غرائب وعجائب الأمراض
بقلم : اياد العطار
الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ، هذه عبارة مأثورة ، أغلب الظن قائلها رجل مريض ، فالأصحاء نادرا ما يعيرونها اهتماما .. ولماذا يهتمون لشيء هم يملكونه أصلا ؟! .. أحد هؤلاء الأصحاء ، وهو شاب عاطل عن العمل ، علق مرة على هذه العبارة قائلا : "ما فائدة هذا التاج الوهمي ؟ .. أنا أريد ذهبا حقيقيا . أعطني بيتا وسيارة وخذ التاج مني " .. فنظر أليه أحد المرضى الأغنياء بحسرة وقال : "أنا على استعداد لأن أبذل كل ما املك في سبيل ذاك التاج .. وأنت تبدله بسيارة !".
الجسم البشري يحفل بالعجائب والغرائب والأسرار ..
وروي قديما بأن ملكا ذو شأن وسلطان أصابه مرض أعجزه عن البول ، فراح يهرول إلى الحمام جيئة وذهابا وهو يعاني آلاما مبرحة ، حتى أصابه اليأس وأقعده الإعياء فطفق يبكي ويتوسل قائلا : " يا وزراء يا جيش يا رعية .. أنجدوني ، أريد أن أبول! .. سأعطي مملكتي كلها مقابل أن أبول". وقد وصلت مقولته هذه لاحقا إلى أسماع أحد الحكماء فعلق عليها ساخرا : "قبح الله مُلكا قيمته بولة"!.
نعم عزيزي القارئ .. عند المرض ، حتى أعظم الأشياء وأحسنها تفقد بريقها ورونقها ، فالإنسان المريض قد يبذل كل ما يملك لقاء صحته ، أما الصحيح المتعافي فغافل عما هو فيه من نعمة ، تراه غير قانع بنصيبه ، يطلب من ربه ألف حاجة .. مال .. ملابس .. عملية تجميل للأنف! .. كل ما يخطر على بال . في حين لا يسأل المريض سوى أمر واحد ... كل ليلة ، بعد أن تنام عنه العيون ويرهقه طول سهاده ورقاده ، يمد للسماء راحتيه ، تغتسل بالدموع وجنتيه ، ترتعش بالرجاء شفتيه ، يضج إلى خالقه باكيا متضرعا : " ربي إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين ..".
ويا له من منظر مؤثر وحزين .. منظر أولئك المادون أكفهم للسماء ، الضاجون بالدعاء .
لكن ألم يكن هؤلاء أنفسهم يوما أصحاء ؟ .. ألم يكن فيهم من هو ظالم وجبار ومتكبر .. أنظر كيف أصبحوا .. أنظر إلى ذلك الوالد القاسي كيف أصبح حملا وديعا يتملق أبناءه بعد أن هدّه المرض . وذلك الغني المتكبر الذي كانت قدمه تكاد لا تطأ الأرض لشدة غروره وخيلاءه .. أنظر إليه كيف أصبح يستجدي دعاء الفقراء ! .. وتلك الغادة الهيفاء التي أدمنت تحطيم القلوب .. غدت وحيدة بعد أن زال جمالها وزال معه حشد المعجبين والعاشقين ..
اللهم لا شماتة في مرض .. لكن اختلاف أحوال الناس عند العافية والسقم هو أمر يوجب التأمل ، وفيه عظة وعبرة لكل معتبر . قبل أيام ذهبت لعيادة قريب لي اعتراه داء خبيث في رأسه ، ولم أكن قد رأيته منذ فترة ، وكان عهدي به شابا قوي البنيان حسن البيان . وقد علمت بأنهم أجروا له عدة عمليات جراحية وعالجوه بالكيماوي ، فرأيته وقد نحل جسده ، وثقل لسانه ، وأحول بصره ، وتساقط شعره ، وخف عقله . أكلمه فيكتفي بهز شفتيه وقد زاغت عيناه ، كأنه عاجز عن الإدراك وغائب عن المنطق ، فشق علي حاله والله ، وتأثرت بمحنته أيما تأثر ، وانعكس كل ذلك على نفسي ، فارتأيت أن أكتب مقالا عن غرائب الأمراض ، أنبه فيه الأصحاء الغافلون لما هم فيه من نعمة ، وأسلي عن المرضى بعرض مصائب الآخرين ، لعل من يرى مصائب الناس تهون عليه بلواه .
