زيارة الاربعين عبر التأريخ
وانا اخط بقلمي عنوان ما اكتب عن هذه الزيارة العظيمة , وتأريخها وقفت امام كلمة التأريخ هنيئة سالة من الذي يفرض نفسه وحقيقة ظهوره هل الحدث هو الذي يدخل ميدان التأريخ بيراعة لينحت تفاصيله في احدى صفحاته حقائق لا يمكن شطبها او تزويرها , ام ان التأريخ هو الذي ينتقي شخصياته واحداثه بيراع تحتضر فيه الحقائق اما من شدة مادح لا يستحق مدحه , او الاغراق في ذم ما لا يستحق ذمه , ومن المؤسف ان تأريخنا المسجل انما هو تأريخ الحكام والجبابرة على مر العصور, لا تأريخ الشعب المحكوم ويومياته ومعاناته واحداثه من ظلم او نصرة حق , لذلك فأننا لا نجد في بطون كتب التأريخ تفاصيل عن حياة الشعوب الا مرور الكرام أرخت من قبل المؤرخين , والثقل الاكبر في خط كلمات الاحداث والفيض بها لكل ما يخص تفاصيل الحاكمين وحياتهم وشؤنهم الاجتماعية والسياسية على الرغم من تفاهة الكثير من الأحداث ومنها ما يندى له الجبين , لذكرها الدقيق , عندها احُدث في التأريخ ثلمة لا يمكن سدها او ترميمها الا بحالة واحدة , ان نعظم كل حدث ضعفه التأريخ وأوصى به رب هذا الكون الفسيح قوة وعلواً وقوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} , واي حداث مارس معها مؤرخون السلاطين سياسة التغيب والتعتيم سوى ما يخص اهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم , لكن اخذ المسار مجراه المستقيم ومن قبل الشيعة الابرار الذين اوكلت لهم المهمة الربانية بان يسدوا ثلمة التأريخ وفق ما اوصى به الله جل علاه واهل بيته الأطهار , ليتخذوا من روايات المعصومين قلماً حبره لا ينفذ ولا يمحى يكتبون به احداثهم المشعة كأنها الشمس في رابعة النهار وليصنعوا تأريخ فوق تأريخ الحكام وليكون رقعة نور للثلمة التي احدثوها مؤرخيهم في تاريخ اسلام محمد صلى الله عليه واله واهل بيت الاطهار , ولتكون هذه الرقعة النورانية هي الاصل والمنهل الذي يغذي عطش صفحات التأريخ للحقائق الجلية .
ومن هنا ابدء في بيان احداث زيارة الاربعين في العمق التاريخي وما مرت هذه الزيارة العظيمة من ازمان عاشها محبين الامام الحسين (عليه السلام) من الامن والخوف وتشجيع الائمة على الزيارة في كل الظروف لا استثناء , وبيان فضلها , وان اول من زار الامام الحسين (عليه السلام) من الانس هو جابر بن عبد الله الانصاري صاحب النبي (صلى الله عليه واله) جاء سيرا من المدينة الى العراق في ارض كربلاء , وهو نفس اليوم الذي كان فيه رجوع حرم الامام الحسين على راسهم الامام السجاد (صلوات الله عليهما) , من الشام الى كربلاء , ولقد اقاموا العزاء , وهذه اول زيارة اربعين سجلت , ولقد ورد لهذه الزيارة فضل على لسان المعصوم فعن الامام ابي محمد العسكري (عليه السلام) انه قال : ((عَلاماتُ المُؤمِنِ خَمسٌ : صَلاةُ الخَمسينَ ، و زيارَةُ الأَربَعينَ ، والتَّخَتُّمُ فِي اليَمينِ ، وتَعفيرُ الجَبينِ ، والجَهرُ بِبِسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ )) اذن للإيمان علامة واحداها هذه الزيارة المباركة , فتعتبر هذه الزيارة هي تجديد لذكرى مرور اربعين يوماً على استشهاد الامام الحسين (عليه السلام) , ومن العرفان الفطري الانساني الاعتراف بالفضل لمن وهب عطاء سخي للأخرين , فأن تجديد ذكرى اربعينه لهذا الكريم السخي الامام الحسين (عليه السلام) , انما تجديد العهد والوفاء والعرفان له ولدمه المهدور على ارض