TODAY - 27 June, 2011
رحيل أبو العينين شعيشع.. صاحب «مقام الصبا» في التلاوة القرآنية
أول شيخ مصري يقرأ القرآن في المسجد الأقصى وآخر حبة في عقد المقرئين الرواد
الشيخ شعيشع نال الكثير من الأوسمة منها وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا وفلسطين، وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والأمارات
بعد رحلة روحية خصبة في بحار القرآن الكريم وعن عمر يناهز 89 عاما فقدت الأمة العربية والإسلامية الشيخ أبو العينين شعيشع أحد أحب الأصوات تلاوة لآيات الذكر الحكيم، وآخر حبة في عقد المقرئين الرواد، والذي غيبه الموت مساء أول من أمس بمستشفى معهد ناصر بالقاهرة، عقب وعكة صحية ألمت به منذ 3 أشهر.
ونعت نقابة القراء بالقاهرة، الشيخ الراحل في بيان قالت فيه «إن نقابة القراء تتقدم للأمة الإسلامية بخالص العزاء، وتحتسب عند الله ما قدمه الفقيد في خدمة الإسلام».
ويعد الشيخ شعيشع آخر جيل عمالقة قارئي القرآن، وكان الوحيد الباقي من الجيل الذهبي لقراء الذكر الحكيم، رافق أسماء كبيرة من شيوخ القراء بداية من المشايخ محمد رفعت، ومنصور بدار الدمنهوري، وعبد الفتاح الشعشاعي، ومحمود علي البنا، وعبد الباسط عبد الصمد، ومحمد صديق المنشاوي، ومصطفى إسماعيل.
ويعد شعيشع واحدا من أشد الغيورين على الإسلام والمدافعين عنه، وكان منهجه قائما على الوسطية والاعتدال في كل شيء، وكان شعاره الذي سار عليه يقوم على الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
اتخذ الشيخ شعيشع لنفسه أسلوبا فريدا في التلاوة، بدءا من منتصف الأربعينات، وكان أول قارئ مصري يقرأ القرآن الكريم في المسجد الأقصى، وأول قارئ للقرآن يسافر للدول العربية عام 1940 بدعوة من إذاعة «الشرق الأدنى» بالقدس، وأول من سجل القرآن على أسطوانات مدبلجة في مطلع الخمسينات.
ولد الشيخ شعيشع في أغسطس (آب) 1922 بمدينة «بيلا» بمحافظة كفر الشيخ بوسط دلتا مصر، وتعلم في الكتاب وكان عمره 12 عاما وحفظ القرآن الكريم في سنتين على يد الشيخ يوسف شتى، وهو الابن الثاني عشر بين إخوته، وذاع صيته كقارئ للقرآن عام 1936 وهو في الرابعة عشرة من عمره، واكتشف موهبته وساعده على الالتحاق بالإذاعة المصرية كأصغر قارئ، الشيخ عبد الله عفيفي عام 1939، وكان عمره وقتها 17 عاما.
تأثر شعيشع كثيرا بالشيخ محمد رفعت وكانت تربطه به علاقة وطيدة وقد استعانت به الإذاعة لإصلاح الأجزاء التالفة من تسجيلات الشيخ رفعت لوجود شبه كبير بين صوتيهما؛ ولكن في العشرينات من عمره بدأ يتخذ أسلوبا خاصا به، وبدءا من منتصف الأربعينات أخرج ما بصوته من إبداعات، وأصيب بمرض في أحباله الصوتية مطلع الستينات منعه من القراءة، لكنه هزم المرض وعاد للقراءة.
عين شعيشع قارئا في مسجد عمر مكرم بميدان التحرير وسط القاهرة عام 1969، ثم قارئا بمسجد السيدة زينب منذ 1992، وناضل شعيشع في السبعينات لإنشاء نقابة القراء مع كبار قراء القرآن، وقد انتخب نقيبا لنقابة القراء من سنة 1988 خلفا للشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وظل نقيبا لها حتى وفاته.
وشغل الشيخ شعيشع مناصب عدة، منها عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية، وعين عميدا للمعهد الدولي لتحفيظ القرآن الكريم، وعضوا للجنة اختبار القراء بالإذاعة والتلفزيون، وعضوا باللجنة العليا للقرآن الكريم بالأوقاف، وعضوا بلجنة عمارة المساجد بالقاهرة.
ونال الشيخ شعيشع الكثير من الأوسمة منها: «وسام الرافدين من العراق، ووسام الأرز من لبنان، ووسام الاستحقاق من سوريا وفلسطين، وأوسمة من تركيا والصومال وباكستان والإمارات وبعض الدول الإسلامية».
وقد نعى عدد كبير من القراء الشيخ شعيشع، واصفين حياته بأنها كانت حافلة بالعطاء، مؤكدين على أهمية اقتفاء أثره. وقال القارئ الشيخ محمد محمود الطبلاوي، نائب رئيس نقابة القراء: إن «شعيشع من الأعلام الذين لا ينسى فضلهم في الفكر الإسلامي، امتاز بالوسطية والبساطة»، موضحا أنه كان عف اللسان طوال حياته، لافتا إلى أننا افتقدنا شيخا جليلا خدم القرآن أكثر من 60 عاما، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: إن «الراحل حارب من أجل إنشاء نقابة القراء، وكان صاحب بصمة في الإذاعة المصرية». وأشار الطبلاوي إلى أن من مآثر الشيخ شعيشع دعوته المستمرة للدول الإسلامية لتحفيظ القرآن الكريم للشباب منذ الطفولة.ويعرف الشيخ شعيشع بروح الشجن في قراءته للقرآن، ما أدى إلى أن يصفه متخصصو القراءات بلقب «ملك الصبا»، وهو المقام الموسيقي الذي يحوي الشجن في مقامات النغم، ويقول الراحل «إن ذلك يعود إلى حادث وفاة والده الذي أثر على نفسه كثيرا فاكتسى صوته بالحزن والشجن».