أليس في بلاد العجائب
قد تتعجب لهذا العنوان عزيزي القارئ ! .. فما علاقة أليس ومغامراتها الشيقة بعالم الأمراض ؟ .. لكن صدق أو لا تصدق .. هناك فعلا مرض أسمه متلازمة أليس في بلاد العجائب (Alice in Wonderland syndrome ) ، وسبب هذه التسمية الغريبة تعود للهلوسة الحسية التي ترافق هذا المرض ، فبرغم أن جهاز البصر لدى المريض يكون سليم تماما ، إلا أن رؤيته للأشياء تكون غير سوية .. فيرى القطة بحجم سيارة .. والسيارة بحجم القطة ! .. ويصبح رأس صديقه بحجم الليمونة والنخلة بارتفاع ناطحة السحاب . وقد تحدث لدى المصاب مشاكل في تحديد المسافات ، فيرى القريب بعيدا والبعيد قريبا. وقد يعجز عن تمييز الألوان ، ويختل إدراكه للوقت ، فيتخيل أنه يركض رغم أنه يسير ببطء ، أو أنه مسمر في مكانه وعاجز عن الحركة . وفي بعض الحالات قد يترافق اختلال البصر مع اختلال حاستي اللمس والسمع ، فتبدو الأصوات القريبة وكأنها تأتي من مكان بعيد.
كل شيء يصبح صغير او كبير فجأة ..
الإصابة بالمرض تحدث غالبا لدى المراهقين دون سن العشرين ، ونادرا ما تستمر حتى الثلاثين . والإصابة مرتبطة بالآفات الدماغية ، فهي تحدث لدى مرضى الشقيقة والسرطان والإصابات الفيروسية الدماغية ، وتحدث أيضا عند الإفراط في تعاطي المخدرات والكحول والحبوب المهدئة . وقد تتكرر نوبة المرض عدة مرات باليوم ، وتستغرق فترة لتهدأ . وهي في الحقيقة غير مؤذية ولا يتطلب علاجها سوى الراحة ، لكن أثارها تكون وخيمة على نفسية المريض لما تسببه من رعب وقلق .
أحد المراهقين المصابين بهذه المتلازمة يصف ما يعتريه كالآتي : " فجأة تبدو الأشياء صغيرة وبعيدة أو كبيرة وقريبة . وأحس كأني أصبحت أقصر قامة ، وبأن حجمي قد تقلص ، وأرى الأشخاص الآخرين وكأنهم أصبحوا أقزام لا يتجاوز طول أحدهم طول أصبعي السبابة . أحيانا أرى ستارة على الشباك المفتوح ، أو أرى التلفزيون وقد أنقلب رأسا على عقب ، أو أرى يدي وأقدامي وكأنها تتأرجح . وقد تصبح أصوات الناس قريبة وعالية جدا أو خافتة وبعيدة جدا" .
الحساسية من الماء
هل تصدق عزيزي القارئ بأن هناك أناس لديهم حساسية من الماء ؟! .. تماسهم مع أي نوع من المياه تكون له عواقب وخيمة ، حتى دموعهم تكون مؤذية !. إنها حالة فريدة تدعى اكواجنيك اورتيكاريا (Aquagenic urticaria ) وهي نوع من أنواع الشرى الجلدي الذي يسببه تحسس الجسم لمادة معينة ، ويظهر على شكل بقع حمراء مصحوبة بحكة وألم , وقد يدوم لعدة ساعات أو أيام ، ويسمى مزمنا إذا دام لأكثر من ستة أسابيع . حتى دموع المصاب وعرقه تؤدي لظهور الأعراض ، ولهذا يحاول المصابين البقاء دائما في أماكن باردة وعدم التعرق قدر الإمكان . أما البكاء فتكون آثاره أشد وطأة من العرق ، فالألم والحرقة التي تسببها الدموع للأجفان تؤدي لانخراط المصاب في دورة مستمرة من النحيب . والأدهى من ذلك هو أن أعراض المرض لا تقتصر على الجلد فقط ، فأحيانا حتى شرب الماء تكون آثاره مؤلمة ووخيمة ، فيتسبب بتورم الحلق وضيق النفس لفترة تتراوح ما بين عشرة دقائق وساعتين.