كربلاء , ولأهل بيته الاطهار وصحبه الاغيار, ولمقام النبي وابنته الزهراء ,ولمواساة الامام الغائب (عجل الله فرجه) بلوعته عليه , وهنا تحقق الاثر من هذه الزيارة وهو تأصل صفة الاخلاص لمذهب اهل البيت الاطهار (عليهم السلام) وان المسير وقطع المسافات الى ارض كربلاء , ما هو الا نداء صامت , وفعل ذات صرخة تدوي في الضمير العالمي بان هناك ظلم وقع لكن محقه الحق , ليتبين للجميع ان الحق ابلج والظلم لجج , فأصبحت هذه الزيارة من المناسبات التي تهز عروش الطغاة لما تحمله من ابعاد متنوعة الاهداف والغايات تصب جميعها في التوحد والانصهار في هدف تلبية النداء الحسيني (هل من ناصر ينصرنا) , فأن امامنا ينظر كل زمن عدد انصاره المتجددين , فما هي ابعاد هذه النصرة ؟
من ابعادها ان نزور امامنا في كل المواطن ولا ننقطع عن زيارته حتى في ظروف الخوف والتهديد وان هذا الاقبال انما هو بعين الله سبحانه وتعالى فعن عبد الله بن بُكير احد اقرب اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) , قال قلت للأمام الصادق (عليه السلام) : ((إن قلبي ينازعني إلى زيارة قبر أبيك ، وإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المصالح ، فقال : يا ابن بكير ، أما تحب أن يراك الله فينا خائفا ؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه ؟ وكان يحدثه الحسين ( عليه السلام ) تحت العرش ، وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة ، يفزع الناس ولا يفزع ، فإن فزع وقرته الملائكة ، وسكنت قلبه بالبشارة. )) , فمن هذه الوثيقة الخارجة من الدستور الإلهي تنبهت السلطات الحاكمة وعلى مر العصور تفاعل الشيعة مع قضية الامام الحسين (عليه السلام) والارتباط المعنوي بزيارته فعمدت الى التضيق ونشر الارهاب والتصفية لمن يزور الامام الحسين ابتداء من عهد جابر ابن عبد الله الانصاري سلام من الله عليه , حتى عهد النظام البعثي ومن ثم الارهاب , لكن على مدى هذه العصور لم نسمع ان زوار ابي الاحرار انقطعوا عن زيارته , وانما العكس تأتينا اخبارهم مطرزه بالشجاعة والتضحية والفداء , يفتخر كل شيعي حينما يسمع ان هولاء حملة مذهبه فسلام عليهم يوم ولدوا ويوم يبعثون احياء , فهذا كان مسيرهم شوقاً نحو كربلاء ليتزودوا من منهل امامهم وهم يبصرون قبته الشامخة بوجه الطغاة , وليرتوا من معين تضحياته للقوة والصمود بوجه الاعداء , اذن لنستفيد من زيارة الاربعين المباركة ولنحدد الهدف ونحن نسير الى هذه البقعة المباركة ما هي الغاية من كل خطوة اخطيها اليك يا ابا الاحرار وانا البي نداءك اقول (لبيك يا داعي الله) , فمن هذه الاهداف المهمة التي يجب ان تتجلى بها الجماهير الوافدة الى قبر ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) هي :
1- ان تكون النهضة الحسينية واعز ذو انعكاس يخلق روح المقاومة ضد الطغاة , بأحياء هدف الامام الحسين من خروجه الى كربلاء وهوالامر بالمعروف والنهي عن المنكر , بعدما استأصله يزيد واعوانه لعنه الله , اذن يجب ان نّفعل هذا الهدف في ذواتنا ونجعله نابضاُ بالحياة دوماً , ويتمثل ذلك في اقوالنا وافعالنا ونحن نسير الى من احي هذا الهدف بدمه المبارك واهل بيته الاطهار وصحبه الاغيار , فلتكون خطواتنا الاولى نحو الزيارة خطوة الاصلاح والنصح , والموعظة والحكمة الحسنة , ونؤثر في سلوكياتنا الحسنة في الاخرين , وان نتأثر ما هو حسن يصدر منهم دون تعالي .
