وَلَيْلٍ، كأنّ الصّبحَ في أُخرَيَاتهِ،
حُشَاشَةُ نَصْلٍ، ضَمّ إفرِندَهُ غِمدُ
تَسَرْبَلْتُهُ والذّئْبُ وَسْنانُ هاجِعٌ،
بعَينِ ابنِ لَيلٍ، ما لهُ بالكَرَى عهدُ
أُثيرُ القَطا الكُدْرِيَّ عَنْ جَثَماتهِ،
وَتألَفُني فيهِ الثّعَالبُ، والرُّبْدُ
وأطْلَسَ مِلْءِ العَينِ يَحملُ زَوْرَهُ،
وأضْلاعُهُ منْ جَانبَيْهِ شَوًى نَهْدُ
لَهُ ذَنَبٌ مثلُ الرِّشَاءِ يَجُرّهُ،
وَمَتنٌ كَمَتنِ القَوْسِ أعوَجُ، مُنْأدّ
طَوَاهُ الطّوَى حَتّى استَمَرّ مَرِيرُهُ،
فَما فيهِ إلاّ العَظْمُ والرّوحُ والجِلْدُ
يُقَضْقِضُ عُصْلاً، في أسرّتها الرّدى،
كَقَضْقَضَةِ المَقْرُورِ، أرْعدَهُ البَرْدُ
سَمَا لي، وَبي منْ شدّةِ الجوعِ ما به،
ببَيداءَ لمْ تحسسْ بها عَيشَةٌ رَغْدُ
كلانا بها ذِئْبٌ يُحَدّثُ نَفْسَهُ
بصَاحبهِ، والجَدُّ يُتْعِسُهُ الجَدّ
عوَى ثمّ أقْعَى، وارتَجَزْتُ، فهِجْتُه،
فأقْبَلَ مثْلَ البَرْقِ يَتْبَعُهُ الرّعْدُ
فأوْجَرْتُهُ خَرْقَاءَ، تَحسبُ رِيشَها
على كوْكبٍ يَنقَضُّ واللّيلُ مُسوَدّ
فَما ازْدادَ إلاّ جُرْأةً وَصَرَامَةً،
وأيْقَنْتُ أنّ الأمْرَ منْهُ هوَ الجِدّ
فأتْبَعْتُهَا أُخرَى، فأضْلَلْتُ نَصْلَها
بحَيثُ يكونُ اللُّبُّ والرُّعبُ والحِقْدُ
فَخَرّ وَقَدْ أوْرَدْتُهُ مَنهَلَ الرّدَى
على ظَمَإٍ، لَوْ أنّهُ عَذُبَ الوِرْدُ
وَقُمْتُ فجَمّعتُ الحَصَى، فاشتَوَيتُه
عَلَيْهِ، وللرّمضَاءِ من تحته وَقْدُ
وَنلْتُ خَسيساً منهُ، ثمّ تَرَكْتُهُ،
وأقْلَعْتُ عَنهُ، وَهْوَ مُنْعَفِرٌ فَرْدُ
لَقَدْ حَكَمَتْ فينا اللّيالي بجَوْرِها،
وَحُكمُ بَناتِ الدّهرِ لَيسَ لَهُ قَصْدُ
أفي العَدلِ أنْ يَشقَى الكَرِيمُ بجَوْرِها،
ويأخُذَ منها صَفوَها القُعدُدُ الوَغْدُ
ذَرِينيَ من ضَرْبِ القِداحِ على السُّرَى،
فعَزْميَ لا يَثنيهِ نَحسٌ، ولا سَعدُ
سأحملُ نَفْسِي عندَ كلّ مُلمّةٍ
على مثلِ حدّ السّيفِ أخلَصَهُ الهندُ
ليَعْلَمَ مَنْ هَابَ السُّرى خَشيةَ الرّدى
بأنّ قَضَاءَ الله لَيسَ لَهُ رَدّ
فإنْ عشتُ مَحموداً فمثلي بغَى الغنى
ليَكسِبَ مالاً، أو يُنَثَّ لَهُ حَمْدُ
وإنْ مُتُّ لمْ أظفَرْ، فلَيسَ على امرِىءٍ
غَدا طالباً، إلاّ تَقَصّيهِ، والجُهْدُ