بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وال محمد
تاتي في كل عام مناسبة زيارة الاربعين لقبر الحسين عليه السلام ثم تمضي مثل مناسبات
السنة ولكنها وبخلاف غيرها لاتمر مرور الكرام بل تترك اثرا لها في كل مؤمن موالي
للائمة الاطهار قبل ان تنقضي,وفي كل عام تمنح المشاركين فيها شهادة العبور للمرحلة
التالية تماما كشهادات النجاح للمدارس ولكنها شهادات ايمان وتطهيروارتقاء بالنفس والروح
الى درجات اعلى في طريق الكمال الانساني تعطيها هذه الزيارة المباركة لطلابها ليس
دونما سبب وانما لتلقيهم دروسا عميقة منها لم يكونوا ليتلقوها في اي مكان اخر سوى كربلاء
ولا اي زمان اخر سوى ذكرى اربعينية الحسين.
ولعل اول تلك الدروس تاتي مع اقتراب موعد الزيارة فنرى المؤمنين رجالا ونساءا صغارا
وكبارا يستنفرون اقصى طاقاتهم ويظهر فيهم نشاط وعزيمة لاتكون موجودة في معظمهم
باقي ايام السنة فيتركون بيوتهم واعمالهم ليقطعوا مئات الكيلومترات مشيا على اقدامهم طلبا
للثواب في شعيرة مستحبة غير واجبة بينما كانوا يتمكنون من الذهاب في وسائط النقل
المختلفة ويزورون مولاهم ويعودوا بثواب الزيارة , ولكن لانه الحسين نراهم يهدونه افضل
ما لديهم اي مشقة الوصول لضريحه عليه السلام,ويترافق مع هذا الدرس درس ثانٍ وهو
اكتساب شجاعة تحدي الارهاب والقبول باحتمال الموت في طريق الزيارة,فاصبحوا جيشا
جرارا من رجل ونساء واطفال يزحفون لنصرة سيدهم وامامهم ولسان حالهم كما السنتهم
جميعا تردد (لبيك ياحسين) اجابة لنداء اطلقه سيد شباب اهل الجنة قبل اربعة عشر قرنا
حينما صاح(هل من ناصر ينصرنا),فكان نداءا لكل مؤمن الى يوم القيامة لينصره بموالاته
والسير على خطاه حتى يُكتب من انصاره مهما باعدت بينهما السنين.
اما الدرس الثالث فهو درس اعجب من سابقَيه حينما يرتقي الانسان العادي الذي لديه الكثير
من الصفات الدنيوية الذميمة كاغضب والحسد والغرور والبخل وغيرها ليتسامى ويصير (
حسينيا)خالعا ثوب طبعه الذي اكتسبه من عائلته وبيئته وثقافته طيلة حياته ليرتدي ثوبا
ابيضا ناصعا من التواضع والكرم والايثار والاخلاق العالية والمودة وغيرها من الصفات
الجميلة وكأن يداً خفية(كأن يداً من وراء الضريح...حمراء مقطوعة الاصبعِ) امتدت الى
روح ونفس وقلب وعقل ذلك الموالي لتغيره في هذه الايام القليلة,فسبحان من الَف بين قلوبهم
ذلك التاليف العجيب..((لو انفقت مافي الارض جميعا ما الَفت بين قلوبهم ولكن الله الَف
بينهم))وتستمر الدروس التي يتلقاها المؤمنون في تلك المناسبة العظيمة بل ان هذه الدروس
تصبح كالامتداد والتطبيق لاصول الدين وفروعه فتوحيد الخالق عزوجل يتجلى بصورة
بديعة في زيارة من اعطى لربه كل مايمتلك في اعلى درجات الاخلاص لله تعالى ,فكأن
زوار الحسين هم الملائكة الذين امرهم الله تعالى بالسجود لادم فاطاعوا امر ربهم وعظموا
الحسين خليفة الله في ارضه (ومن رفض هذا التعظيم من شياطين الانس التحق بمن رفض
السجود قبله اي الشيطان الاكبر ابليس اللعين)
وكانما الاصل الاخر من اصول الدين وهو النبوة تجلى في امتداد رسول الله صلى الله عليه
واله وسلم المتمثل بسبطه الشهيد فكان تطبيقا ومصداقا من مصاديق الاية الكريمة((قل ان
كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)),فاتبَع المؤمنون بعد رسولهم من يمثله خير تمثيل في
كل حركاته وسكناته وافعاله واقواله وهكذا باقي الاصول كالامامة والحسين هو الامام ابن
الامام اخو الامام ابو الائمة صلوات الله عليهم اجمعين,والمعاد قد تجلى كذلك في الحسين
وزواره حينما آمنوا بانه شفيعهم في حياتهم وبعد مماتهم وقائدهم الى جنات الخلد يوم القيامة.