2- ان نحافظ على صلاتنا ونحن في طريقنا الى ابي الاحرار ومُحي اصول الدين ولا ننسى مسيرته الطويلة من ارض جده المصطفى (صلى الله عليه واله ) الى ارض كربلاء كان بها الامام (عليه السلام) واعظاً مقيم للصلاة مع اصحابه بوقتها حتى ينتهي الامر به وهو في ارض الطف , قد اقام الصلاة تحت سهام الاعداء مع اصحابه , فلنقتدي بإمامنا ولا نكسر قلبه بأفعال واعذار يمكن التغلب عليها لنقم الصلاة بأوقاتها .
3- واما الاخوات الزائرات ممن السيدة زينب قدوتها وجئن لتعزيتها ان يتخذن حجاب السيدة زينب منارا لهن , ويتزودن من عفتها وصلابتها , وليعرفن ان هدف خروجها مع اخيها الحسين (عليه السلام) انما هو الحفاظ على ارث هذه المعركة واحداثها ونقلها الى الاخرين وتوعية الغافلين بان دين محمد لم يستقم الا بسيوف ارتوت من دمائهم الطاهرة , فكانت السيدة عقيلة الطالبين لها خطب هزت الضمير الانساني, مع بقية نساء بيت الوحي , فأن الاقتداء والتشبه بهذه النسوة العظيمات انما هو رفعة وعز لكل امرأة , وليكون طريق يا حسين مدرسة للوعظ والتذكير والارشاد بمنهج السيدة زينب (عليها السلام) , وامها الزهراء (صلوات الله عليها) , وبأبسط العبارات واجملها وقعا بالقلب , ولا يخفى على بال احد كيف حافظت عقيلة الطالبين على النساء والاطفال على طول طريق السبي ولم يغادر عينها احد الا افتقدته حتى رجعت بهم الى ارض الوطن سالمين الابدان مقروحين الاجفان ذبحت ارواحهم لتحتضر في اجسادهم من شدة لوعة المصاب , لكن الطابع العام ردت هذه الامانة سالمة كما اوصاها اخوها (عليه السلام) , فيا اختي الفاضلة الزائرة لأرض كربلاء حافظي على حجابك وعائلتك واطفالك ومن كان معك من اخوتك في طريق صحبتك لتنتهي مراسيم الزيارة وأنتي مرفوعة الراس بنجاحها ولا اخفاق فيها وبجزيل الاجر والثواب لكي .
وفي الختام اقول لم يكون لنا هذا الشموخ والعلو والرفعة بديننا ومذهبنا لولا رُفع راس امامنا عاليا على القنا . فما هو الجزاء الذي نقدمه لقربان الدين المحمدي ؟ ولتعلمي اختي الزائرة لم تصان حرمتك وتتسامى شخصيتك بانك زينبيه , حتى هتكت حرمة زينب وسترها وبقية بنات بيت النبوة والوحي (صلوات الله عليهن) فما الجزاء الذي نقدمه لمن هتكت حرمة . سائلين الله عز وجل ان يتمم هذه الزيارة بسلامة الزوار ويتقبل منهم بأحسن قبول ولقد دعى الامام الصادق في صلاته لزوار جده الحسين(عليهما السلام ) فيما روي عن معاوية بن وهب قال : استأذنت على أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي : أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه ويقول : " يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية و وعدنا الشفاعة وأعطانا علم ما مضى وما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوي إلينا اغفر لي ولإخواني ولزوار قبر أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) الذي أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه وآله وإجابة منهم لأمرنا وغيظا أدخلوه على عدونا أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلف على أهاليهم وأولادهم الذي خلفوا بأحسن الخلف وأصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك أو شديد وشر شياطين الإنس والجن وأعطهم أفضل من أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم ، اللهم إن أعدائنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا وخلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي قد غيرتها الشمس وارحم تلك الخدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد الله ( عليه السلام ) وارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا وارحم الصرخة التي كانت لنا ، اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى نوافيهم على الحوض يوم العطش " فما زال وهو ساجد يدعو بهذا الدعاء فلما انصرف قلت : جعلت فداك لو أن هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف الله لظننت أن النار لا تطعم منه شيئا والله لقد تمنيت أن كنت زرته ولم أحج ، فقال لي : ما أقربك منه فما الذي يمنعك من إتيانه ، ثم قال : يا معاوية لم تدع ذلك ؟ قلت : جعلت فداك لم أدر أن الامر يبلغ هذا كله . قال : يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض .