في التكامل والتعبير
الفن ربما ينتهي إلى مفهومين: التكامل والتعبير. في المفهوم الأول، تكمن الرغبة الشديدة في الكمال الإنساني والفني. في جعل التجربة الفنية التي يقدم عليها «الفنان» بمثابة أعلى ما يمكن له أن ينجزه، انطلاقا من موهبة فعلية وحقيقية كاملة هي مثل منجم الذهب الكامن في الأرض. في المفهوم الثاني، يكمن حب التعبير عما يجيش في البال والصدر. فسواء أكان الفن الذي أقدم عليه الفنان هو عمل روائي أم إخراج مسرحي أم سيمفونية أم مقطوعة موسيقية حديثة، سواء أكان تصويرا أم توليفا أم كتابة أم إخراجا لفيلم أم رسما، فإن هذه الرغبة في التعبير أساسية، وهي موجودة في كل إنسان ولو أن البعض فقط يستطيع أو يعرف كيف يطورها إلى فعل ونتيجة.
تبعا لذلك، فإن ما يتكون لدى الباحث هو ذلك الإدراك بأن الرغبة في تسجيل الحركة، عبر أي من هذه الفنون، وبالتالي الحياة، كانت عاملا مشتركا لدى الإنسان الأول كما لدى أي فنان آخر يعمل اليوم، وذلك ينطبق على مخرجي السينما منذ أن صوروا أفلامهم الأولى وحتى عصر الديجيتال الحالي. لاحظ مثلا تلك الرسومات الفرعونية (الجدارية أيضا) التي تحاول في آن سرد حركة وسرد حكاية وسرد لحظات من الحياة كتلك الجداريات التي تسرد بصورة متوالية على عدة طبقات مواجهة مصارعين ثم التحامهما معا. نلاحظ كل التقنيات البدنية المستخدمة في هذه الرياضة ووقوع أحدهما أو كليهما أرضا. هذا فن وتعبير.
الحقبة ذاتها شهدت توصل الكلدانيين إلى ابتكار الزجاج المكبر، بينما درس البابليون النور وظلالاته. وفي اليابان والصين شواهد على أن ألعاب الظل كانت منتشرة، تلك التي تتطلب تأليف ما يشبه رأس أرنب أو رأس حصان أو طير عبر استخدام الأصابع أمام مصدر نور (عادة النيران في الليل) لتكوين ذلك الشكل المطلوب. الباحث بول بيرنز، قام بجهد كبير في كشف اللثام عن كل الشخصيات التي تعاملت مع فكرة الظلال والصور المجسدة بفعل الضوء، وذلك على موقعه التالي: http:--www.precinemahistory.net وبجهده هذا، تجاوز كل الذين ذهبوا إلى أواسط القرن التاسع عشر بغية وضع تاريخ للصور المرئية عبر أشكالها الصناعية الأولى، فهو طرح الأسماء التي سبقت المخترعين والمؤسسين الصناعيين في الدلالة على ناتج علاقة الضوء بالشعاع والرسم والتحريك عبر الظل. وهذه عينة محدودة من الأسماء التي أوردها:
- الشاعر والفيلسوف الإغريقي سوفوسلس (نحو 495-406 قبل الميلاد).
- العالم الصيني مو تي (ويعرف أيضا باسم موتزي ومو تزي) (470-391 ق.م).
- الفيلسوف اليوناني بلاتو (437-428 ق.م) كتب عن كيانين موجودين في هذا العالم: المرئي وغير المرئي.
- حيرون الإسكندراني (125-62 ق.م) وضع كتابا مخطوطا على الزجاج، وفيه ذكر لقانون الضوء وانعكاساته.
- في نحو عام 24 قبل الميلاد، قام الساحر الصيني شاو أونغ بتحريك ظلال عشيقة الإمبراطور وو تي ليرفه عن حزن سيده.