الدولة العثمانية
لا يختار أي منا اسمه، لكل هذا الاسم قد يكون سببا لسعادة أو تعاسة صاحبه، فهناك أسماء قبيحة تترك بصماتها السلبية على حامليها، بينما هناك أسماء حسنة تنشرح لها النفوس، وتتأثر الأسماء بالثقافة السائدة وروح العصر، كذلك تتنوع ألقاب العائلات حسب الوظائف أو الحرف.
بعد الفتح العثماني ساءت الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر وأهمل الولاة العثمانيون التعليم فأغلقت الكثير من المدارس وانتشر الجهل وسادت الخرافات، وقد أخذ السلطان سليم الأول كل ما استطاع حمله من أثاث وتحف إلى إستانبول حتى إنه نزع رخام القلعة والمدارس والمنازل وأخذ كل خزائن الكتب والمخطوطات النادرة، واصطحب حوالي 1800 رجل من العمال المهرة والفنانين لينقلوا مهارتهم إلى إستانبول، وأحل محلهم صناعا آخرين فتدهورت الصناعات واختفت حوالي خمسين صنعة. انتشار الجهل
تروي جيهان مأمون في كتابها "همسات مصرية.. جولة عبر الماضي" أنه مع انتشار الجهل صار بعض الفلاحين يطلقون على أولادهم أسماء غريبة اعتقادا أنها تجلب لهم الحظ السعيد وتبعد عين الحسود وتطيل أعمارهم، فأطلقوا أسماء مثل "محيلبة" وتعني الإناء الصغير الذي يحلب فيه اللبن، "عفرة" أي الممتلئ بالتراب، "زربيح" المتغالي في فعل الأشياء مثل كثرة الكلام وكثرة الأكل، "زعيط" تطلق على الرجل البخيل، "معيط" الدائم البكاء والصراخ، و"نطاط الحيط" تطلق على اللص الذي يقفز فوق الحوائط.
أما البنات فأطلقوا عليهن أسماء أعجب مثل "معيكة" أي من تفعل الفعل السيئ وتردده وهي مأخوذة من عط ، "دعيكة" لفظ تحقير أي من تخطاها الناس، "زعرة" الزعر هو المكان قليل النبات قليل الخير وتستخدم للدلالة على سوء الخلق، و"عمشة" أي ضعيفة البصر.
وقد تسمى الناس في القرون الخالية بأسماء مفردة مثل مفرح ومنصف، وأسماء مثناه مثل مهران وبدران، وكذلك الأسماء بصيغة الجمع مثل بدور ومهور، وهناك أسماء من الطبيعة مثل شمس وسلسبيل، وأسماء أخرى من عالم الحيوان مثل الضبع والديب، وغيرها من صفات الطيور مثل تغريد وهديل، بينما ارتبطت بعض الأسماء بالأحجار الكريمة مثل كهرمانة وعنبر، وغيرها من أسماء الزهور مثل ريحانة ونرجس.
دلالات دينية
كذلك تأثروا بالشهور العربية مثل رجب وشعبان ورمضان، وأحبوا أسماء الأنبياء وآل البيت وأمهات المؤمنين، كما أطلقوا الأسماء التي تحمل الدلالات الدينية مثل صايمة، طاهرة، فاضلة، والأسماء التي تعبر عن نصرة الدين مثل محيي الدين، نور الدين، زين الدين، وأفضل الدين.
كان اسم النساء يعتبر عورة وسرا من الأسرار يجب المحافظة عليه، وإنك لتسب الرجل إذا سألته عن اسم زوجته أو أخته أو ابنته في مجلس عام، فلم يكن مسموحا إلا لأقرب الأقرباء بالاطلاع على أسماء النساء، ويتم مناداتهن باسم أكبر الذكور كنوع من التوقير.
استوعبت القاهرة أعدادا كبيرة من العلماء والتجار، وكان المصريون يطلقون على الوافدين اسم البلد الذي أتوا منه فكان يقال الشامي، العراقي، التركي، الألباني، كما حمل الناس أسماء الأقاليم التي جاءوا منها مثل الشرقاوي، البحيري، الرشيدي، والتصقت هذه الألقاب بالعائلات حتى اليوم.
وهناك وظائف وحرف التصقت ألقابها بالعائلات المصرية مثل السرجاني الذي يعصر بذور زيت السيرج أي السمسم الذي شاع استخدامه في العصور الإسلامية، والشربتلي وهو صانع الشربات، والفخراني وهو صانع القلل والأزيار، وهناك الحازق وهو منشد الأزجال في تمثيليات خيال الظل، والرواس وهو بائع الكوارع، أما الكحال فهو طبيب العيون، والمشد هو الخفير، الدهان وهو صانع العطور، والكاشف هو نائب حاكم المديرية، والقواس هو ضابط الشرطة، أما الخازندار فهو المسئول عن خزانة السلطان.
السبيل والسقا
ومن الحرف المهمة التي ارتبطت بحياة الناس، مهنة السقاية وكانت من الحرف الشائعة في المدن المصرية منذ الفتح الإسلامي، وكان السقاءون يقومون بنقل المياه من نهر النيل إلى البيوت والدكاكين مقابل أجر معين، وكان السقا يطوف في الشوارع وساحات المساجد حاملا قربته الجلدية وهو محني الظهر مرتدي سرواله الأزرق القصير ويردد "وحد الله مية حلوة أنعش روحك ربنا يرزقني" وعلى الرغم من أجره البسيط إلا أنه كان يحتسب من وراء مهنته الثواب العظيم.
واعتمدت القاهرة كليا على ماء النهر، ويروي الرحالة الفارسي ناصر خسرو الذي زار القاهرة في العصر الفاطمي أنه يوجد بها 52 ألف جمل يحمل عليها السقاءون الروايا. وقد سكن السقاءون في كفر الشيخ ريحان الذي أطلق عليه اسم حارة السقائين واستمر الاسم حتى نهاية القرن التاسع عشر، وكانت لهم طائفة تضمهم يرأسها شيخ.
ولم يقتصر دور السقائين على حمل المياه وتوصيلها للمنازل بل لعبوا دورا كبيرا في إخماد الحرائق كلما دعت الحاجة، وكان هناك جزء كبير من المياه التي يجلبونها تذهب إلى الأسبلة التي توزع المياه كصدقة. وقد خضعت وظيفة السقاية للرقابة الحكومية تحت إشراف المحتسب وكان لها قواعد دقيقة، فألزم المحتسب السقاة بنظافة قربهم وجلي الكيزان النحاسية التي يسقون بها الناس، كما أمرهم بنظافة أزيارهم وتغطيتها، وعدم استخدام نفس الكيزان لأصحاب الأمراض المعدية. وكان يجب أن تتوفر في السقا شروط عديدة بأن يكون أمينا عفيفا على دين وخلق، يحترم حرمة البيوت ولا ينظر لأبعد من قدميه. ويجب على السقائين تجنب ملء القرب من المواضع القريبة من الشاطئ التي يغلب عليها عكر التراب، ومن المحظور أن تتم عملية ملء القرب في الليل حتى لا تقع أي فضلات غير مرئية بالماء.
منقول