TODAY - 25 June, 2011
قصر نايف تردد عليه الانكليز وزاره الأميركان وعاوده ملوك وشخصيات
قلعة آل جريان في العراق يهددها التقادم وتأثيرات الملوحة والتصحر
تعتبر قلعة آل جريان صرحا تأريخياً شهد احداثا عدة في العراق لكنه مهددة بالملوحة والاهمال وتقادم الزمان
وسيم باسم من بابل
قلعة آل الجريان في محافظة بابل من الصروح التاريخية التي شهدت الكثير من الأحداث السياسية والاجتماعية في العراق، وتبعد 120 كم الى الجنوب الشرقي من العاصمة بغداد، لكنها تعاني التقادم الزمني والملوحة التي تسلقت جدرانها وأكلت من أساسها.
قلعة آل جريان شاهدة على أحداث العراق العديدة
ويعتبر كثيرون القلعة بمثابة عاصمة للفرات الأوسط الذي يتسع في جزء منه شواطئ نهر دجلة شمالا إلى حدود مدينة الديوانيّة جنوبا مرورا بمناطق الصويرة و المحاويل والحلة إلى حدود الكوت شرقا.
لكن هذا الصرح التاريخي يتعرض اليوم للمؤثرات الجوية وتعريات الرياح وتأثيرات أشعة الشمس القوية. ويقول الباحث الآثاري سعيد الخفاجي انه زار القلعة متفحصا جدرانها الخارجية التي أكلها التقادم، كما ان أساساتها التي تكسوها الأملاح البيضاء تسبب تلفا تدريجيا يؤدي إلى الانهيار إذا ما استمر الأمر على هذا المنوال.
ويضيف : القلعة مبنية من الطابوق المفخور، وهذا النوع من مواد البناء يتأثر كثيرا بالمناطق الجافة مثل الصحاري.
وعلى رغم ان عائلة الجريان وعشائر البو سلطان يجاورون القلعة ويسعون للحفاظ عليها كإرث تاريخي الا ان ضخامتها وأهميتها التاريخية تتطلب جهدا وطنيا، لإدامتها بأسلوب علمي يرقى الى كونها معلما مهما، وأول خطوة في هذا الاتجاه ادراجها ضمن المواقع التاريخية التي يتوجب عدم اخضاعها للتغيير في شكلها وبنيانها، لكي تظل محافظة على ملامحها التراثية.
يقول الكاتب والباحث محسن لفتة الجنابي وهو من ابناء المنطقة ويسكن في جوار القلعة : كان الشيخ وادي أول من بنى قلعة من الطين في نفس مكان بيته، وكان للأحداث الدراماتيكية بسبب الصراع على السلطة والمياه، حيث كان انقطاع مياه نهر الفرات صيفا (لعدم وجود السدود ) يجعل الصراع على أشده من أجل الوصول الى مياه دجلة وإيصالها الى مناطق الفرات، الشرقية على الأقل، وقتل على أثر ذلك الشيخ وادي وأبنه الشيخ هندي، واستولى الشيخ عداي على مشروع الغبيشي، وأثار ذلك الحادث غضب الحاكم التركي في بغداد وكان أسمه وبحسب الروايات (خليل باشا) والذي تربطه بالشيخ المقتول فيما سبق علاقة شخصية، وكاد ذلك الحاكم أن يأمر بإعدام الشيخ عداي لولا تدخل أصحاب النفوذ وتم أطلاق سراحه على مضض من الحاكم التركي والذي منح أراضي الشوملي والنعمانية الى أشخاص اخر، لكنها بقيت فعلا" للشيخ عداي.
يتابع لفتة.. بنى الشيخ عداي قلعته من الطين في العام 1903 وكانت صغيرة، وتم توسيعها بعد رحيل الشيخ وادي. وحين تولى الشيخ نايف الجريان زمام الأمور، أهتم في التخطيط والاستثمار للأراضي الشاسعة.
