اللهم صل وسلم على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين
الظاهر من الآية الشريفة وهي قوله تعالى (يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) سورة الإسراء الآية 85 إن الناس في زمن الرسول (ص) قد سألوه عن الروح الإنسانية ما هي؟ التي بها الحياة وبواسطتها يكون البقاء في دار الآخرة وهي المدبرة لأمر الجسد وأنه تابعٌ لها في الدارين كما وأن الظاهر من الكلام أن الناس بما هم ناس بلا خصوصية لكون السائل من اليهود أو هو من المشركين أو المسلمين لأن هؤلاء البسطاء من الخلق وإن إنتسب بعضهم إلى اليهودية ما كانوا ليعلموا بوجود خلق عظيم هو فوق جبرئيل وميكائيل ليتسائلوا عنه وعن مقامه وما له من المنزلة عند الله تعالى ولعل القول بأن السائل كان من اليهود لأنهم اكثر علماً من غيرهم في الجزيرة العربية، كان من اجتهادات بعض الناس وتكبيراً لمكانة اليهود لأنهم كانوا أصحاب كتاب في حين أن التخصيص بهم يحتاج إلى مستند معتبر.
وقد كان الجواب أن الروح من أمر الله أي من الشأن الإلهي الذي لا مبلغ لوصول الإنسان إلى مدى معرفته بما لديه من السبل ولعل المراد من أمر الله هاهنا أي أنها لا تعرف بالأسباب والعلل المتاحة لدى الإنسان مهما بلغ من العلم لأن أمرها يرجع إلى الله بلا واسطة فلا أسباب لها مما هو في عالم الأسباب والمسببات بحسب سلسلة مراتبها أو أنها بعلل وأسباب هي فوق ما يتوصل إليه الخلق أي أنهم عاجزون عن بلوغها مهما بلغوا من العلم .
هذا هو ما يتوصل إليه الإنسان من الآية الشريفة لو تُركنا نحن وظاهر الآية أي أن أمر الروح شأن إلهي فوق مستوى الإدراك والعلم البشري وأنه لا مبلغ له وأن ما عليه البشر إنما هو قليل من العلم مهما بلغوا في المعارف وعليه فما كان جواباً لسؤال بل إنما كان إرشاداً إلى أمر وهو العجز وعدم التمكن من البلوغ إلى معرفة الروح.
وأما لو رجعنا إلى التفاسير وآراء المفسرين أو الروايات وسائر الآيات التي تتكلم عن الروح فللكلام مجالٌ آخر ولذا نقول: إن الروح هي مبدأ الحياة سواء كانت روحاً في مقابل الجسد أو ما كانت سبباً للإدراك والحس مطلقاً فتكون شاملة للإنسان وسائر الحيوانات وقد جعلت الروح في بعض الآيات في مقابل الملائكة كما ورد في قوله تعالى (يوم يقوم الروح والملائكة صفاً) النبأ 38، وفي قوله تعالى (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر) القدر4، وقوله تعالى (تعرج الملائكة والروح إليه )المعارج 4 ، وعلى هذا النحو من التقابل تكون الروح غير الملائكة وذلك يناسب بعض الأحاديث الواردة عن الأئمة عليهم السلام بأن هناك خلقاً عظيماً هو فوق جبرئيل وميكائيل كان يسدد النبي والأئمة عليهم السلام كما ستأتي الإشارة إلى هذه الروايات ولا مانع من القول بأن المراد من الروح:
- 1. تارة الروح البشرية كما تقدم.
- 2. وتارة المراد من الروح بما تعم الروح الحيواني بل والروح النباتي أيضا على احتمال.
3. وتارة بما يعم الملائكة وهذا الخلق العظيم الذي هو فوق الجميع والذي قد جعله الله تعالى مسدداً لنبيه الكريم والأئمة الأطهار.
4. لكن قد يقال إن بعض الآيات وإن أفردت الروح وجعلته في مقابل الملائكة إلا أنه قد يكون تعظيماً له وإن كان هو أحد الملائكة ولعل المراد منه جبرئيل الروح الأمين إلا أن الروايات الدالة على أنه خلقٌ عظيم غير جبرئيل وميكائيل تبقى على دلالتها من احتمال كون أن هناك خلقاً أعظم من جبرئيل وميكائيل وهذا هو الذي كان يسدد النبي (ص) والأئمة الأطهار عليهم السلام وأن جبرئيل ما كان إلا سفير الرحمن للنبي الأكرم.
