الزمان والانتظار
إنّ من نتائج العقيدة الراسخة بتحقق الوضع المنشود، هي رؤية الفرج والظهور قريباً. فإن كانت أهمية الأمر المترقب قريبة جداً، عند ذلك لا يرى المرأ تأخير زمن وقوعه؛ ولا يشعر بالمسافة الزمنية. وعلى سبيل المثال من يعتبر الموت والحساب في صحراء المحشر أمراً هاماً وغاص في عظمته سيعتبره قريباً ويشعر بمسايرته. وقد أشير في الروايات كثيراً إلى هذا المعنى.[1]
رؤية الظهور قريباً، من صفات المنتظرين
إنّ الشعور بقرب الظهور، من صفات المنتظرين. وقد ورد هذا المعنى في الأحاديث بتعابير مختلفة. قال الإمام الصادق (ع) في دعاء العهد: «اللَّهُمَّ اکْشِفْ هَذِهِ الْغُمَّةَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحُضُورِهِ وَعَجِّلْ لَنَا ظُهُورَهُ إِنَّهُمْ يرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً.»[2] كما وأصانا أهل البيت (ع) برؤية الظهور قريباً معتبرين ذلك عاملاً لنجاتنا.[3] وأنّ من لا يرى الفرج قريباً سيقسو قلبه.[4] فلابد أن يترسّخ الميل والإيمان بظهور المنقذ في قلوبنا بحيث نتلمّس قربه بكل كياننا. فتصوّرا كم سيترك ذلك من آثار روحية ومعنوية في قلوبنا.
آثار رؤية الظهور قريباً
ولو كنت معتقداً بالفرج ولكن لم يكن هذا الاعتقاد بحيث يقرّبه إليك، فقد قضيت تقريباً على أكثر آثار الاعتقاد والأمل بالظهور. ولو افترضنا أنك اطمأننت عن طريق خاص بقرب الظهور، فما هي الحالة القلبية التي ستستولي عليك؟ ألا يكون سلوكك أفضل ومراقبتك أشد؟ لماذا يحرم الإنسان نفسه من هذه الآثار الكثيرة البركة. فإن كنّا نستطيع اكتساب عامل صحيح وسالم لتحسين حالتنا المعنوية وهو الشعور بقرب الظهور، فلماذا نفقد هذا العامل القيّم؟
وإن كان الاعتقاد بقرب الظهور في هذا العصر ليس بالأمر العسير، فإنّ معرفة الأحداث التي تجري حولنا والظروف الخاصة التي نعيشها تعيننا على هذا الاعتقاد والإيمان. وإنّ الشعور بقرب الظهور في مثل الظروف لا يتطلّب اعتقاداً راسخاً ولا يُحسب فضيلة كبيرة.
علماً بأنّ البعض في هذا الزمان أيضاً يحاولون عبر طرح الاحتمالات الغريبة أن ينفون قرب الظهور، أو يُصوّرون أوضاع العالم طبيعية على أقل تقدير. ولكن لابد من العلم بأنّ المنتظر أساساً يعتبر الفرج قريباً مع غض النظر عن تحقق علائم الظهور أو عدمه. فإنّه قد زرع قرب الظهور في قلبه على الدوام لإيمانه الراسخ حتى لو لم يرَ أيّ علامة وإن كان إذا شاهد أية علامة محتملة اعتبرها بشارة لقرب الظهور وقوّى بها أمله.
الشعور بقرب الظهور منوط بالعقيدة أكثر من العلائم
ولكن لا ينبغي الاستعجال وبناء الشعور بقرب الظهور على أدلة لا أساس لها بأفكار واهية. فإنّ الشعور بالقرب هذا لدى المؤمن المنتظر منوط بالاعتقاد والأمل أكثر من أن يكون منوطاً بعلائم الظهور في آخر الزمان.[5] فكما أنّ التسرّع والاستعجال مذموم في كل أمر، قد يُؤدي في مسألة الظهور أيضاً إلى تضعيف إيمان العوام وإعراض الخواص عن المعارف المهدوية. فإن الأئمة المعصومين (ع) قد أوصوا شيعتهم برؤية الظهور قريباً وفي الوقت نفسه منعوهم من التسرّع والاستعجال في ذلك. قال الإمام الصادق (ع): «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ.» فسألة الراوي: «وَمَا الْمَحَاضِيرُ؟» قال الإمام: «الْمُسْتَعْجِلُونَ. وَنَجَا الْمُقَرِّبُونَ.»[6]
4.الشوق إلى الوضع المنشود
العنصر الرابع للانتظار هو الميل إلى الوضع المنشود. وهو غير العقيدة التي تُكتسب عبر الاستدلال وصفاء السريرة. فإنه وإن كان من آثار تلك العقيدة، لكنه حقيقة أخرى تضفي على عقيدة الإنسان نوعاً من اللذة والنشوة. فإن اقترنت العقيدة بالميل والرغبة، ستبعث على الحياة كالدم الذي يجري من القلب في جميع العروق؛ ويشعر الإنسان بحرارته بكل وجوده.
والآن سواء اعتبرنا العقيدة مقدمة للعشق والشوق بحيث تصبح العقيدة فرعاً والمحبة أصلاً؛ أو اعتبرنا العقيدة أصلاً والمحبة فرعها وثمرتها بحيث لا تقوى العقيدة إلّا بجني هذه الثمرة. أساساً فإنّ واحدة من طرق إثبات عقيدةٍ في قلب الإنسان هي نفس هذه المحبة. أي بالنظر إلى أن الإنسان قد يخادع نفسه ورغم عدم اعتقاده يرى نفسه معتقداً، لو أراد أن يرى نسبة اعتقاده، عليه أن ينظر إلى المحبة النابعة من هذا الاعتقاد.
