النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

مسرحية / منقولة للاديب المبدع حامد الزبيدي

الزوار من محركات البحث: 37 المشاهدات : 585 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    صديق جديد
    تاريخ التسجيل: December-2013
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 24 المواضيع: 19
    التقييم: 10
    مزاجي: زين
    آخر نشاط: 4/March/2015

    Hiding مسرحية / منقولة للاديب المبدع حامد الزبيدي

    مسرحية الملك اورستيس تاليف حامد الزبيدي



    مسرحية: الملك أورستيس
    مسرحية مونودراما – ذات فصل واحد تأليف : حامد الزبيدي

    الشخوص:شاب إغريقي في مقتبل العمر.
    المنظر: فناء قصر كبير في العمق، أعمدة عملاقة يتوسطها عرش كبير مذهب، غرفتان متقابلتان في الوسطين- الأولى تحتوي على أثاث ينم على الرفعة والسمو، فيها سرير نوم كبير..
    بينما الثانية تحتوي على أثاث فقير فيها صندوق اسود كبير مصنوع من الخشب.
    أورستيس: (يفتح باب الصندوق الأسود ويظهر وجهه إلى النظارة- وهو كمن يبحث عن شيء)
    منذ متى أنا هنا والى متى أبقى هنا؟ (يخرج من الصندوق وهو سارحاً في الخيال)...
    أبحث في كل المواسم ، أتقصى في الأفق البعيد ولم أنته بعد... وحين أنتهي قد أولد في البدء.. ومن هناك، أطير إلى أخر نقطة خالية من كل شيء.. نقطة يحيط بها الفراغ بلا توافق أو انسجام أو اتحاد، إلا في لحظة الخبل أو دناءة الكلاب التي تأكل ثريد الآخرين وتشرب فيض العرق وتلعق الجباه.. تساورني الظنون وتؤرقني حيث تموت الفصول وتجف الرغبات الخفية والمعلنة وتحترق النفس بالشوق، ويذوب رماد الروح في عيون الليل.. وأبقى أنا موغلاً في الظلمات ولم أدرك ارتكازي في تلك البقعة الضيقة من هذا العالم المتغير، كصنم أو حجر أو أرض خراب ، سأعلن العصيان والتمرد في فوكيس... ولم أعد أدور في خرائبها المظلمة، وأتطلع إلى سماء موحشة وشمس حمراء قانية تدور في أبراج غريبة، تمشي كرجل معتوه في ذلك الدرب المضيء والنجوم تنظر لها بازدراء واحتقار والقمر الفضي يعيش في شك واحتقان قد غادر الهواء وجفت الينابيع والأنهار والبحار، وتبخرت الأجساد والأبدان واندحرت الكائنات... وفي آخر الليل، اسمع عواء ذئاب قادمة من بعيد، أجفل منها، فأجد نفسي مكبلة بالقيود لقد ضقت ذراعاً من عالم فاسد ونواميس مشوشة لا معنى لها وزهجت مما أحمل من أثقال لا يسعني التحرر منها إلا بالرحيل –الرحيل إلى آخر منفى... عسى أن يحمل عني تلك الأثقال ويكسر القيود ويمنحني الحرية الحقيقة لا المزيفة.. هنا كل شيء مزيف وباطل وهناك وهم وخرافة... أنا يا أنا حتام أبقى محاصراً بين أسوار الجحيم، أتلقى الشرور من تلك الحيوانات اللئيمة التي لا تسمو عن القذارة (يجلس على الصندوق -يوحي بدخول شخص ما) أنت مرة أخرى ماذا تريد مني؟ تأتي بين الحين والحين تيقظني وتسدل عني ستارة الأحلام هيا أغرب عني ...(يتمدد على الصندوق بتذمر) كفى لا أريد أن اسمع لا أريد ( يجلس على الصندوق) .. يا أبتي كف عني (يوحي وكأنه يقاطعه) أن كنت ترى أن التطير سيهلكني، عليك أن تعلم أنا لا أتطير ... نعم لا أتطير، إنما أناجي نفسي وأبحث عنها في الحوادث والخطوب(ينظر إليه بشرور) أتدري ما كنت أرى قبل دخولك؟
    (يوحي بأنه في سرداب مظلم)
    كنت أرى الشمس على اليمين وهي تقفز من لون إلى آخر... وأنت ،كنت واقفاً على الشمال تنظر لي بصمت وسكون ،وأنا كنت قابعاً في ذلك السرداب المظلم أنظر من ثقب باب كبير، كنت أرى تنيناً جالساً على قلادة متدلية فوق صدر امرأة.. كان يأكل من شفتيها والرؤوس الفارغة كالأنصاب تنظر إليه بذل وانكسار، لذت من وراء الباب خشية من الحراس القادمين.
