ان وجود العالم عن الباري تعالى ليس كوجود الدار عن البناء , او كوجود الكتاب عن الكاتب , الثابت المستقل بذاته المستغني عن الكاتب بعد فراغه من الكتابه , وعن البناء بعد فراغه من ابنية الدار , ولكن كوجود الكلام عن المتكلم الذي ان سكت بطل وجود الكلام .
الكلام يكون موجودآ ما دام المتكلم يتكلم به , ومتى سكت بطل وجوده . او كوجود نور السراج في الهواء , مادام السراج باقيآ فالنور باق موجود . او كوجود ضوء الشمس في الجو , فان غابت الشمس بطل وجدان الضوء من الجو . او كوجود الحراره المسخنه في جسم النار , لو انطفات بطل ضوؤها وحرارتها .
اعلم ان كلام المتكلم ليس هو جزأ منه . بل فعل فعله او عمل عمله واظهره بعد ان لم يكن . وهكذا حكم النور الذي يرى في الجو عن جرم الشمس ليس هو جزءآ منها بل هو اشخاص منها وفيض منها . وهكذا حكم حرارة النار المنتشره منها حولها ليس بجزء منها , بل هي فيض يفيض منها .
هكذا الحكم والمثال في وجود العالم عن الباري عز وجل , وذلك ان العالم ليس بجزء منه , بل فضل تفضل به , وفيض جود افاضه , وفعل فعله بعد ان لم يكن فعل , كما ان المتكلم اظهر الكلام بعدما لم يكن تكلم , وليس الكلام جزآ من المتكلم , بل فعل فعله وصنع اظهره .
فقد تبين اذآ بما ذكرت من هذه المثالات التي تقدمت , كيفية وجود العالم عن الله تعالى . ولا تقدر ولا ينبغي ان تظن ا وجود العالم عن الله تعالى بلا اختيار منه مثل وجود نور الشمس في الجو طبعآ لا اختيار منها , ولا تقدر ان تمنع نورها وفيضها لانها مطبوعه على ذلك طبعها رب العالمين .
اما الباري تعالى فمختار في فعله ان شاء فعل , وان شاء امسك عن الفعل تركآ . مثل المتكلم القادر على الكلام , ان شاء تكلم , وان شاء امسك وسكت .
هكذا حكم ايجاد الباري سبحانه واختراعه , ان شاء افاض جوده , وفضله , ونعمته , واحسانه , واظهار رحمته وحكمته , وان شاء امسك عن الفعل تركآ . وان شاء لم يمتنع عن ايجاد فعله صنعآ . اذ هو قادر على الفعل وترك الفعل مختارآ . كما ذكر في كتابه الكريم : (( ان الله يمسك السموات والارض ان تزولا ولئن زالتا ان امسكهما من احد من بعده )) . وقال (( كل يوم هو في شأن )) ولا يشغله شأن عن شأن . والحمد لله رب العالمين