( ليوناردو دافينشي) ..أشهر رواد المدرسة الكلاسيكية .. عبقرية شاملة
لم يكن له لون ثابت،
وكان يحدق ببصره إلى الأفق البعيد
نحو أجواء واسعة ،
إلى الهضاب والروابي الخضر والجبال الشم،
ماذا كان يعني الظاهر من الأشياء بالنسبة
لرؤية هذه الأفاق الواسعة ؟؟
كانت عين ( ليوناردو ) ترنو إلى
الوجه الإنساني من بعيد،
صحيح أن النظر إلى الوجه عن قرب يحدد معالمه،
ولكن عين ( ليوناردو )
تفضل مع ذلك رؤيته عن بعد.
وكل شيء من قريب يبدو له
جامداً وساكناً.
إن تقلبات الجو المستمرة تلطف الأشياء البعيدة،
وتخفف من ثقلها،
وفي هذا المساء، وعندما يلف الغسق
الأفئدة والأشياء،
ترسم على الأفق اهتزازات بطيئة
ذات حركة دائمة.
وكذلك الحال مع الوجه الإنساني
. وفي خطوطه حيث يلج النور بالظلام،
والظلام بالنور، تتقلب الأجواء،
وتتحرك الطبيعة كحركة كل ذرة من هباء العالم،
وعلى الوجه ترتسم خلجة روحية تائهة ،
منطلقة من الأحلام.
إنه شكل بلا شكل،
ولون بلا لون .
إنه رؤية ذات ألوان في الشكل،
وهيولية تصيرية في اللون )
ليونيللو فانتوري
في كتابه
( نقد أعمال ليوناردو دافينشي )
1919
مولده وحياته :
ولد ليوناردو دافينشي
في مدينة صغيرة ( فينشي ) ،
تقع على بعد ثلاثين كيلو مترا
غربي فلورنسا في إيطاليا .
وكان ابناً غير شرعيا لكاتب عدل فلورنسي
وفتاة فلاحة.
ولكن ذلك لم يمنعه من نهل العلم
وتحقيق ذاته ربما لتعويض
هذا النقص الأولي .
تتلمذ على يد ( أندريا دل فيروكيو )
أو ( فيروشو)
التصوير التشكيلي والنحت
ولازمه فترة من الوقت
وأشترك معه في إنتاج بعض الأعمال الفنية .
. كما تتلمذ على يد ( لودفيكو سفورت ) .
وفي تلك الفترة أنتهى من الجزء الأكبر
من كتابه عن التصوير ،
ثم بدأ كتابه في الهدرليكا والميكانيكا
والجيولوجيا والنبات .
والفترة مابين 1448 وَ 1482
أنشأ ليوناردو مرسمه الخاص في فلورنسا ،
وطلبه دوق ميلانو للعمل معه ،
وهناك تفتحت مواهبه المختلفة
وكان في الثلاثين
من عمره آنذاك.وقد عمت شهرته
الغرب الأوربي كله .
من أشهر لوحاته في هذه الفترة لوحتي
( العذراء والصخور )
ثم ( العشاء الأخير )
في عام 1500عاد ليوناردو إلى فلورنسا
وخدم عند( سيزان بورجيه )
كمهندس حربي ،
وقد وضع عدة تصاميم لكثير
من المخترعات
نفذ القليل منها في عصره .
وقد تعاون مع ( الفنان مايكل أجلو )
في تزيين مبنى مجلس مدينة فلورنسا
بمناظر تخلد تاريخ المدينة .
وفي هذه الفترة
رسم لوحته الشهيرة ، بل وأشهر لوحة
على مدار التاريخ
( المونا ليزا ) أو ( الجيو كندا )
وما بين (1513 وَ 1519 )
قضاها في روما أولاً ثم توجه إلى فرنسا
تلبية لدعوة ملك فرنسا
( فرانسوا الأول )
ويقال أن السبب الذي لأجله ترك روما
لأن الأمير الذي يغدق عليه العطايا قد مات ،
والمنافسة في روما شديدة حيث يوجد بينهم
رافائيل ومايكل أنجلو .
في الحقيقة كان ملك فرنسا
( فرانسوا الأول )
محبا للفنون والآداب ،
وكان يحب أن يجذب كبار الفنانين اليه .
وهذا ما كان .
وقد أمضى ليوناردو دافينشي
السنتين الأخيرتين من عمره
خارج وطنه منعما مكرما
في القصر الفرنسي .
توفي في فرنسا
عام ( 1519 ) عن عمر يناهز
السابعة والستين .
صفاته :
معظم من عاصره وعرفه عن كثب
يؤكدون على ميزاته الشخصية العالية
وصفاته الإنسانية ، فكان مهيبا ،
ذكيا جميلا من الناحية الجسدية ،
وكانت محادثته ممتعة ويتميز
بالكرم والأريحية .
يقول عنه الفنان والمؤرخ فازاري
( هو مخلوق لطيف جدا ،
وقد حبته الطبيعة بروح سامية ،
مكنته من طرق الأبواب العلمية والفنية ،
وكان متفوقا تفوقا ملحوظا ،
وكان يعمل مندفعا بفكره وجنانه ،
فأنتج من الأعمال
ما لم يستطع سواه ،
وطبع جميع أعماله
بطابعه الخاص المتميز بالخير
والجمال والعطاء
علمه ومخترعاته :
هذا الرجل الذي قل أن يجود الزمان
بمثل عبقريته الشاملة ،
تلك العبقرية متعددة الجوانب ،
وتلك الروح المتوثبة والنفس الطموحة
التي لا ترضى بحال ولا تقنع بمال ،
كان يتطلع إلى الأمام دوما حتى
تجاوز عصره ؛
بل والعصور التي تليه .