الاستحمام هو بمثابة كابوس بالنسبة للمصابين ..
الجانب الأسوأ لهذا المرض هو ما يتعلق بالنظافة الشخصية , فالإنسان بحاجة لتنظيف جسده باستمرار ، والماء طبعا هو الوسيلة المثلى لفعل ذلك ، ولهذا فأن الاستحمام يكون بمثابة كابوس رهيب للمصابين ، فهم لا يستطيعون الاغتسال وقوفا تحت الدوش أو الاستلقاء في مغطس الحمام كبقية الناس ، لما في ذلك من عواقب وخيمة بالنسبة إليهم ، ولهذا يلجئون لتنظيف أجسادهم بواسطة اسفنجة يبللونها بالقليل من الماء ويمررونها ببطء وحذر على أجزاء الجسم المختلفة ، وهي عملية طويلة ومؤلمة ومزعجة ، وبسببها قد يعزف المصاب عن الاغتسال لفترة طويلة ، الأمر الذي يسبب له كآبة حادة ، وقد يؤدي إلى انطواءه على نفسه وعدم مخالطة الآخرين ، خوفا من اتهامه بالقذارة وعدم الاعتناء بنظافته الشخصية ، فأغلب الناس لن يصدقوا بوجود مرض أسمه حساسية الماء .
أخيرا فأن شرى الماء نادر جدا ، لا يتعدى عدد المصابين أربعين شخصا حول العالم ، وللأسف لا يوجد علاج مجدي للمرض . العلاج الأنجع يكون بالوقاية ، أي الابتعاد قدر الإمكان عن الماء وتجنب التعرق والبكاء .
الشيخوخة المبكرة
داء نادر وغريب يعرف علميا بأسم متلازمة بروجيريا (Progeria Syndrome ) أي الشيخوخة قبل الأوان . وليس في العالم سوى خمسون ونيف حالة موثقة ، فالمرض من الندرة بحيث لا يتعدى احتمال ظهوره على حالة الواحدة بين كل ثمانية ملايين ولادة .
شيوخ .. لكنهم أطفال ..
المصابين بهذا المرض يولدون طبيعيين ، لا تبدو عليهم أعراض المرض إلا بعد عدة أشهر ، وتكون أول الأعراض عبارة عن بطء النمو ، وذبول الجلد . ثم تتطور الأعراض باطراد ، فيتساقط الشعر وتتصلب المفاصل ، وتصبح ملامح الوجه مميزة بذقن صغير وانف مقروص . وكلما تقدم الطفل المسكين بالعمر كلما أصبح أكثر شبها بالعجائز وكلما ازدادت قسوة المرض عليه ، فيتجعد جلده ، ويضعف بصره ، ويصلع رأسه ، ويصاب بأمراض وآفات لا تصيب في العادة سوى كبار السن ، كالفشل الكلوي ، وتصلب الشرايين. وغالبا ما يموت الطفل بالسكتة القلبية في سن مبكرة ، حيث لا يتعدى معدل أعمار أطفال البروجيريا الثلاثة عشر عاما ، وفي أحسن الحالات قد يمتد بهم العمر حتى العشرينات .
المرض يؤثر على شكل وملامح الطفل بيد أنه لا يؤثر على قدراته العقلية . وهو ليس من الأمراض الوراثية ، أي أن الطفرة التي تسببه ( الخلل الجيني ) لا يحتمل تكررها لدى أقرباء المريض . وللأسف لا يوجد حتى الآن علاج ناجع لهذا الداء بالرغم من الجهود التي تبذل في سبيل التوصل إلى عقار شافي ، أو على الأقل عقار بإمكانه كبح سرعة المرض .
