مهما كانت غرفتُك شاسعةً وفخمة، فلن تستطيع المكوثَ فيها إذا كانت الفوضى تعصفُ بأركانها، قد تتغاضى عن بعضِ الأشياء التي تثير قلقَك، وتهمس بداخلك: "أنا لم أرَ شيئًا!"، ثم تُقنِعُ نفسك أن الوضع عادي ولا يحتاج إلى مجهود ولو بسيطًا لإعادة الأشياء إلى أماكنها، تقول: الهواء موجود، وأنا حي أتنفَّس، لماذا أُدخِل نفسي في دوَّامة أنا في غنًى عنها أصلاً؟ بعض الناس - إن لم نقل: أغلبهم - يُفكِّرون بهذه النمطية؛ حيث يواصلون ضخَّ منتج الراحة الموسمية، ليضمنوا رفاهيةَ الآن، ولا يهمهم ما يأتي بعد ذلك!
لكن لو تأملنا قليلاً في ذواتنا، لوجدنا أن لكلٍّ منا غرفتَه الخاصة، تلك الغرفة التي بداخل كل واحد منا، ذكرياته وإنجازاته وخيباته، وطبيعة تعامل الناس مع ممتلكاتهم تختلف من شخص لآخر، إلا أن الصنف الأكثر انتشارًا ذاك الذي يقصدُ كلَّ يوم - بل كل دقيقة - خزانةَ خيباته وأحزانه التي رتَّبها بدقة بالغة، يقفُ أمامها كمَن يقفُ أمام لوحةٍ فنيَّةٍ لا شغل له إلا تأمُّلها، لكن المسكين يحتاج لمن يخبره بأن اللوحة سوداءُ! ويستطيع كل يائسٍ مُحبَط رسم المئات منها، وصفتها الأولى والأخيرة أن تحزن وتركن لحزنك.إن لحظة البَدْء في ترتيب غرفتك الداخلية هي إدراكُك أن نوافذَها يجب أن تشرعَ لاستقبال أشعة التغيير، ثم أن تصرف جهدك لابتغاء هدفك كما كنت تهدره من قبل ابتغاء حزنك واكتئابك!الأمر لا يختلف بتاتًا، فقط الأمر يحتاج إلى تركيز الجهد على ما تريد، لا على ما لا تريد، كل ما تحتاجه لتغيير شيء ما هو لحظة البَدْء، تلك الحلقة المفقودة في كل محاولة فاشلة.
أن تبدأَ يعني أن تقطعَ نصف الطريق نحو ترتيب غرفتك الداخلية، تلك التي تضمُّ جميع أشيائك، قد ترحب بالبعض وترفض البعض الآخر، لكن هذا كله يبقى قيد الخواطر والأفكار، بينما الأمر يحتاج جهدًا وممارسة على أرض الواقع، فكل الناس يتمنَّون، لكنَّ قلةً منهم يُؤمنون بما يفكِّرون ويسعَوْن لإيجادِه في حياتهم.ترتيب غرفتك الداخلية يحيطك علمًا بذاتك أكثر من أي وقت مضى، لن تسمح لنفسك بالوقوف أمام أخطائها كثيرًا، بل تعلمُ أنها مصدر لتحرِّي الصواب، وسُلَّم لارتقاء أعلى درجات الحكمة.
في رأيي أننا نحتاجُ أن نُرتِّب ذواتنا، وأن نزيل أكوام الغبار من فوق مبادئنا وقيمنا، أن نضع كل شيء في مكانه (الجد، المزاح، الحب، القلق...)، ببساطة: أن نعيشَ بانسجام تامٍّ بين ما نحسُّه بداخلنا وما نبصره خارجنا، ألا تقارن أنفسنا بغيرنا، فنذوب وننجرف نحو ما يخططه الآخرون لنصير عبيدًا مملوكين لديهم!
إن أبشع خطأ يرتكبُه الإنسان في حق نفسه أن يجعلَ أخطاء الآخرين مقياسًا للنضج والنمو لديه؛ ظنًّا منه أنه قطع أشواطًا في بناء ذاته والرفع من مكانته، ولا يكون في الحقيقة إلا كالصنم بين يدي ناحِتِه أيبيعُه أم يحطِّمُه؟!
والصواب أن تكون قِيَمُنا ومبادِئُنا هي البوصلةَ التي تُحرِّكُ مشاعرَنا، وتُوقِظُ عواطفَنا، وتبعَثُ بداخلِنا طاقةً نحو الإيجابية والفاعلية في كل عمل نمارسه، تلك البوصلةُ التي لا تخطئ أبدًا أينما وضعتَها تُصِيب الهدف، تؤثِّر في الزمان والمكان وتتأقلم معه، كذلك مَن يعيش وَفْق مبادئَ رسمها في حياته ويتنفَّسها أثناء خطواته، لا يتنازل عنها أبدًا، وسلاحه في ذلك المرونة التي تكون حاضرة وبقوة في كل مواقفه.انشُرِ البهجة والبسمة داخل غرفتك، أعلِنْها حالة فرح وسعادة لا تنطفئ، امنَحِ الخير وتعلَّم من الغير، اجعَل بينك وبين الحزن سدَّ ذي القرنين، واعلم أن الفرح يستوطنُ الأشياء الصغيرة والأفعال التي لا تُلقِي لها بالاً، كأس شاي تعدُّه بيدك، أو كلمة تُبهِج بها مَن حولك، أو حتى ابتسامة صادقة يهمس بها قلبك، وتذكَّر أن في الحياة لديك خيارين: إما أن تسعى حبوًا لهدفك، أو يأتي الفشل مهرولاً إليك!