وفي فروع الدين نجد امتدادات ومصاديق وثمرات هذه الزيارة المباركة , فمشقة المسير
شبيهة بمشقة الصيام في شهر رمضان وفي نتيجة الصيام كذلك اي غفران الذنوب وتحصيل
الاجر.
اما حج بيت الله الحرام فقد تطابقت مضامينه في زيارة قبر الحسين عليه السلام,كيف لا
وهو ولي الله وقد اصبح قبره من اعلى بيوت الله شانا في الدعوة اليه تعالى فاستحق ان
يكون قبلة القلوب مثلما البيت العتيق قبلة الاجساد ,ولاتنقضي الدروس ففي كل عام يُخرج
المؤمنون من اموالهم مايقيمون به المواكب الحسينية التي يطبخون فيها الطعام للزوار
ويوفرون لهم المبيت وغيره ,وهم انما يضيفون معنى اخر يضاف لمعاني زكاة الاموال
والصدقة .وتزداد الدروس عاما بعد عام فدرس في الامربالمعروف والنهي عن المنكر
ودرس في الحجاب واخر في صلة الارحام وفي مقارعة الظلم والظالمين وغيره وغيره
الكثير لان الحسين ببساطة هو القران الناطق فلاتنقضي عجائبه والحسين رحمة للعالمين،
لان جده رسول الله رحمة للعالمين كما بين القران الكريم وقد وضح النبي الاكرم تطابقهما
منهجا وافعالافي الحديث المعروف الصحيح عند كل المسلمين :(حسين مني وانا من حسين
احب الله من احب حسينا) .
ولكن هل يمكن ان اكون قد غاليت بعض الشيء فيما بينت؟؟ والجواب انني قصرت
كثيرا,لان دين الله كما نعرفه الان لم يكن ليبقى كما هو عليه سالما من التحريف لولا
الحسين صلوات الله عليه وقد وضح هذه الحقيقة الامام زين العابدين عليه السلام حينما ساله
احدهم عن المنتصر في كربلاء؟ فاجابه بما مضمونه :اذا حضرت الصلاة واذن المؤذن
تعرف المنتصر.فلولاه عليه السلام لما بقيت صلاة ولا أذان وليس ذلك مستغربا عندما يكون
خليفة المسلمين انسان فاسق يقتل ابن الرسول ويستبيح مدينة الرسول ويهدم بيت الله
الحرام,فماننظر من امثاله؟؟
وهكذا استمرت زيارة الاربعين المقدسة وستستمر كاحدى علامات المؤمنين لياتون فيها الى
قبر سيد الشهداء وهم يحاولون بذلك ان يشكروه على تضحيته بنفسه واهله من اجلهم بان
يهدونه هدايا غالية في معانيها بسيطة في حقه من زيارة وصلاة يهدونه ثوابها لانه صان لهم
صلاتهم ان تصل اليهم محرفة اولاتصل ابدا ,او مشقة في المسير والوصول اليه تعويضا
بسيطا عما لاقت نساء الحسين من مشقة في ذهابهن وايابهن من الشام ,وهدية اخرى عبارة
عن نهر من الدموع يزداد تدفقا وجريانا كل عام بدل نهر العلقمي الذي مُنع الحسين واهل
بيته ان يشربوا منه حتى قضوا عطاشى ,على ان كل هذه الهدايا تقع في يد الله تعالى لان
تعظيمهم للحسين لقربه من ربه فهو سبحانه وتعالى ياخذها منهم ويعطيهم بدلها ما هو اثمن
واثمن من مغفرة للذنوب وقضاء للحوائج ومجاورة للنبيين والائمة في جنات الخلد في الاخرة
ورضوان من الله اكبر وذلك هو الفوز العظيم,ويكفينا ان نشاهد صورتين مختلفتين في نفس
الوقت هذا العام:صورة لباقي العالم يستقبل العام الميلادي الجديد بكل انواع الفسق والفجور
والمعاصي ,وصورة زوار الحسين عليه السلام وهم يتقلبون في انواع الطاعات لله تعالى في
زيارتهم للحسين ,يكفينا هذا المشهد لنعلم محبة الله للمؤمنين اذ وفقهم لذلك,السلام على
الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين عليه السلام.
.
.
ضياء