داء الفيل
مرض بشع , لكنه غير نادر ، فهناك حوالي 120 مليون مصاب حول العالم ، خصوصا في المناطق الحارة . لكن المرض لحسن الحظ غير قاتل ، ونادرا ما يؤدي إلى الوفاة .
صور مصابين بداء الفيل .. بالقدم والوجه ..
الإصابة تحدث بسبب ديدان طفيلية مجهريه يحملها البعوض من الجسد المصاب إلى الجسد السليم ، هذه الديدان تستقر في الجهاز اللمفاوي ولا تعيش إلا هناك ، وعادة ما يتركز وجودها في الأوعية اللمفاوية الممتدة في الأطراف السفلية من الجسم ، خصوصا الساق والقدم . ومع تكاثرها ونموها لأحجام كبيرة فأن هذه الديدان تؤدي لانسداد الأوعية اللمفاوية وتكدس السائل اللمفاوي داخلها مما يؤدي لتضخم وتشوه الأنسجة المحيطة . ولأن المرض عادة ما يصيب القدم ويؤدي إلى تضخمها وصولا لأحجام عملاقة ، لهذا أطلقوا على المرض أسم داء الفيل (Elephantiasis ) .
المرض كما أسلفنا يتركز في الأطراف السفلية ، أي الساق والقدم ، وهو أقل شيوعا في أجزاء الجسد الأخرى ، لكنه قد يصيب الجهاز التناسلي للرجال ، فتصبح الخصية أكبر حجما من كرة سلة . وقد يصيب أثداء النساء ، فتتحول إلى كيس عملاق مشوه يتدلي وصولا إلى الأرض . وفي حالات نادرة قد تحدث الإصابة باليد أو الوجه .
بالنسبة للعلاج فيكون بواسطة المضادات الحيوية ، ويكون العلاج طويلا ، قد يستغرق عدة أسابيع ، والسبب في بطء العلاج هو خوف الأطباء من قتل الديدان دفعة واحدة لكي لا تتراكم أشلائها داخل الأوعية اللمفاوية بما يفوق قدرة الجسم على التخلص منها فيتسبب ذلك بحدوث تسمم يفضي إلى موت المريض . وقد يتطلب العلاج أحيانا تدخلا جراحيا ، فإهمال المريض لعلاج إصابته مبكرا ، لكون الأورام غير مؤلمة ، وبسبب الفقر والجهل ، خصوصا في المناطق الفقيرة والنائية .. هذا الإهمال يؤدي إلى تضخم الأجزاء المصابة إلى أحجام عملاقة .. وحينها لن تنفع معها إلا الجراحة .
الرجل الشجرة
في سنة 2007 ، عقدت الدهشة ألسن ملايين الناس حول العالم لدى رؤيتهم صور ديدي كوسوارا ، فهذا الرجل الاندونيسي تحول فعلا إلى شجرة! . نمت فوق جسده ، خصوصا فوق يديه وقدميه ، زوائد جلدية تشبه لحاء الأشجار . وظهرت حينها إشاعة تزعم بأنه رجل آثم سخطه الله إلى شجرة !.
ديدي .. الرجل الشجرة ..
لكن الحقيقة شيء آخر ، فحالة ديدي ليس لها علاقة بالأشجار أبدا ، الرجل ببساطة مصاب بمرض جلدي يدعى خلل تنسج البشرة الثؤلولي (Epidermodysplasia verruciformis ) . فهذه الطبقة السميكة الشبيهة باللحاء فوق جلده هي في الواقع ليست سوى ثآليل ، كتلك التي تنمو على أجساد معظم الناس ، لكن مشكلة ديدي هي أن جهازه المناعي مصاب بنوع نادر من الخلل يجعله عاجزا عن مقاومة تلك الثآليل المزعجة فتنمو من دون حسيب أو رقيب وصولا إلى أحجام قياسية . وهي في الحقيقة لا تؤلم ، شأنها شأن جميع الثآليل ، لكن تأثيرها على حياة ديدي كان مدمرا منذ ظهورها أول مرة جراء جرح أصاب ساقه بالغابة في ريعان شبابه ، فبسببها خسر وظيفته وهجرته زوجته ليبقى وحيدا مع ابنتيه المراهقتين ، ولأن أحدا لم يقبل بتوظيفه فقد أضطر للعمل بالسيرك . ورب ضارة نافعة كما يقولون ، فثآليل ديدي المزعجة أصبحت وسيلة كسب قوته ، كما أن عمله بالسيرك أدى إلى ذيوع صيته ، فتهافتت عليه الصحف والفضائيات لتصويره ونشر قصته ، وقالوا حينها بأن طبيبا أمريكيا وجد علاجا ناجعا لحالته ، وبأنه تماثل للشفاء بعد أن أجرى عدة عمليات جراحية في أمريكا . لكنها كانت مجرد أكاذيب ، شأنها شأن جميع الأكاذيب التي دارت حول الرجل .
