هذا الذي بين يديك أيها القارئ الكريم هو ملخص الجلسة الأولى من سلسلة محاضرات سماحة الأستاذ الشيخ بناهيان في العشرة الأولى من محرم في عام 1434هـ. في موضوع «حب الحسين وعلاقته بالفطرة» حيث ألقاها في جامعة الإمام الصادق(ع) في مدينة طهران بين مجموعة من طلاب وأساتذة الجامعة وباقي شرائح المجتمع. تمت ترجمتها بحمد الله لما فيها من معان ومضامين رائعة جدا بشأن قضية الحسين(ع) ومدى علاقتها بفطرة الإنسان. أدعوكم لمتابعة هذه الأبحاث وهذه السلسلة العطرة علّها تقربنا شيئا إلى الإمام الحسين(ع) وقضيته.
لابد لنا اليوم أن نرى أيّ مفهوم يحظى بالأولويّة دون غيره؟
إن المجالس التي تقام بمحورية أهل البيت(ع) وذكرهم في مناسباتهم والتي تسمّى بمجالس الذكر أو مجالس أهل البيت(ع)، فإنها بالإضافة إلى كونها مجالا للفكر وكسب العلم والمعرفة وإحياء أمر أهل البيت(ع) وكونها تمكّن من إقامة الحق وتمهّد الناس لنصرة أئمة الهدى(ع)، لها أثر ممتاز آخر إلى جانب هذه الخصائص كلها لا ينبغي الغفلة عنه، وهو «تعیین الأولوية أو تحديد المفهوم الأكثر أولوية» على أساس مقتضى روحنا ومجتمعنا اليوم.
عندما نجتمع معا في هذه المجالس لابدّ أن نتأمل ونرى أن من بين جميع المفاهيم الجيّدة، ما هو المفهوم الذي له أكثر أولوية وأكثر علاقة مع عصرنا الحاضر. في مثل هذه المجالس لابدّ أن نلتفت إلى أنه «ما الذي نطرحه في هذا اليوم؟» و أيّ مفهوم له دور استراتيجي في إنقاذ أنفسنا ومجتمعنا والعالم بأسره؟ إن من أهمّ فوائد أمثال هذه المجالس هو أن نعرف على أيّ مفهوم أضحى يدقّ نبض زماننا وتحولات عصرنا وأيّ المفاهيم له الدور الأهم في عبورنا من هذه المرحلة.
ما هي المفاهيم التي كانت لها الأولوية في أيام الثورة وأيام الدفاع المقدّس؟
من المهمّ جدا أن ينتبه الإنسان إلى أولويات زمانه من الأولويات الفردية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال كان من المطلوب في أيام الثورة أن نلتفت إلى مفهوم الإيمان وقيمته وموقعه. ومن الخصائص البارزة للشهيد المطهري(ره) حينئذ هي أن شخّص هذه الأولوية ولفت أنظارنا في أيام الثورة إلى موضوع الإيمان وقيمته إلى جانب العلم، وكان ذلك، في تلك الأجواء العلمانية التي تَعُدّ الإيمان ضربا من الخرافة.
وكذلك كانت الأولوية في زمن الدفاع المقدّس هو أن نلتفت إلى مفهومي الجهاد والشهادة، إذ كانت هي قضيتنا يومذاك وكان قد أصبح مجتمعنا الديني بحاجة حياتية إلى هذين المفهومين.
بعد أيام الدفاع المقدس ـ قبل حوالي 18 عام ـ أقبلت الأنظار والأفكار بين الشباب المتدين والثوريّ تتوجه إلى الإمام الحجة(عج). فازدهرت بعدها مجالس دعاء الندبة وبدأ البحث والكلام عن المجتمع المهدويّ، وقد كان البعض يحاول أن يفرض «المجتمع المدنيّ» كأحد مثلنا في المجتمع. فإن الالتفات إلى المجتمع المهدويّ في ذاك المقطع من الزمن أنقذنا من السقوط. فبعدها أصبح الناس يتطلعون لمستقبل سعيد جدا وهذا ما زاد أمل الناس بالدّين وشحنهم لاستهداف القمم القادمة.
إن أبا عبد الله الحسين(ع) اليوم هو موضوع استراتيجي لنا
ما هو الموضوع الذي يحظى اليوم بالأولوية الأهمّ لأنفسنا ومجتمعنا وللعالم بأسره؟ أنا أتصوّر أن لابدّ لنا أن نرجع البصر مرة أخرى إلى أبي عبد الله الحسين(ع) وننظر إلى قضية عاشوراء كقضية استراتيجية ومفهوم استراتيجي للعبور من أزماتنا وحتى الأزمات العالمية. إن أبا عبد الله الحسين(ع) اليوم هو موضوع استراتيجي لنا.
يتبع إن شاء الله...