حديث في ذكر الاخرة أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الدنيا أخذ معنا، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا، فكل هذا احدثكم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عن جرير بن عبد الله أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل بعض بيوته فامتلا البيت، ودخل جرير فقعد خارج البيت، فأبصره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ ثوبه فلفه ورمى به إليه وقال: إجلس على هذا، فأخذه جرير فوضعه على وجهه وقبله.
عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي، ثم قال: يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقي له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له.
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول: إني لامزح ولا أقول إلا حقا.
عن ابن عباس أن رجلا سأله: أكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يمزح ؟ فقال: كان النبي يمزح.
عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال: سألت خالي هندا عن صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: كان إذا غضب أعرض وأشاح، وإذا فرح غض طرفه، جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حبة الغمام.
عن أبي الدرداء قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا حدث بحديث تبسم في حديثه.
عن يونس الشيباني قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): كيف مداعبة بعضكم بعضا قلت: قليلا، قال: هلا تفعلوا فإن المداعبة من حسن الخلق، وإنك لتدخل بها السرور على أخيك. ولقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يداعب الرجل يريد به أن يسره.
عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مشى تكفأ تكفئا كأنما يتقلع من صبب، لم أر قبله ولا بعده مثله (صلى الله عليه وآله وسلم).
عن جابر قال: كان رسول الله إذا خرج مشى أصحابه أمامه وتركوا ظهره للملائكة.
عن ابن عباس قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.
روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحمله معه فإن أبي قال: تقدم أمامي وأدركني في المكان الذي تريد، ودعاه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له، ولاصحاب له خمسة فأجاب دعوتهم، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس، فماشاهم، فلما دنوا من بيت القوم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) للرجل السادس: إن القوم لم يدعوك فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم لك.
من كتاب النبوة عن علي (عليه السلام) قال: ما صافح رسول الله أحدا قط فنزع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده حتى يكون هو الذي ينزع يده، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف، وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون هو الذي يسكت، وما رئي مقدما رجله بين يدي جليس له قط، ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما، وما انتصر لنفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا، وما سئل شيئا قط فقال لا، وما رد سائل حاجة قط إلا بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذرا، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ وآخر من يرفع يده، وكان إذا أكل أكل مما يليه، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس، وكان يمص الماء مصا ولا يعبه عبا، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه، وكان يحب التيمن في كل اموره: في لبسه وتنعله وترجله، وكان إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا تكلم تكلم وترا وإذا استأذن استأذن ثلاثا، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه، وإذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه، وإذا رأيته قلت: أفلج الثنيتين وليس بأفلج، وكان نظره اللحظ بعينه، وكان لا يكلم أحدا بشئ يكرهه، وكان إذا مشى كأنما ينحط من صبب، وكان يقول: إن خياركم أحسنكم أخلاقا، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده، وكان المحدث عنه يقول: لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده (صلى الله عليه وآله وسلم).