ديدي أجرى فعلا عملية جراحية في أمريكا أزال الأطباء خلالها 95 بالمائة من ثآليله ، لكنها عادت للنمو مجددا بعد فترة قصيرة . فأجرى عملية ثانية في أمريكا وأخرى في اندونيسيا ، لكن الثآليل كانت تعود للنمو بعد فترة قصيرة في كل مرة . وبعدها منعت الحكومة الاندونيسية ديدي من السفر للخارج بدعوى أن الأمريكان يريدون تحويله إلى فأر تجارب . علما بأن جميع عمليات ديدي كانت مجانا وعلى حساب جهات خيرية .
صورة لديدي مع ابنته ..
ديدي نفسه ، الذي مازال يعمل في السيرك ، يقول بأنه على استعداد للذهاب إلى أي مكان في العالم من اجل العلاج . والجدير بالذكر أن حالة ديدي نادرة للغاية ، فإمكانية حدوثها لا تتعدى واحد في مليون ، ولا توجد سوى ثلاث حالات معروفة حول العالم .
الرجل الفقاعة
إذا كان ديدي قد اشتهر بأسم الرجل الشجرة فهناك رجل اندونيسي آخر أسمه شاندرا ويزنو أشتهر بين الناس بأسم الرجل الفقاعة (Bubble Man ) . وسبب التسمية عائد إلى مئات الأورام الصغيرة التي تشبه الفقاقيع والتي تغطي كامل جسده ، وهي نتيجة لإصابته بمرض يدعى الورم العصبي الليفي من النوع الأول (Neurofibromatosis type I ) وهو مرض وراثي يصيب واحدا من بين كل 2500 شخص حول العالم ، لكن حالة شاندرا تعتبر شكلا متطرفا من أشكال المرض ، فأغلب الحالات تكون خفيفة أو معتدلة . والمرض يحدث بسبب خلل جيني يرثه المصاب عن أحد والديه ، هذا الخلل يؤدي إلى فقدان بروتين أسمه الفيبرومين العصبي ، وهو بروتين يساعد على تنظيم نمو الخلايا ، ويؤدي فقدانه إلى نمو الخلايا بلا حسيب أو رقيب ، وبالتالي ظهور أورام حميدة في أجزاء مختلفة من الجسم .
شاندرا .. الرجل الفقاعة ..
شاندرا يقول بأن أعراض المرض ظهرت عليه أول مرة حين كان في التاسعة عشر من العمر ، وبأن الأورام غطت جسده كله بحلول عامه الثاني والثلاثين . وقد عجز الأطباء المحليين لسنوات طويلة من تشخيص ومعرفة سبب مرضه ، فألجئه اليأس إلى المعالجين الشعبيين والسحرة ، لكن من دون جدوى . ولم يتم تشخيص مرضه إلا بعد أن جاوز الخمسين من عمره ، وذلك على يد طبيب أمريكي تطوع لمساعدته بعد أن شاهد صوره في إحدى الصحف . المؤسف في الأمر هو أن مرض شاندرا لا علاج له حتى في الدول المتقدمة ، لكن هناك عقاقير يمكن أن تخفف من حدة المرض وتحسن حياة المريض .