5. وقد قال البعض أن المراد من الروح هو جبرئيل عليه السلام بقرينة قوله تعالى (نزل به الروح الأمين على قلبك) وكون النازل بالقرآن كما هو معلوم هو جبرئيل عليه السلام لا يدل على عدم وجود خلق أعظم منه كما دلّت على ذلك بعض الروايات.
6. ولكن قد جاء في بعض الروايات وتفسير الصافي أيضاً ما يؤيد هذا القول بالنسبة إلى (يسئلونك عن الروح) حيث أنه ورد في الكافي والقمي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الآية فقال :هو خلقٌ أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله (ص) ومع الأئمة عليهم السلام وهو من الملكوت، كما عن العيّاشي أيضا عن الصادق (ع) أنه حينما سئل عن (يسئلونك عن الروح) قال خلقٌ عظيم أعظم من جبرئيل وميكائيل لم يكن مع أحد ممن مضى غير محمد (ص) والأئمة (ع) يسددهم وعن أبي بصير عن الصادق عليه السلام مثل ذلك.
وإن الظاهر أن السورة مكية ولا يعقل أن يكون السائل من اليهود بل هو إما من المسلمين أو من قريش أو غيرهم وقد قلنا إنه ليس من المعقول أن يسأل بسطاء الخلق عن خلق عظيم هو فوق ميكائيل وجبرئيل مكانة إلا إذا قلنا أن السؤال كان من عظماء المسلمين الذين تربوا في كنف الرسول الأعظم (ص).
7- وقيل المراد من الروح هو عالم الروح مطلقاً أي عالم المجردات أعم من كونه الروح الإنساني أو الملائكة في مقابل ما هو من عالم الطبيعة والمادة.
8- وقيل المراد من الروح هي العقول العشرة التي كان يقول بها الفلاسفة من اليونانيين وقال بها أيضا بعض المسلمين وهي العقول الطولية كما يقولون وهي ملائكة عظام ثم يأتي من بعدها دور العقول العرضية المدبرة أمراً لعالم الطبيعة المعبر عنها عندهم بالمُثُل النورية أو أرباب الأنواع حيث كانوا يرون أن للمطر مثلاً رباً وكذلك للشجر وللرزق وهلم جرا، وهذه العقول العرضية أو أرباب الأنواع تأتي بعد خلق العقول الطولية التي هي أعظم منها مكانة ويكون العقل الأول الطولي الذي هو أول العقول العشرة أعظم خلقاً على معتقد فلاسفة اليونان والمسلمين وهذا ما يناسب أن يكون المسدد للرسول والأئمة الكرام بناءً على صحة القول بالعقول الطولية والعرضية كما هو مسلك الفلاسفة.
وقد قال الرئيس ابن سينا عن عالم الروح والمجردات والنفس الإنسانية النازلة إلى عالم الطبيعة والمادة من العالم القديم الزماني أشعاراً معروفة قد ورد فيها :
هبطت إليك من المحل الأرفع (أي الروح)*** ورقاء ذات تعزز وتمنّع
محجوبة عن كل مُثلة ناظر *** وهي التي سفرت ولم تتبرقع
نزلت على كره إليك وربما *** كرهت فراقك وهي ذاتٌ توجع
9- وقيل الروح هو كل كائن حي سواء كان من الجن أو الإنس أو سائر الحيوانات وغيرهم أو الملائكة أو غيرهم من ذوي الإدراك والحياة.
10- وأما الأحاديث الواردة عن الأئمة عليهم السلام فمنها ما عن حمران عن الباقر أو الصادق عليهما السلام :فإنما الروح خلقٌ من خلقه له بصرٌ وقوة وتأييد يٌجعل في قلوب المؤمنين والرسل) حيث يبدو أنه من عالم الملائكة يؤيد الصالحين، أنبياء كانوا أو مؤمنين وينزل عليهم السكينة بإذن الله لتقوية قلوبهم وهذا غير ما تقدم من الخلق العظيم الذي كان يؤيد الرسول والأئمة فقط ويسددهم .
11- وقد ورد أيضا عنهم عليهم السلام أن الروح هي التي في الدواب والناس.
فإذن أيها الأخ الكريم إن وجود خلق عظيم هو فوق جبرئيل وميكائيل كان يسدد النبي والأئمة مما دلت عليه الروايات وإن كان للروح معان كثيرة تقدم تفصيلها، هذه خلاصة الكلمات في مسألة الروح وفقكم الله لكل خير ومعرفة ولبلوغ درجة الإيمان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
منقول