    (يهرب ثم يجلس فوق الصندوق) اعتليت صهوة الشمس وأنا أصيخ السمع إلى ذلك الصهيل والى قرع القنا، وحين التفت إلى الوراء(يلتفت إلى الوراء) رأيت وجوهاً مضرجة بالدماء.. لكزت الشمس بالسيف، قفزت عن مكانها ووثبت بعيداً عن تلك الأمكنة (ينهض يقترب منه) ماذا جرى يا أبتي؟ أنت تبكي .. لا لا تدفن وجهك بين يديك .. دع الدموع تسيح، لا تحبسها في عينيك دعها تفيض على تلك الرحلة الأرجوانية التي كانت السماء فيها تمطر ناراً على بيادر القمح... وأنا كنت مختبئاًً (يختفي خلف أبيه) في أتون محتدم أتلظى من السقم... (يبتعد عنه) يا صاح.. أنت أنت لا تدري بحالي حينما يعاشرني الليل بوحشته ويأخذني إلى الشوارع الخالية ويدخلني في بيوت فارغة إلا من صدى الصراخ، صراخ الأفواه التي كانت تجتر من سنين غبر فماتت هزلاً.. وأنا هربت ، كمن كانت به جنة ، أجري حافياً في الطين الأحمر ، اقفز بين رؤوس مقطوعة وجثث أشلاء أحمل على كتفي كفن الموت.. أبحث عن شبر يؤويني، لا مكان هناك ، لا مكان هنا أين المكان (يقترب منه) أين المكان .. لم أتيت إن لم يكن لي مكان ...(يصغي إليه بتوتر) ماذا تقول يا رجل (يبتعد عنه) دع عنك حكايات الأمس، ما عدت أطيق سماعها، لا لا لا أريد ذلك، لا أتقبل بعد..
    يا أبتي عليك إن تفهم.. أنا مرهق، وينتابني إحساس غليظ، هل حقاً نحن من أصول متدنية..
    كما كانوا يقولون ؟ أنت لص وكان جدي قرصاناً ، سرق السماء في غفوتها وخبئها في صندوق عتيق ولما داهمه الحراس، ألقاه في النار كما القوه.. احترق الصندوق وتبخرت السماء ولم يحدث البرق والرعد ولم ينزل المطر..( يقترب منه) هل أعددتني لأكون يا أبتي ، لصاً آخر أو قرصان أو قاطع طريق ..(ينتبه إليه) لا هذا ولا ذاك ... أهي أحجية يا أبتي؟
    (يصغي إليه، يضحك بقوة) لا أصدق ما تقول ... أنت لا تفعل ذلك خشية من الآلهة..