أورام شاندرا لا تؤلم لكنها قد تسبب حكة مزعجة ، إلى درجة أن شاندرا لا يشعر بالراحة إلا بعد أن يطفئ عقب سيجارته في البقع التي تزعجه . الجانب السيئ الثاني لمرض شاندرا يتمثل في نظرات الاشمئزاز التي يطالعها في عيون معظم الناس حين يمشي في الشارع ، لكنه وجد لنفسه طرقا عديدة للتكيف مع مرضه ، وعن ذلك يقول :
مع أبنه وابنته ..
"أحاول أن أشغل نفسي دوما لكي أنسى ما أنا فيه . أحاول أن لا أنظر إلى المرآة كي لا أتذكر مأساتي .. وعندما يحدق الناس بي في الشارع أقول لنفسي بأنهم ينظرون إلي لأني وسيم .. أحاول دوما أن أنظر إلى الجانب المشرق ".
أكثر ما يقلق شاندرا اليوم هو مصير أبنه وأبنته ، فهما في العشرينيات من عمرهما ، وقد ظهرت عليهما أعراض المرض مؤخرا ، لكن الأطباء طمأنوا شاندرا ، صحيح هم لا يستطيعون علاج المرض ، لكنهم قادرون على منعه من الوصول إلى مرحلة مستفحلة كتلك التي وصلها المرض لدى شاندرا .
الجدير بالذكر هو أن مرض الورم العصبي الليفي قد لا يغطي كافة أجزاء الجسم ، أحيانا تظهر أورام منفردة وتتركز في منطقة محددة من الجسم ، وقد تنمو لتصل إلى أحجام قياسية ، كما هي الحال مع الصيني هوانغ جانجي ، الملقب بالرجل الفيل ، والذي أثار دهشة العالم حين تم تسليط الضوء على قصته أول مرة عام 2007 .
هوانغ .. الرجل الفيل ..
هوانغ ولد عام 1977 لعائلة صينية فقيرة ، وقد لاحظ والديه ظهور ورم على وجهه حين كان في الرابعة من عمره ، فأخذوه إلى المستشفى وتم تشخيص حالته ، لكن الأطباء نصحوا بعدم إزالة الورم عن طريق الجراحة لخطورة العملية آنذاك . وهكذا بقي الورم يتضخم عبر السنين حتى أصبح عملاقا وأدى إلى تشوه رأس هوانغ بالكامل . لكن مع تطور الطب ، خاطر الأطباء الصينيون بإجراء عدة عمليات جراحية معقدة لهوانغ بين عامي 2007 – 2008 تم خلالها إزالة أورام بلغ مجموع وزنها أكثر من عشرين كيلوغرام .
بابا سنفور الحقيقي!
حين يراه الأطفال في الشارع يهرعون إليه صارخين بغبطة : "بابا سنفور!" .. فيقابلهم بابتسامة .. لكنه لا يكون ودودا بنفس القدر مع الكبار الذين يجرؤون على مناداته بهذا الاسم ، ولا يشعر بالراحة لنظرات التعجب والدهشة التي تطارده أينما حل وأرتحل ..
بول كاريسون .. بابا سنفور ! ..
هذا هو بول كاريسون , الرجل الأزرق , الذي لم يصدق معظم الناس بوجوده إلا بعد أن ظهر على شاشة تلفزيون (Today ) الأمريكي عام 2008 . وحتى بعد ظهوره على التلفاز ظن الكثيرون بأن الأمر مجرد خدعة ، فالناس لم يعتادوا على رؤية أشخاص ذوي بشرة زرقاء ، اللهم إلا في أفلام الخيال العلمي كفيلم أفاتار ، أو في كارتون السنافر .
لكن حالة كاريسون حقيقية وليست خدعة ، وهي ليست بفريدة من نوعها ، فهي مشخصة ومعروفة منذ زمن بعيد ، وتعرف بأسم التفضض (Argyria ) ، وهي مكتسبة ، أي أن كاريسون لم يولد ببشرة زرقاء لكنه أكتسب هذا اللون نتيجة استخدامه لعقاقير تحتوي على الفضة .
