الفُسَيفِساء
الفسيفساء في الأصل ألوان من الخَرز تؤلّف فتوضع في
الحيطان. والحقيقة أن الفسيفساء ليست كلها زجاجية،
فقد كانت من حجارة صغيرة متنوّعة ملوّنة مصقولة الوجه
عند الرومان. ثمّ أصبحت خزفية وزجاجية ـ إلى جانب
الأولى ـ مع البيزنطيين.وورثها المسلمون وزادوا عليها:
المذهّبة، وذات البريق المعدني، والجصّيّة، والخزفية،
والقاشانية، والصدفية، وفسيفساء المرايا. واتّخذت
سطوحاً مربّعة، ثمّ متعددة الأضلاع، بعد أن كانت غير
هندسية.
وقد أضفى الفنانون المسلمون على فسيفساء المرايا
ابتكارهم الخاص، وطوّروا رسومها الهندسية ومضلّعاتها إلى
أقصى حدود الخلق والإبداع.
وما زالت قائمة في العراق وإيران حتّى الآن، تغلّف بواطن
القِباب والعقود والمقرنصات والأعمدة.. فتتكسّر في سماء
المساجد والأضرحة ـ على صفحات صغيرة لاحدّ لها ولا عدّ ـ
أصباغ وألوان وأنوار وظلال ورسوم وأشكال وأشياء وخلائق،
فيختلط الثابت بالمتحرّك، والراكع بالساجد، والطائف
بالمبتهل. ويصعب علينا إدراك ما يخترق شفافيّة البلّور
ويتجزّأ إلى ذرّات في متاهاته، أو ما ينعكس ويرتدّ لوحات
تتجاوز بحيويّتها وروحانيّتها «الفنَّ الحركي» الحديث.
فسيفساء المرايا لم تُدرس بما يناسب من اهتمام؛ فهي إلى
جانب التنفيذ الفنيّ الرائع والتأثير العجيب على العين
والنفس.. حقّقت انتقالاً مفاجئاً، وراقياً جداً، من الشكل
المتعدد الألوان ـ من غير المرور عبر اللون الواحد
المهيمن ـ إلى اللاشكل، متجاوزةً حتّى التجريد إلى
الشفافيّة .. ناقلةً المتناهي إلى اللانهاية.