    احتفظ بما تريد قوله لنفسك عسى أن تصدقك إما أنا فلا أريد أن تنبئني به (يصغي إليه ثم يبتعد عنه)
    وما شأني والكاهن والآلهة .. إن ما تذهب إليه ليس ما أذهب .. أخشاها كيف ما تشاء ، وأطعها أنى شئت.. قدم لها النذور وذبح لها القرابين.. ولكن اعلم ، إن في لحظة الرحيل ، ينتهي كل شيء، تذهب وكأنك لم تفعل أي شيء وتكون من المنسيين ، إلا أذا استطعت أن تصنع لك مجداً، كما أنت الآخر سوف تنسى كل شيء ولم تعد تتذكر (يصغي إليه)ها ، نعم ، كيف...؟
    عليك أن تعرف ذلك بنفسك لتدرك أكثر... (ينتبه إليه) نعم نعم (بطيبة) يا رجل ، يا عجوز ..أنا لا أتحدث عن نفسي بمعزل عن المحيط ... إنما أتحدث عن أولئك الذين يجوسون الظلام ويصرخون في ذهني، ويتركونني أطير بلا أجنحة كورقة يابسة لا تعلم أين تأخذها الريح...(يصغي إليه) نعم نعم ربما أنا متعب، متعب من ذلك النمل الذي يخرج من عيوني ومن فمي ومن كل جسدي (ينتبه إليه) ما هذا الهذيان ..(يقلده سخرية) ماذا تفعل ، لو كان أصلك نبيلاً ودماءك ملكية؟ يا أبتي إما أنت مني ساخراً أو تقول قولاً خطيرا ( يبتعد عنه) كف عن الحديث ولا تتعبني أكثر..(يلتفت إليه) لم لا تغرب عن وجهي ،(ينتبه إليه) لا يا أبتي ، أريد ، أريد إن اخلص نفسي مما يعتريها من شك وأنقذها من تلك الظنون.. أنها معلقة بذيل السماء، تتأرجح في أوار العاصفة، وفي ذلك الغبار تلتف عليها حية رقطاء وتضع بيضوها في ثناياها وهي تنظر لها وجهاً لوجه .. وأنا أتأمل لهما بعيني الجاحظتين بصمت وأفكر من منهما تكون صاحبة المبادرة وتنقض على الأخرى وتكلل بالنصر (يقترب منه لا إراديا) ها ماذا قلت، بالتأكيد أنا ، أنا ابحث عن وسيلة أجتث بها جذور التيه من الأعماق(ينتبه لنفسه ثم يلتفت إليه)حقيقة ما تقول ، أنت ألان بدأت تفهم مما أكابر وتدرك مما أعاني .. نعم نعم انك تعرف مصدر الألم، اجل فوكيس هي الألم الذي لا يمكن استئصاله أبداً.. فوكيس حاضنة الثعابين الشرسة.. ألم تر كيف خرجت من جحورها النتنة وتقاتلت فيما بينها في الساحات والدروب والمثكلات والأرامل والفتيات اللواتي غزا رؤوسهن الشيب والعنس، يصرخن بدموع ساخنة..على تلك المهزلة.. رفقاً بي يا أبتي دعني أتحدث وأبوح إليك عما يخالجني دون مقاطعة أو تعقب (ينتبه إليه) ربما أنا أهذي ولكن لم أتحمل بعد (بحدة وتوتر) أنا إنسان، إنسان ولا طاقة لي لما أرى (يصغي إليه دون أن يلتفت إليه) نعم أيها المدق.. حاولت كثيراً أن أبحث عن نفسي في نفسي فلم أجدها، ولم أجدها في ذلك الشارع الطويل الخالي من الأنس..ولا في ذلك الشتاء القارس الذي يدثر وجهه بالثلج وحتى في الليل الداكن الذي كان بلا قمر .. كنت أبحث عن شيء يعرفني ..حتى أنا لا أعرف ذلك (يقترب منه) يا أبتي، ما أقسى الغربة في وطن حين يكورك ويضعك في بيت مهجور كبيت العنكبوت ويجلدك بسياط الخوف.. تخيل ،تخيل، انك تمشي في دروبه ولا تعرف من هو العدو ومن هو الصديق... وكل ما تعرفه ، إن الرجال ، ينظرون إليك وهم يتهامزون ويتلامزون ماذا تفعل إليهم؟(ببرود) هكذا ...كأنك لم تر ولم تسمع منهم شيئاً.. لا ، أنا غير أنت.. أنا لم أطق ذلك منهم ... ولا أنكر قد اتخذت الصمت سلاحاً وكظمت الغيظ وكتمت الغضب ولكن في ساحات الألعاب والتدريب ، وفي لحظة المنازلة ، كنت أطلق العنان للذهن لا للسيف وأواجههم بمراوغات عصية، أتعبهم فيها وأرهقهم ثم انقض عليهم كالصقر وكذلك في السبق.. كنت ألف خيوط مكائدهم بحوافر الفرس وأتركهم ورائي ، يجرون ذيل الخيبة والخسران... خبرني لو كان أحداً منهم يمتلك مهاراتي.. هل يكون كما أكون؟ ام يكون له شأن أخر غير شأني..(يصغي إليه) ماذا تقول ؟ أجلس على هذا الصندوق وأصغي إليك وأستمع لما تقوله أعرف ذلك، انك أعلم مني بحياتي ولكن (وكأنه يقاطعه) حسناً حسناً، لا تغضب (يتقمص شخصيته) هيا اجلس ولا تناقش ما ليس لك به علم، وأصغي إلي بصمت... إلى أن اتمم إليك ما عندي من أنباء الماضي ، سأقص إليك مما تعاني وتكابد، الآن ستكون على بينة مما أنت فيه.. اعلم يا اروستيس .. أنت ليس من البرابرة أو العبيد، ولا من السراق أو المجرمين... كما كانوا يدعون.. أنت من أصلاب شريفة ومن دماء نبيلة ، قطعت بك الأسباب عنها تلك الفاجعة المؤلمة التي أحاقت بأبيك الملك العظيم الذي اغتيل غدراً .. وفي تلك اللحظة انبلجت النوايا صوبك خشية من الثأر .. ولكن أختك الأميرة ، أخذتك من المهد خلسة، أخفتك تحت رداءها وضمتك إلى صدرها ،توجسا وخيفة من أولئك الحراس والجند والخدم الذين كانوا يبحثون عنك في كل مكان من القصر، وفي الليل سلمتك لي بالعهد ، وأنا هربت بك والغلس إلى هنا، والأميرة لم تنقطع عنا لا بالمال ولا بالرسائل التي كانت تبعثها لي بين الحين والآخر...
    أنشأتك وفق رغبتها وأعددتك حسب وصاياها وحيثما كانت تريد، ولما كبرت ، وصلب عودك وأصبحت من الفرسان ، أخبرتها بذلك ، وبالأمس وردت لنا رسالة منها تدعوك بالعودة إلى ارض الآباء والأجداد(يعود إلى شخصيته) أحقيقة ما أسمع؟ أم إن الكوابيس ما زالت تصرخ في الأعماق (لنفسه) ولكنه يقول، وصلت رسالة منها بالأمس. (يلتفت إليه) أين الرسالة، أريد أن أطلع عليها..
    أين وضعتها وفي أي مكان خبأتها .. في هذا الصندوق الأسود (يقترب من الصندوق يفتحه ثم يخرج رزمة من الرسائل المطوية يحضنها)
    يروي: وقرأت جميع الرسائل التي بعثتها الأميرة إليه (يقذف الرسائل في الهواء) ونقشع الظلام وأدركت الحقيقة.. وأتمرنا أنا والمربي.
    أورستيس: نعم نعم (يبتعد عنه) ولكن ما أشرت به يا أبتي .. هو بعيداً عن الصواب ولم يجد نفعاً ، انه يشبه الأحلام لا لا يمكن أن أتولى الأمر بمفردي... دع عنك ما نبئك به الكاهن ، وأصغي لي (يصعد فوق الصندوق بنبرة قائد ) كن دليلي ورفيقي وشدد من أزري، أما ما تخشاه من .. أبولون –أنا لا أخشاه، انه ليس حقيقة..
    (يهبط إليه) ولو كان حقاً له وجود وأمر الكاهن كما قال لك .. أن اخذ بالثأر وأنتقم من القتلة وأعيد الملك السليب، وهو الذي يقدم الحماية من كل سوء ،كان الأجدر به أن يقدم الحماية لأبي ويحفظه من القتل ، ويتخذ من الانتقام سلاحاً مروع يردع به كل باغ متجبر (ينتبه إليه ثم يقترب منه) أخشى ما شئت أن تخشى... ذلك لم يبدل ما أنا قادم عليه.. يا أبتي أنا أعرف ذلك وان قناعتك لا تشبه قناعتي..(يبتعد عنه) وما شأني والنبؤات أنا لا أؤمن إلا بإرادتي، أما أوهام الكهنة المضللة ونبؤات العرافين الخرفة لا قيمة لها عندي –لذا عليك أن تكون برفقتي إلى ارجوس (يقترب منه يهمس إليه) وحالما نصل إلى هناك .. أنت، تنفذ الى القصر وتلتقي بالأميرة وتطلب منها أن تتحرك على أولئك القادة الشجعان الذين كانوا يكنون الود والوفاء لملكهم العظيم وتعضد العلاقة معهم ، وان التمست منهم العون والمؤازرة ، لتشاورهم في الأمر الذي إنا عازم عليه..(ينتبه إليه) ماذا .. أنا لم اطلع على الرسائل كما ينبغي.. كيف .. نعم، نعم، سعت الأميرة من قبل وحشدت المخلصين منهم، كما هو مدون في رسالتها الأخيرة والأجواء مهيئة .