القصة كلها بدأت في أوائل التسعينات من القرن المنصرم ، عندما ظهر طفح جلدي مزمن على وجه كاريسون ، فحاول معالجته بواسطة محلول الفضة الغروية (Colloidal silver ) الذي صنعه بنفسه في المنزل عن طريق التحليل الكهربائي ، وأستمر باستخدام هذا المحلول لأكثر من عشرة أعوام ، مما أدى لترسب الفضة في أنسجة جسمه ، وتأكسدها إلى اللون الأسود نتيجة تعرضها لأشعة الشمس ، وهو الأمر الذي أسبغ على بشرة كاريسون لونا أزرقا مميزا .
في السابق لم يكن مرض التفضض أمرا نادرا ، فالفضة كانت تستخدم كمضاد حيوي لمعالجة الالتهابات وتطهير الجروح ، وذلك قبل اكتشاف البنسلين خلال النصف الأول من القرن المنصرم . وما زالت بعض المنتجات والعقاقير التي تستخدم الفضة منتشرة في العديد من دول العالم ، لكنها محظورة في الولايات المتحدة منذ عام 1999 بسبب تأثيراتها الجانبية ، وأهمها آفة التفضض التي يمكن أن تصيب الجلد عند استعمال المنتجات التي تحتوي الفضة لمدة طويلة .
قبل وبعد المرض ..
بول كاريسون فارق الحياة في عام 2013 ، ولم تكن لوفاته أية علاقة بحالة بشرته ، فقد مات بالسكتة القلبية .
أخيرا فقد لاحظت من خلال بحثي عن مصادر للموضوع بأن الكثير من المواقع والمنتديات العربية والأجنبية توصي باستخدام محلول الفضة الغروية وتنسب له خصائص خارقة تقارب المعجزات .. فهو يشفي جميع الأمراض ويعالج جميع أنواع السرطان !! .. وأنا طبعا لست بطبيب ولا أفهم شيئا بالطب .. لكن بالعقل والمنطق .. لو كانت جميع هذه الخصائص الخارقة موجودة في محلول الفضة الغروية فلماذا أستبدله الأطباء في الغرب بالبنسلين وغيره من المضادات الحيوية الحديثة .. هل فوائده غائبة عنهم وهم الذين استخدموه في مستشفياتهم لعقود طويلة ؟! .
مرض النعاس
أوبئة كثيرة ضربت البشرية خلال تاريخها الطويل ، بعضها ظل محفورا في ذاكرة الناس لقرون مديدة ، كالطاعون الأسود والجدري اللذان فتكا بملايين البشر في العصور الوسطى ، وبعضها الآخر مر مرور الكرام ، بالكاد يذكره أحد ، كمرض التهاب الدماغ السباتي (Encephalitis lethargica ) الذي يعرف أيضا بمرض النعاس ، والذي تحول إلى وباء عالمي بين عامي 1916 – 1926 مخلفا وراءه مليونا إصابة ، نصفها كانت قاتلة . وأغلب ظني أن طبيعة المرض وظهوره في حقبة مليئة بالكوارث ، كالحرب العالمية الأولى ووباء الأنفلونزا الاسبانية عام 1918 ، كل ذلك عجل في نسيان المرض ، فنادرا ما تجد أحدا يذكره ، ويخلط غالبية الناس بينه وبين مرض النوم الذي تسببه ذبابة تسي تسي في أفريقيا . علاوة على ذلك فأن المرض اختفى تماما بعد عقد العشرينات من القرن المنصرم ، لم يضرب كوباء مرة ثانية ، واقتصرت الإصابات الجديدة على حالات فردية لا تتجاوز في مجموعها العشرات حول العالم .
صورة لمصاب بالمرض ..
