آلاف منهن تقدمن للحصول على اجازة السوق.. نساء كربلاء و قيادة السيارة
عباس سرحان
لم تكن مشاهدة نساء يقدن سيارات خاصة بهن أمراً مألوفا في شوارع كربلاء قبل سنوات، فالمدينة الدينية التي عانقت القداسة منذ أكثر من 1400 عام بعد احتضانها رفات عدد من أحفاد النبي محمد (ص)
خطت لنفسها خطوطا وقواعد اجتماعية محافظة لعقود طويلة.
وهي وإن لم تحرِّم قيادة المرأة للسيارة منذ أن ظهرت السيارات في شوارعها لأول مرة، إلا أنها تفرض الحشمة على النساء بدقة، وتحاسبهن بقواعد «العيب والحرام» بشكل صارم، وهو أمر كان يفهمه الكثيرون من مواطنيها على أنه يتنافى مع قيادة المرأة للسيارة.
المدينة المحافظة وقوانينها الاجتماعية لم تمنع بعض النساء من قيادة السيارات في العقود الماضية لا سيما بعض مديرات المدارس الاعدادية والمشرفات التربويات اللواتي كن يقدنّ سياراتهن في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في كربلاء دون حرج.
أم رقية واحدة من النساء اللواتي يقدنّ سياراتهن الخاصة في كربلاء وهي تعمل معلمة في إحدى مدارس المدينة، وعليها أن تكون في مدرستها في وقت مبكر يومياً، وهذه الرحلة من وإلى المدرسة كانت تستلزم تأجير سيارة تقلها من وإلى المدرسة، الأمر الذي قالت إنه يكلفها ربع راتبها تقريباً فقررت شراء سيارة خاصة بها.
السيارة التي قادتها ام رقية لأول مرة عام 2005 كانت قديمة نسبياً وسعرها لم يتجاوز ثلاثة آلاف دولار، لكنها تمكنت لاحقاً من استبدالها بسيارة حديثة.
وتعتقد أم رقية أنها شجعت موظفات أُخريات على قيادة السيارة وقالت «اليوم هناك العشرات من النساء يقدن سياراتهن بثقة وسط المدينة وبعضهن يذهبن بها إلى محافظات مجاورة».
في أيلول الماضي نظمّت الوحدة النسوية في مديرية شباب ورياضة كربلاء دورة لتعليم أصول قيادة السيارة والميكانيك انخرطت فيها 12 موظفة تلقين دروساً نظرية وعملية في تعلم فن القيادة والتعامل مع الأعطال العارضة اثناء السياقة.
واعتبرت مديرية الشباب والرياضة قيادة المرأة للسيارة مطلباً وضرورة ملِّحة للكثيرات من النساء الموظفات وأكدت أن افتتاحها لتلك الدورة ودورات أخرى تفتح مستقبلا جاء ليلبي رغبة العشرات من النساء في تعلم السياقة.
جعفر سعد وهو صاحب سيارة أجرة يقول «كنت وزملائي نتساءل كيف يمكن للمرأة أن تستبدل اطار سيارتها إذا فقد الهواء، فهي لا تملك القوة لفك الإطار وإخراجه، لكن بمرور الوقت أثبت عشرات النساء قدرتهن على التعاطي مع مختلف الظروف والصعوبات».
ويؤكد «بإمكان المرأة اليوم أن تقود السيارة في كربلاء بثقة دون أن تشعر بالخجل أو تخشى المضايقات، فالرجال باتوا يتفهمون الظاهرة ولم يعد لديهم سبب يجعلهم يقفون بوجهها».
ولم تثر مسالة قيادة المرأة للسيارة جدلاً دينياً في كربلاء باعتبارها مدينة دينية، فلم يتطرّق أي من رجال الدين على اختلاف مستوياتهم، لهذا الموضوع بخلاف الحال في السعودية التي شكّلت مسألة قيادة المرأة للسيارة فيها مشكلة مستعصية.
ويعتقد رجل الدين عبد الحسن ابراهيم إن قيادة المرأة للسيارة لا تحتاج إلى فتوى لإجازتها فهي سلوك شخصي ولا توجد محاذير شرعية في قيادة المرأة للسيارة، وقال لموقع «نقاش» الإلكتروني لا يوجد مانع في قيادة المرأة سيارتها إذا كانت محافظة على احتشامها والتزامها واستغلت السيارة لقضاء أمورها الشخصية أو الأسرية المشروعة».
ولا يمنع، صادق عبد الله، ذو الاربعين عاما امرأته من قيادة السيارة، ويعتقد أن هذا يجعلها أقل إنفاقا في رحلتها اليومية نحو مقر عملها، كما يجعلها أقل احتكاكاً بالغرباء خارج إطار العمل فركوب السيارات العامة يجعل المرأة عرضة للتحرش.
ويقول إذا «كانت المرأة تقود سيارة خاصة ستحفظ خصوصيتها وتسّهل عليها الانتقال بين مسكنها ومكان عملها، فأنا لا أمانع على الإطلاق في قيادة زوجتي السيارة وأعتقد أن نظرة المجتمع للمرأة تغيّرت كثيراً والمرأة اليوم تحظى بالكثير من الثقة».
من جهته يعتقد الباحث الاجتماعي محسن رضا، أن كربلاء لم تعد مدينة مغلقة وقد استقبلت على مدى العقدين الماضيين آلاف الأسر القادمة من محافظات أخرى بينها العاصمة بغداد.مديرية مرور كربلاء أعلنت أن 30 سيدة تقدمن بطلبات الحصول على إجازات السوق في 2011 وأكدت أن هذا العدد تضاعف مرتين في السنتين الماضيتين وسط إقبال عشرات النساء على تعلم قيادة السيارات واقتنائها.
المؤتمر