ليوناردو دافينشي وجد في
عصر النهضة والعلم
وقد أستطاع أن يحتل مكانة كبيرة
في ذلك العصر،
وبالرغم من أنه كان يكره الحرب
ويصفها بأنها ( جنون شنيع )
لكنه مع ذلك قام بتصميم أسلحة دفاعية
وهجومية لأمراء فلورنسا
وميلانو والإمارات البابوية .
أكتشف ليوناردو العديد من الآلات الحربية
مثل الدبابة ، فقد حلم
عندما كان مستشارا عسكريا لبابا روما
بآلة تشبه السلحفاة
مزودة بمدافع تطلق النيران في كل إتجاه
وتنقل نحو 26 رجلا إلى ميدان المعركة .
هذه الآلة هي التي مهدت
لظهور الدبابة .
أيضا أبتكر مدفع رشاش له عشر خزائن
مهد لظهور قاذفة الصواريخ ،
وأيضا الطائرة المروحية
والغواصة وطبول الحرب ،
وعلى الرغم من أن تلك المخترعات
لم تنفذ في عصره
إلا أنه قد تركها شبه مكتملة وسهل لمن
أتى بعده جميع الصعاب .
بالإضافة الى رسومه في التشريح
وملاحظاته العلمية ،
حتى كاد أن يكتشف الدورة الدموية .
وقد ترك كنزا من المعرفة
في خمسة الآف صفحة لم تنفذ
على أرض الواقع.
وهذه نماذج من تصاميمه:
وهذه رسوماته في التشريح :
وهذه نماذج أخرى لرسوماته :
في مجال الفن :
مجال الفن يختلف عن العلوم ،
إذ أنه أبتدع العديد من الأعمال في النحت
وهندسة البناء ،
وترك ما يقارب من أربعة الآلف رسم
تمثل مجموعة على جانب كبير من الإتقان ،
بالإضافة إ لى بعض النقوش على الرخام ،
وبعض الأعمال من الآجر ،
وقد اشتهرت أعماله الهندسية والفنية
في إيطاليا وفرنسا .
أما في مجال الرسم والتصوير
فهنالك الحصيلة الكبرى المتميزة ،
وتلك الروائع التي أنجزها جاءت دقيقة ومتقنة ،
والمؤثرات فيها ذات تفنن بليغ وعميق
، وتجاوز بها حدود التقليد ،
وتخطى المدارس الإيطالية
في عصره إلى حد بعيد.
كتب عنه ( لانزي) في ( تاريخ إيطاليا ) :
"كان ذلك المصور الفذ يرسم بأسلوبين ،
الأول مشحون بالظلال التي تنطلق منها
الومضات المتضادة ،
والتي بتضادها تتميز،
وتتضح الأشكال البديعة
والثاني أكثر ارتياحا وسكونا
وفي كلا الأسلوبين يبرز تفوق الرسام ،
ورشاقة اللمسات ،
وخفقان الفؤاد "
ويقول عنه معاصره ( راندلو ) :
" لقد راقبت ليوناردو عن كثب وهو يعمل
منذ الصباح الباكر حتى الغروب
في رسم صورة " العشاء الأخير " ،
كان يقف على السقالة لتبلغ
ريشته اللوحة في أعلى الجدار ،
وكان ينسى نفسه ،
وينسى أن يأكل ويشرب ،
وهو منهمك في عمله بلا انقطاع ،
ثم يتوقف عن العمل فجأة لمدة يومين
أو ثلاثة أو أربعة أيام
ويظل واقفا ساعات وساعات ،
يطيل النظر الى رسمه ،
ويتأمل فيما بعد ،
محاولا الحكم على ما صنع ،
وكنت أراه أحيانا وهو يهرع
على حين غرة عند الظهيرة
لبعاود ما بدأ، كأن ألهاما هبط عليه
ليرتجل الرسم بعدئذ ارتجالا "
أشهر لوحاته:
المونا ليزا ( الجيوكندا ) ،
العشاء الأخير ( أو العشاء السري ) ،
القديسة آن ، عذراء الصخور .
تتميز لوحات دافينشي بطريقة متكاملة
وبألوان متجانسة ،
أي أن النور والظلال تذوب فيها
بخفة ورشاقة ولا تهمل خطوطه
أية تفصيلات دقيقة من الجسم ،
وأعتنى عناية فائقة بالأشياء الدقيقة .
وهذه صور أشهر لوحاته:
لوحة العذراء والصخور
لوحة القديسة آن
لوحة رجلان يتأملان
الموناليزا
وهي رائعة ليوناردو دافينشي ،
تكشف القناع عن طرق تفكيره وعمله ،
طافحة بالأسرار ذات عمق وملاحة جذابة.
لقد نفذ هذه اللوحة وجمع فيها
بين الروعة والقوة وبين الشاعرية .
كان إهتمام الفنانين في عصره
منصبا على الأشكال الخارجية
من غبر إلتفات الى النواحي الوجدانية
والشاعرية النابعة من القلب
، فلا يرى المشاهد سوى خطوط ورموز .
لدى "فرويد "
( أبو التحليل النفسي )
أن الموناليزا تمثل الأمومة
بأجلى مظاهرها بالنسبة لدافينشي
إذ أنه قد فقد حب الأم وحنانها
منذ عهد الطفولة.
ومهما كان رأي المحللين والنقاد
لا تزال الموناليزا تحير الناس
فهم يتساءلون حتى يومنا هذا عن السر
الذي تخفيه وراء إبتسامتها ،
وتلك النظرة الغامضة والرائعة
في غموضها .
لوحة العشاء الاخير