يضيف محسن لفتة : تم شق مشاريع أروائية عملاقه مثل مشروع الخميسية وجدول بابل والتي تم من خلالها استثمار آلاف الهكتارات الزراعية، وقام الشيخ نايف ببناء القلعة من الطين أيضا، ولكن بمساحتها الحالية، وقام ولده عبد المحسن الجريان ببناء القلعة بمواد البناء الحديثة في العام 1955.
يضيف لفتة :في العام 1958 قامت الثورة ضد الملكيّة يقودها الزعيم عبد الكريم قاسم، فأنحسر النفوذ الإقطاعي والعشائري قليلا، لكن الاحترام للشيوخ بقي على ما هو عليه رغم مصادرة أراضيهم وتوزيعها لعامة الفلاحين من قبل الحكومة الثوريّة الجديدة.
وموقع القلعة الذي يتوسط بساتين آخذة في الانحسار حيث أصبحت المنطقة المجاورة لها شبة جرداء، تتأثر اليوم كثيرا
بالاختلاف الحراري في المناطق الصحراوية، فالفرق الكبير في درجات الحرارة في الليل والنــهار يسبب تسخــيـن جدران القلعة، كما تنخفــــض درجة الحرارة إثناء الليل فتبرد السطوح الخارجــــــية للجدران بينما يظـل باطن الجدار ساخنـــــا، وهذا يسبب التصدع و التشققات التي تبدو ظاهرة على جدران القلعة.
والقلعة في الفرات الأوسط كانت ولازالت بمثابة ديوان العرب في تلك المناطق يجتمعون و يتبادلون الحديث والآراء و يتعارفون ويستقبلون فيها الوفود، فالناس في ما مضى كانوا يجتمعون يوميا، ولكن التوسع وارتباط الناس بعملهم جعلهم مشتتين، في مناطق تبعد الواحدة عن الأخرى عشرات أو مئات الكيلومترات، تجمعهم القلعة و يتلذذون بشرب القهوة العربيّة على يد (الكهوجية).
ويتابع لفتة : مضيف القلعة يعمر بالوجوه الاجتماعية المميزة و شيوخ العشائر الأخرى ورؤساء الأفخاذ. وامتلكت القلعة خصوصية الرمز الروحي للعشائر العربية في المنطقة.
ومن الجدير بالذكر أن القلعة كادت أن تقصف بطائرات الانكليز في العام 1941 أثناء ثورة مايس التي قادها رشيد عالي الكيلاني. وفي عام 2003، زار وفد أميركي القلعة وحاولوا كسب ودّ الشيخ حاتم الجريان وعرضوا عليه الهدايا لكنه رفضها و بين لهم بأن ما قاموا به أعتداءا ستكون له عواقب وخيمة.
وحاولت التيارات السياسية تنفيذ أهدافها والتأثير عقائديا على عامة الناس عبر استغلال القلعة ومكانتها الاجتماعية، وكانت القلعة ملاذا لكل من يريد الاحتماء من كل خطر داهم، وهي في نفس الوقت المحكمة التي تدين المعتدي، وتعيد الحق لأصحابه.
في اواسط الثلاثينيات شيدت القلعة بمواصفات فكتورية قديمة تحتوي على عدد كبير من الغرف وملحق بها اسطبل للخيل وقاعتين للضيوف ومن حولها ابراج دفاعية (فتالات) كما في قلاع القرون الوسطى.
وبعد ثورة تموز 1958 اطلقت صيحة بوجوب مصادرة (القلعة) وتحويلها الى دار نقاهة(مصح) للمصابين بداء التدرن الرئوي (السل ) لكن وجوه العشائر توسطوا لدى الزعيم عبد الكريم قاسم والغي الامر.
وفي سن 1958 زار العراق الوفد البرلماني الأردني برئاسة ( هزاع المجالي ) في عهد حكومة الاتحاد الهاشمي وقد وجه الشيخ عبد المحسن الدعوة للوفد وتمت الموافقة وهيئ الشيخ عبد المحسن مراسيم خاصة، وكان يوما مشهودا وتمت الزياره بسلام ورجع الوفد الى بغداد وقبل ان ينهي الوفد زيارته الى العراق حدثت ثوره 14 تموز 1958 وتعرقل منهاج الزيارة.