إذن هو الوباء القاتل المنسي ، حتى الأطباء لا يريدون تذكره ، فهو مرض غامض دوخهم وأوجع رؤوسهم ، إذ لم يستطيعوا معرفة أسبابه ولا كيفية علاجه . فهو غريب في أدواره وأطواره .. يبدأ بألم في البلعوم تليه حمى وصداع وزغللة وإعياء .. ثم تتطور الحالة إلى اضطراب في النوم وتشنج للعضلات .. وأخيرا يدخل المريض في حالة عجيبة تشبه الغيبوبة لكنها ليست بغيبوبة! .. بالأحرى يتحول إلى تمثال .. لا يتحرك بإرادته .. ولا يتكلم .. لكنه ليس بميت .. وإنما سجين داخل جسده .. حي ميت .. وقد يستمر على هذه الحالة لأشهر وسنوات ، ومن النادر أن يشفى .
مقطع فيديو نادر جدا لمصابة بالمرض .. عام 1925
المرض بطبيعته مرتبط بالتهابات الدماغ . لكن المحير بشأنه هو أن الأطباء لم يعثروا على سبب فعلي لهذا الالتهاب ، فحصوا مئات العينات المأخوذة من أدمغة المرضى ، لكنهم لم يعثروا على أية فيروسات .. لماذا إذن يلتهب الدماغ ؟! .. هذا هو السؤال الذي لم يعثروا له على إجابة .
إحدى الدراسات الحديثة التي قرأت عنها بصورة مقتضبة تقول بأن السبب وراء المرض يكمن في نوع نادر من بكتيريا معروفة تصيب البلعوم وتعرف بأسم (Streptococcus ) ، هذا النوع عثر عليه الأطباء في معظم العينات المأخوذة من المرضى ، وهو يتسبب بردة فعل عنيفة من قبل جهاز المناعة لدى بعض الناس إلى درجة أن جهازهم المناعي يقوم بمهاجمة خلايا وأنسجة أجسادهم السليمة ، ومنها أنسجة الدماغ طبعا ، وهو الأمر الذي يقود إلى ظهور الالتهاب المسبب للمرض .
المرض لا زال من دون علاج حتى يومنا هذا . لكن في عام 1969 وقعت حادثة غريبة ومؤثرة في مستشفى بيث إبراهام في نيويورك ، ففي تلك السنة قرر طبيب شاب يدعى أوليفر ساكس أن يجرب عقار جديد تم تصنيعه لمرض باركنسون على بعض مرضى إلتهاب الدماغ السباتي ، وكان هؤلاء هم بعض الناجين القلائل من الوباء الذي ضرب في العشرينات ، وقد مضى على وجودهم في المستشفى عشرات السنين . العقار الجديد كان أسمه (Levodopa ) ، وقد أحدث ما يشبه المعجزة ، فالمرضى استعادوا وعيهم وعادوا لطبيعتهم بعد تلقي العقار .. كانوا كأنهم تماثيل دبت فيها الحياة وتحركت فجأة .. لكن ذلك لم يدم طويلا للأسف ، إذ سرعان ما انتكس جميع المرضى وعادوا إلى حالتهم الأولى ، ولم تنفع جرعات الدواء معهم مرة أخرى . وبرغم ذلك فأن قصتهم كانت مؤثرة إلى أبعد الحدود ، لذا لا غرابة أن يتم تناولتها من قبل هوليوود في فلم أسمه (Awakenings ) قدم من خلاله الممثل العالمي روبرت دينيرو أحد أجمل وأروع أدواره السينمائية .
روبرت دنيرو .. أبدع في تقمص مصاب بالمرض ..
المصادر :
...............
- Alice in Wonderland syndrome - Wikipedia
- When the world looks like a real-life Wonderland
- Aquagenic urticaria - Wikipedia
- Aquagenic Urticaria
- Progeria - Wikipedia
- Elephantiasis - Wikipedia
- Lymphatic filariasis - World Health Organization
- Epidermodysplasia verruciformis - Wikipedia
- Cause of 'Treeman's' barklike growths revealed
- ‘Tree Man’ barred from treatment in U.S.
- Chandra Wisnu, The 'Bubble Skin Man,' Finally Diagnosed, Weighs Options
- Neurofibromatosis type I
- Huang Chuncai - Wikipedia
- 'Papa Smurf' Paul Karason, Colored Blue by Colloidal Silver, Walks On
- Blue man’ is still a man of a different color
- Argyria - Wikipedia
- Colloidal Silver: Risk Without