يتجول صدام حسين في بلدة شيعية قرب بغداد. يمر في شوارعها من دون أي مضايقة. يمزح مع حراس نقطة التفتيش تارة، ويصافح المارة تارة أخرى، مرددا بفخر اسمه على مسامعهم.
ويقول صدام لرجال الشرطة وهو يضحك "أنتم لم تعدموني، كان ذلك شبيهي".
لكن الرجل الذي ارتدى عباءة سوداء طويلة وسترة من الجلد، ليس الرئيس العراقي الراحل صدام حسين نفسه، صاحب رتبة المهيب الركن ولقب "القائد الضرورة"، بل انه واحد من عراقيين كثر يحملون اسم الديكتاتور السابق الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال أكثر من ربع قرن.
ومن مسقط رأس صدام في تكريت في الشمال، إلى صحراء محافظة الانبار الغربية، نزولا الى المحافظات الجنوبية شيعية وسنية، يحمل عدد كبير من الأشخاص هذا الاسم المركب الذي كان يمنح صاحبه إجلالا في السابق، لكنه تحول بعد ذلك إلى عبء عليه.
ويقول صدام حسين عليوي (35 عاما) الذي يعمل في تشغيل مولد كهرباء في قضاء العزيزية جنوب شرق بغداد إن "صدام اضطهد الكثير من الناس، وهؤلاء الناس اليوم يحملون كرها كبيرا تجاهه".
ويضيف "لذلك فإن الكثير من هؤلاء الناس يوجهون اللوم لي بسبب اسمي". ويتذكر صدام حسين الذي أطلق جده عليه هذا الاسم كيف أنه خلال فترة دراسته كان الاساتذة يتعاملون معه بحذر شديد، حيث أنه كان من المستحيل فرض أي عقوبة قاسية بحقه إذا فشل في إنجاز واجب مدرسي.
وعندما التحق بالخدمة العسكرية الإلزامية، تعرض إلى اعتداء من الضابط المناوب حينما كان ينادي بالاسماء لتسلم البزات العسكرية، لأنه تمثل باسم الرئيس.
وبعد غزو قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في العام 2003 وخلع الرئيس صدام حسين، تمنى صدام، مشغل مولد الكهرباء أن يضع ذلك نهاية لمعاناته من خلال تغيير اسمه.
ولم يتعرض صدام إلى مساءلة من سكان منطقته حول اسمه، لكن والده تلقى مكالمات هاتفية من أحزاب سياسية طلبت منه تغيير اسم ابنه، فيما تعرض إلى توبيخ بعض المارة لأن اسمه كان يعيد إليهم بعض الذكريات الأليمة.
البيروقراطية تعيق التغيير
وحاول صدام حسين تغيير اسمه في العام 2006، غير أنه قرر تأجيل ذلك على إثر المعاملات البيروقراطية المعروفة ببطئها في العراق إلى جانب المصاريف المكلفة.
ويقول والد صدام حسين وهو جالس إلى جانب ولده وعائلته في منزله في قضاء العزيزية الواقعة في محافظة واسط "يؤسفني ان وافقت على اطلاق هذا الاسم عليه".
ويضيف "كانت هناك ضغوط كبيرة علينا قبل العام 2003، وبعد العام 2004 زادت المعاناة".
وأوضح "هناك الكثير من أولئك الذين يحملون كراهية تجاه صدام، و أي شيء يتعلق باسمه"، مشيرا على سبيل المثال إلى أن موظفي الخدمة المدنية في كثير من الأحيان لا يتعاملون مع طلبات ابنه "غضبا من اسمه".
وعلى الرغم من أن بعض التذكارات التي تحمل صور صدام يمكن شراؤها في بغداد، مثل الساعات والتحف الأخرى، إلا أن معظم تماثيله وصوره التي كانت تمثل فترة حكمه، أزيلت تماما.
وقد يكون الرجال الذين يحملون اسمه أحد الأمور القليلة المتبقية والتي تذكر بفترة حكمه.
وتعرض عدد كبير من الأشخاص الذين يحملون اسم صدام حسين للقتل والتهديد، وصعوبة الحصول على وظائف حكومية وفرص عمل، وواجهوا صعوبات أخرى تفوق المشاكل التي يتعرض لها العراقيون العاديون.
ويقول صدام حسين محميدي وهو صحافي يعيش في مدينة الرمادي في محافظة الأنبار غرب بغداد إنه "بعد العام 2003 حدثت أشياء كثيرة لي حينما كنت أذهب إلى أي مكان في داخل العراق. أود أن أخفي اسمي من أجل إنقاذ حياتي".
وأقيل والد صدام حسين محمدي من وظيفته في الخدمة المدنية بسبب اسم ابنه حيث فشل في إقناع رؤسائه بأنه لم يكن من مؤيدي حزب البعث الصدامي، فيما أن الجهود التي بذلها لتغيير اسم ابنه لم تجد نفعا.
ويقول صدام حسين محمدي (33 سنة) الذي اطلق عليه هذا الاسم الطبيب الذي حضر ولادته، إن حياته قبل اجتياح العام 2003 كانت خالية من المشاكل، خصوصا وأنه كان يعيش في محافظة الأنبار السنية.
لكن بعدما اطاحت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة بالنظام، اضطر إلى تزوير بطاقة تعريفية لتغيير اسمه، وتجنب ترك المنزل في ذروة اعمال العنف الطائفية التي اعقبت الغزو العراقي، في عامي 2006 و2007.
ويقول صدام الذي يفضل أن يناديه أصدقاؤه باسم ابو عبد الله إن "حياتي بعد العام 2003 تغيرت بشكل دراماتيكي وانتقلت من ضفة إلى أخرى".