إن أسوأ المفاسد في التاريخ البشري متمخضة عن الديمقراطية والليبرالية
لقد انتهى المجتمع البشري إلى طريق مسدود فلا أحد يدلّه على طريق جديد. ولو لايزال بعض الجهلة منبهرين بالديمقراطية ولم يكفّوا عنها، حتى بعد ما شاهدوا تجربتها الفاشلة في العالم. ولكن من المؤكد أن هذه الحركة البشرية العظيمة لن تتوقف بجهل بعض من سجن نفسه في ألفاظ الكتب الغبراء التي فات شوطها.
الواقع هو أن أسوأ المفاسد في التاريخ البشري متمخضة عن الديمقراطية والليبرالية الذين هما يمثلان آخر وصفة لإنقاذ البشر، وبعد مرور سنين من طرح هاتين الوصفتين لم يأت أحد بمشروع جديد لإنقاذ العالم. وهذا هو ما وعدت به الأخبار وهو أن قُبَيل الظهور يحدث فراغ نظري في العالم ويتّضح بطلان دعوى كلّ من يدعي شيئا لإدارة المجتمع البشري، فيظهر الإمام الحجة(عج) في هذا الفراغ النظري. إن هذه من القواعد الرئيسة والقطعية في أمر الظهور.
يقول الإمام الصادق(ع): «مَا یَکُونُ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى لَا یَبْقَى صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا و قَدْ وُلُّوا عَلَى النَّاسِ حَتَّى لَا یَقُولَ قَائِلٌ إِنَّا لَوْ وُلِّینَا لَعَدَلْنَا ثُمَّ یَقُومُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَ الْعَدْلِ»(الغيبة للنعماني/274) وكذلك قال الإمام الباقر(ع): «دَوْلَتُنَا آخِرُ الدُّوَلِ وَ لَنْ یَبْقَى أَهْلُ بَیْتٍ لَهُمْ دَوْلَةٌ إِلَّا مَلَکُوا قَبْلَنَا لِئَلَّا یَقُولُوا إِذَا رَأَوْا سِیرَتَنَا «إِذَا مَلِکْنَا سِرْنَا مِثْلَ سِیرَةِ هَؤُلَاءِ» وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِینَ»(الغيبة للطوسي/ص472)
لماذا لا يصوّر الإعلاميون لنا ولأهل العالم «حيرة الإنسان في الغرب»؟
إن الفراغ النظريّ الذي حدث اليوم في العالم ليس بفراغ نظري وحسب، بل إن المآزق الخارجية التي لم تعد تهتدي الشعوب إلى منجى منها قد وثّقت هذا الفراغ النظري. فأين يلجأ هذا الإنسان الخائب والمسكين الذي لم يعد يمكن خداعه ولا يمكن إلهائه بالتوافه أو إغراؤه بالشهوات.
فهذا من عدم دراية رجال السينما والإعلام أن لا يعكسوا لنا ولأهل العالم حيرة الإنسان في الغرب. لابدّ لهم أن يذهبوا إلى تلك الديار ويعكسوا لنا ظاهرة اليأس والخيبة والإحباط المتفشية هناك. إن اصطياد ظواهر الكآبة هذه التي أصابت نفوس أبناء المجتمع البشري هو من شؤون رجال الإعلام فإن كانوا يحظون بالعقل والذكاء والدراية والتوفيق يقدروا عندئذ على اصطياد هذه اللقطات وعرضها للمشاهد.
يحتاج الإنسان إلى ذكاء وبصيرة حتى يصطاد هذه اللقطات بكامرته أو بعينه ويتنبأ المستقبل. فإن العالم بأسره في مختلف أرجائه يتجه نحو زوال قدرة هذه الأنظمة والأفكار الفاسدة وازدهار وانتصار المعنوية والولاية والدين. وأنا كنت أتحدث بهذه المفاهيم وأتنبأ انتشار المدّ المعنوي والديني لدى شباب إيران في أوج أيام الإصلاحات التي كان يتنبّأ مفكّروها آنذاك بزوال الدين والموج الديني من شباب إيران. في تلك الأيام التي كان يطبّل ويزمّر البعض بزوال القيم من هذا المجتمع وأن البنات السافرات سيكتسحن أجواء البلد ويجعلن فكرهنّ وظاهرتهنّ هي الغالبة في المستقبل، في تلك الأيام أخذت بيد بعض المحقّقين الذين كانوا قد جاءوا من أمريكا لإجراء بعض الدراسات العلمية إلى أحد أسوأ الأقسام الداخلية لأحدى الجامعات والتي كان مستوى الحجاب فيها سيئ جدا، فأجريت مسابقة هناك وقلت لهم: أبدوا مشاعركم تجاه فاطمة الزهراء(س). وما أجمل العبارات التي ذكرنها نفس هؤلاء البنات غير المحجبات. فالتفتّ لهذا الوفد وقلت أن المستقبل لهذه العبارات؛ لا لهذه التسريحة الظاهرة من إيشابها. فقال أحدهم متسائلا: هل تعتقد أن سوف تحيى هذه القيم؟ قلت: نعم بالتأكيد وسوف تتدفّق من قلوب هؤلاء الناس.
كما كنت في جلسة مع مجموعة من مخالفي ومعارضة الثورة الإسلامية في كندا وحاولت كثيرا أن أفهّمهم هذه الحقيقة، وهي أن قد نرى مظاهر كثيرة حولنا ولكن لابدّ أن نشخّص أي ظاهرة سوف تسود في المستقبل وتكتسح العالم.
إذا أردتم أن تطالعوا أكثر في هذا المجال أعرفكم على مصدر باسم سورة محمد(ص)، حيث قد بيّن الله فيها أنه يبطل أثر أعمال بعض الناس، كما قد بيّن فيها أنه سوف يحافظ على أثر عمل الشهداء. ونحن قد قدمنا شهداء في حركتنا. إذن لابدّ من الانتصار لا محالة. (وَ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُم)[محمد/4] ولكن (الَّذينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُم)[محمد/1] فلا أثر لأعمالهم في العالم مهما سعوا وكادوا وخططوا ونحن أصبحنا نشاهد بطلان مخططاتهم ومؤامراتهم. فكل ما يعملون وينهبون ويسرقون ويقمعون يزدادون ضعفا وعجزا.
يتبع إن شاء الله...