    يروي: وانطلقنا سوية أنا والمربي إلى ارجوس، محملاً بالثأر والانتقام والمطالبة بالإرث السليب، ولما وصلنا إلى هناك نفذ المربي إلى القصر كالسهم، ثم أمن الطريق .(ينظر في المكان بريبة)
    اورستيس: ها..هل الطريق آمنة، أ أدخل الآن؟ نعم نعم (يسل سيفه ويدخل إلى الفناء ويقف بين الأعمدة) يا أيتها النفس المليئة بالحقد والكراهية ، ألا تهدئي من روعك ومن اللج وتوعزي إلى هذا القلب الخافق أن يبطأ من ضرباته المتسارعة، ويكون كهذه الأعمدة الساكنة وأن تخمدي هيجان الرغبة الجامحة التي أخذت تحرق الذهن المتوقد بلذة الانتقام، وترغمه أن لا يسمع أي نداء ويرحم الجسد الأعمى ويتركه ليهجع في آخر الليل.. لقد اسودت الحياة في عيوني،وغشاني الظلام ورمتني المصائب بحممها والسهام النارية أضاءت وجه السماء، وبدأت النجوم تحترق في ليلها الغاضب..
    وأنا أرتعد من هلع الخوف وأرتجف من غدي ومن هول المواجهة العصيبة.. واللقاء بأمي .. أمي وحبيبة روحي التي أتشوق إلى رؤيتها وهي لا تعلم ما يضمر لها هذا القلب من حقد وكراهية وانتقام، ما لون القصاص الذي تستحقه عن الجرائم التي اقترفتها بحق زوجها وأبناءها؟ .. أ أطعنها بالسيف أم أهشم رأسها بالفأس؟ ماذا أفعل لو كان أبي هو الجاني؟ ، هل أقدم عليه مثلما أقدم عليها؟ هل أحمل إليه مثلما أحمل إليها من حقد وكراهية أم أصفح عنه؟ أو لم يكن هو الذي قتل شقيقتي وقدمها قرباناً للآلهة إبان الحرب، يا لبشاعة هذا الجنس الذي لا يحترم إنسانيته.. من اليسر أن أطوي السماء وأكورها وأقذفها ككرة جوفاء في الهواء... ولم أقدم على أن أخدش وجه أمي بأناملي، وأكون كذلك الغراب الأعور الذي كان ينقر في بقايا أمه الميتة وقت الفجر..
    ياه.. أنا مضطرب مما يساورني ومما أروم له، وصراخ الانتقام يغلي في أعماقي ، يصرخ بي، الثأر الثأر ولا زلت أتخبط في ثناياه وأغامر بحياتي من أجله، كسفينة تجوب البحر، يضربها موج غاضب فيغير مجراها صوب الهاوية..لا ، لا لا هاوية لما ابغي، إنا لا أغامر بحياتي من أجل الثأر والانتقام إنما أغامر بها من أجل حق سليب، تلك هي الحقيقة (يرفع رأسه إلى الأعلى وهو يصيخ السمع إلى صوت أجنحة تضرب الهواء) يا للفأل الحسن، فقد طار البوم عن وكنه، والليل لملم ستائره السود وأسفرت السماء وبزغ الفجر الوليد (ينتبه إلى قدوم المربي) ماذا وراءك يا أبتي.
    المربي: (يتقمص شخصيته) أخبار سارة يا سيدي، رجالك الأشداء، هزموا الحراس والجند المدججة بالسلاح، وهم الآن يحاصرون القصر ويطبقون عليه وينتظرون الأمر منك.