الشوق والمحبة من ثمرات الإيمان
والشوق أيضاً ثمرة المحبة، وكلاهما من ثمرات الإيمان، ولهما في منظومة الحقائق المعنوية مكانة قيمة بحيث يقول الإمام الرضا (ع): (مَنْ ذَکَرَ اللَّهَ وَلَمْ يشْتَقْ إِلَي لِقَائِهِ فَقَدِ اسْتَهَزَأَ بِنَفْسِهِ).»[7] ومعنى ذلك أنّ ذكر الله يؤدي بطبيعة الحال إلى الشوق، وإلّا فيتضح أن الإنسان قد أخطأ طريقه أو خادع نفسه.
إن أهم ما يمتلكه المؤمنون على وجه العموم والمنتظرون على وجه الخصوص من سلاح للتغلّب على الدنيا وزخارفها هو العشق والرغبة في معتقداتهم، تلك التي أعيت أهل العالم واستحقرتهم. فإن مثل هذا الشوق الفائق والجاذبية البالغة في نفوس المنتظرين للقاء بالإمام الغائب، لا يمكن تصورها وتحققها في أي موقع من حياة البشر. وهنا يمكننا مشاهدة فتح العاشقين وتلمّس غلبة المنتظرين على أهل العالم بأجمعهم حتى قبل الفرج.
يتبع إن شاء الله...
[1]. عن أمير المؤمنين (ع): «الْأَمْرُ قَرِيبٌ وَالِاصْطِحَابُ قَلِيلً.» نهج البلاغة، الحکمة168.
وعن الإمام الصادق (ع) فيما ناجى به الله عيسى (ع): «يَا عِيسَى شَمِّرْ فَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.» الکافي، ج8، ص135.
وعن رسول الله (ص): «كُلُّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ.» من لا يحضره الفقيه، ج4، ص403.
وعن أمير المؤمنين (ع) في خطبته المعروفة بالوسيلة: «لَا غَائِبَ أَقْرَبُ مِنَ الْمَوْتِ.» الکافي، ج8، ص18. وقال في موضع آخر: «وَالْقَرِيبُ كُلُّ مَا هُوَ آتٍ وَالْأَقْرَبُ هُوَ الْمَوْتُ.» جامع الأخبار، ص138. وقال في كتاب له: «فَاحْذَرُوا عِبَادَ اللَّهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيمٍ وَخَطْبٍ جَلِيلٍ بِخَيْرٍ لَا يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً أَوْ شَرٍّ لَا يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً.» نهج البلاغة، الكتاب27. وقال في خطبة له: «رَحِمَ اللَّهُ أمْرَأً تَفَكَّرَ فَاعْتَبَرَ وَاعْتَبَرَ فَأَبْصَرَ فَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الدُّنْيَا عَنْ قَلِيلٍ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنَ الْآخِرَةِ عَمَّا قَلِيلٍ لَمْ يَزَلْ وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُنْقَضٍ وَكُلُّ مُتَوَقَّعٍ آتٍ وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ دَانٍ.» نهج البلاغة، الخطبة103.
[2]. مفاتيح الجنان، دعاء العهد. وأيضاً: المصباح للکفعمي، ص550
[3]. كان أمير المؤمنين (ع) دوماً ما يكرر هذه المقولة: «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَ.» الکافي، ج8، ص294. وروي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «... حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِذَا قَامَ قَائِمُنَا بَعَثَهُمُ اللَّهُ فَأَقْبَلُوا مَعَهُ يُلَبُّونَ زُمَراً زُمَراً...هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ وَنَجَا الْمُقَرَّبُونَ.» الکافي، ج3، ص132.
وعَنْ أَبِي الْمُرْهِفِ قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ (ع): «هَلَكَتِ الْمَحَاضِيرُ. قُلْتُ: وَمَا الْمَحَاضِيرُ؟ قَالَ: الْمُسْتَعْجِلُونَ وَنَجَا الْمُقَرِّبُونَ.» الغيبة للنعماني، ص196.
توضيح: بالاستناد إلى ما ذكره الإمام الصادق (ع)، لابد من التمييز بين المستعجلين والمقرّبين للفرج. فهناك فرق بين من يتعامل مع مسألة الظهور بعجالة ولا يصبر على التأخير المحتمل وينحرف عن الطريق، وبين من يرى الظهور قريباً ويصبر في الوقت ذاته ويعرف وظائفه في التمهيد للظهور على أساس المعارف الدينية ويتابع ذلك عبر التمسك بالتكاليف الشرعية والإلهية ومراقبة أعماله، ويعدّ نفسه للظهور. حيث يذكر الإمام أنّ الطائفة الأولى هالكة والطائفة الثانية ناجية.
[4]. الکافي، ج1، ص369؛ والغيبة للنعماني، ص295. لمشاهدة الحديث راجع الهامش ص ؟؟؟.
[5]. راجع الروايات الواردة في الهامش السابق (ص؟؟؟)
[6]. الغيبة للنعماني، ص196. وقد أوردنا روايات أخرى في هذا المجال في هامش الصفحة السابقة (ص؟؟؟)
[7]. مجموعة ورام، ج2، ص110. وأيضاً کنز الفوائد، ج1، ص330، مع اختلاف بسيط حيث جاء في المصدر الثاني: «وَلَمْ يسْتَبِقْ» بدلاً من «وَلَمْ يشْتَقْ»