    اورستيس: (يعود إلى شخصيته) ليربضوا في أمكنتهم ويتحصنوا بالحيطة والحذر، أما الآن فجاء دوري سأنقض عليهما وان كانا في المخدع وسأفصل بين الجسدين المتلاصقين بالسيف وأقطع دابر الفحش (يقترب من السرير) قم عنها والق بنفسك إلى جوارها.. لا تتحرك أكثر ولا تتململ (يشير إلى أمه بالسيف) وأنت يا ...كفي عن الصراخ ، لا تصرخي طلباً للنجدة .. أن صراخك لم يجد نفعاً ، القصر محاصر برجال أشداء ، ولا يأتمرون إلا بأمري .. كفى صراخاً من الخجل فأنت امرأة لا تعرف (يصمت بمرارة) هيا اخفي ثمار جسدك الذاوي ولا تتبجحي ببقايا جمال زائل ، ولا تنظري لي ولا تتمعني في وجهي أكثر (يبتعد عنها) كفى كفى لا داعي أن تعرفي من أنا ومن أكون (يلتفت نحوها ) كفاك هراءً أنا ليس ... أنا الملك اورستيس (يجلس على العرش) أنا القضاء هنا .. لا تنهضي عن مكانك ولا تبكي هيا تكلمي ودافعي عما اقترفت من جرائم بحق ذلك الوطن الذي أهدم بضربة فأس ... قلت لك كفي عن البكاء والنوح .. لا تبكي أسفا ولا تتوجعي ندماً على إنسان عظيم كانت قيمته لا تساوي عندك لحظة رعشة (يهبط من العرش يقترب منهما) اخرس أيها الرعديد ولا تتحدث من مكانك إلا أن أذن إليك(إليها) هيا قولي ما شئت .. لك حق الدفاع عن نفسك في تورطك بجريمة الرغبة المهزومة عن ساحات الشرف ، بلا إنكار يا ... هيا اعترفي عما فعلتي (يصغي إليها) نعم نعم .. لا تفندي الحقائق وتبرئي نفسك مما ارتكبي ، أولم تكون زوجة قائد جسور وملك عظيم؟ كانت تتمناه كل نساء المملكة إلا أنت .. وكنت أماً (يصمت بمرارة) غامرت بكل ما تملك من أجل شهوة عابرة (يبتعد عن السرير) ليت- اينو- كانت أمي (يشير إليها بيده دون أن يلتفت إليها) لا أنت (يلتفت صوبها) لا تنهضي عن مضجعك عارية ، وأنت في قفص الاتهام .. هيا أرقدي وتكلمي ولا تكذبي .. أنا لا أتهمك بذلك ولا داعي للمراوغة والخداع ولا تنسي نفسك، أنت مازلت نائمة على فراش العهر (يصغي إليها) نعم نعم .. كلامك ليس في محله، انه قول واهن .. لان ابتعاده عنك وانشغاله في شؤون المملكة وتوفير الحماية لها والمحافظة عليها من الأعداء والطامعين هو من صميم واجباته المقدسة ولا يمنحك الابتعاد حق الخيانة أيتها الملكة .. ابحثي عن شيء أخر (يصغي إليها) نعم أعرف أعرف بتلك المأساة التي كانت شقيقتي ضحيتها إنها من صلبه ولا يحق لك أن تنتقمي من اجلها .. ولا تتحدثي عن العدالة ولا تسفهي الأشياء التي لا تعرفينها .. العدالة بريئة مما اقترفت، العدالة غير ما نكون . كفاك حديثاً عن الأشياء المقدسة وأنبيني عن ضربة الفأس ، هل كان نائماً على السرير أم كان واقفاً هنا أم أثناء دخوله عليك؟ ليس أنت ، إذن من الذي ضربه ؟ (يصغي إليها) هذا الخائن الراقد إلى جنبك كان مختبئاً خلف الستار وفي غفلته ضربه من الخلف (يصرخ به) الاحتجاج مرفوض، أكملي أكملي نعم وسقط على الأرض وهو غارقاً بالدم .. وكيف قضيت ليلتك النشوى بقتله ؟ لا بأس لا بأس لا تجيبي أنت امرأة حرة (يستخدم السيف كالمطرقة يدق به على حافة السرير ) سكوت سكوت (إليه) لا تتحدث مرة أخرى من دون إذن وإلا أضطر إلى إخراجك بهيئتك إلى الملأ (إليها) أكملي . نعم .. وهو الذي غرر بك وأغواك وقتل زوجك (بسخرية ) يا للبراءة .. أن رائحة الفحولة تفوح من بين فخذيك وبه غدرت، كما غدرت .. أي امرأة أنت.. كفى كفى. انتهى دورك الآن وعليك أن تخلدي ولا تتحدثي (إليه) أما أنت ماذا تقول عن جرائمك (يصغي إليه) نعم ، اخرس ولا تتبجح بالآلهة نحن لا نتحمل أوزار الأجداد ولا أخطائهم .. وان كان للآلهة حق في ذمتنا ، الأولى بها أن تخذه منا بذاتها ولا ترسل كلابها علينا.. ولكن أنبئني كيف تجرأت واقتربت منها وروضت جسدها لتحقيق مآربك الدنية وجعلت من عواطفها أداة طيعة لنواياك الشريرة، وارتقيت سلم المجد بالخسة والدناءة (يصرخ به ) دعني أكمل وإلا اقطع لسانك وادفن سحره .. أيها القذر، بفعلتك هذه قد تجاوزت المدى.. ولا أقر انك تتحمل أوزار الخطيئة كلها، لأنك أنت الخطيئة بذاتها، ولن أدعك تفلت عن وجه العدالة.. كيف تود الموت؟ أ أضربك بالفأس كما ضربته أم أقتلك بالسيف ؟ ولو إني أود قبل التنفيذ أن أخلع فروت راسك إلا أن هذا الحكم منافي للعدالة ولم يشف غليل القلب ولم يطفأ النار الملتهبة (ينادي) أنت يا من هناك ، اذهب إلى الأميرة على عجل واخبرها أن تهيئ عربة الموت التي تقل جثمانيهما خارج المملكة (يدير جسده نحو السرير) أما أنتما ارتديا ملابسكما وتهيئا لملاقاة ما اقترفتما (يبتعد عنهما) ليخرس صدى الكلمات التي كانت هنا.. كلمات لا معنى لها وليس لها حق البقاء أو التقليد أو التقمص لأنها لن ترتقي بالتغيير .. أنا التغيير والتغيير أنا ، سأنشد أناشيدً كما أهوى وأؤسس مملكة بلا دماء .. لن أتراجع عن قيمي أو انثني عن أناشيدي .. أنا القمة كتلك القمة الشاهقة التي تضربها الريح وينفض عنها الضباب المثمر ويذوب الثلج وتسيل المياه صوب الوادي الأزرق حيث تعيش وتموت الأزهار فيه، والآتين بأشكال أخرى يستعملونها للسكن والتدفئة وصناعة الأحذية .. والقمة تبقى قمة ، يشع منها بريق ناصع الألوان كما لو كان في السماء (يوحي بدخول الشخص) ها ماذا قالت لك الأميرة نعم .. العربة جاهزة أمام القصر ، حسناً حسناً . (بلهجة أمر) تقدم وأوثق يديهما وشد عيونهما بالخرق السود ثم قدهما إلى هناك.
    يروي: ولما أكمل ما أمر به ، قادهما إلى العربة وبعد أن جلسا داخلها (يسحب عمودان من الخشب من السرير الذي تحول إلى عربة) وأنا قدت العربة إلى جزيرة- ايايا – (يجرها كالحصان، يدور في الوسط)
    اورستيس: (بصوت عال) لا مكان للمجرمين لا مكان للقتلة والسفاحين في المملكة .
    (يقف عن الدوران)
    اهبطا هنا وعيشا كما تعيش الغربان أو الذئاب عسى أن تتحولا إلى خنزيرين فاسدين.
    ( يعود بالعربة إلى مكانها .. يبتعد عن السرير يقفز في الهواء ويدور بحركات بطيئة حول الصندوق يفتح بابه ثم يدخل فيه وهو يصرخ) طوبى للأيدي التي لم تلوث بدماء الأبرياء.

    إظلام
    29/8/2007



  2. #2
    من المشرفين القدامى
    تاريخ التسجيل: February-2013
    الدولة: بغداد
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 75,466 المواضيع: 12,588
    صوتيات: 5 سوالف عراقية: 2
    التقييم: 16970
    مزاجي: حسب الظروف
    المهنة: ضابط في الجيش
    أكلتي المفضلة: الدولمه
    موبايلي: Note 4
    آخر نشاط: 5/March/2016
    الاتصال: إرسال رسالة عبر Yahoo إلى النقيب
    مقالات المدونة: 366
    شكرااااااااااااا لك

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال