الخيل العراقية العراب الأصل والمنشأ
أول دراسة من نوعها في الخيول العربية بعيداً عن رؤى المستشرقين
تأليف د. محمد بن عبدالعزيز النجيفي
أصول الخيل العربية القديمة
للمتقدمين من العلماء اراء مختلفة عن أصول الخيل، وأقوالهم هي كالتالي :
أولاً ان الخيول كانت حيوانات وحشية كغيرها من بقية الحيوانات، فقد نقلت ان كلبي انها من وحوشية قبائل وبار ووبار من الأمم البائدة التي سكنت جزيرة العرب فيما يعرف الان بالربع الخالي وهي المنطقة المشتركة ما بين العراق والسعودية والكويت ولما هلكت امة وبار صارت خيلهم وحشية لم يستطع احد ان يقرب منها، واصبحت تحوم في تلك الأرض، وانطلقت في بلاد العرب بعد ذلك سعياً وراء الكلأ والماء.
ثانياً قول ثان يقول ان الخيل كانت معروفة في عهد جرهم وقطورا، وهذه القبائل من العرب البائدة. فقد نقل الازرقي وغيره قول ابن اسحاق ان الجياد سميت اجياداً أو جياداً لخروج الخيل الجياد منها مع السميدع ملك قطورا اثناء حربه مع جرهم الاولى بقيادة المضاض بن عمرو والمضاض بن عمرو هو والد زوجة اسماعيل عليه السلام الذي تنتسب اليه العرب المستعربة، والى اسماعيل عليه السلام ينتسب نبينا محمد صلعم .
ثالثاً قول ثالث يقول ان العرب عرفت الخيل من عهد اسماعيل عليه السلام. وروى الواكبي ان اول من ركب الخيل هو اسماعيل عليه السلام بقوله وانما كانت الخيل وحشيا لا تطاق ان تركب، فسخرت لاسماعيل فكان اول من رسنها وركبها ونتجها . وروى ابن الاعرابي في كتابه والزبير بن بكار في اول كتابه أنساب قريش عن ابن عباس رضى الله عنه قال كانت الخيل وحوشاً لا تركب فأول من ركبها اسماعيل، فبذلك سميت العراب . وقد يكون هذا نسبة إلى العرب المستعربة، والتي يرجع نسبها إلى اسماعيل عليه السلام، وعن ابن عباس كذلك قال كانت الخيل وحوشاً كسائر الوحوش، فلما اذن الله لابراهيم واسماعيل عليهما السلام برفع القواعد من البيت اهداها ولينها لاسماعيل فركبها . وقد رد الهمذاني هذا القول وقال ما نصه ان القوم ذكروا الخيل اخرجت لاسماعيل، وانه هو اول من ركبها، وذلك غلط بعيد، ويستدل على الفتنة التي وقعت ما بين جرهم وقطورا واسماعيل يومئذ غلام، راوياً ان القول ركبوا الخيل ولبسوا السلاح وقالوا الشعر. وقال رجل من اكلب انه لم يركب قبل ربيعة بن زار احدهم فرساً، واستدل بقول الشاعر قائلاً
أنا ابن من لم تركب الخيل قبله
ولم يدر خلق قبله كيف تركب
رابعاً أما القول ارابع فهو يقول ان اصل الخيل عند العرب يرجع إلى عهد النبي سليمان عليه السلام، وأورد ابن الكلبي خبراً ملخصه ان الخيل العراب ترجع في جميع اصولها إلى خيل سليمان بن داود عليهما السلام، الذي ذكره الله تعالى في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم اذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد 31′ فقال إني احببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب 32′ ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق 33′ . ص ــ ،
مما تقدم وبجمع الأدلة نرجح القول بأن الخيل كانت معروفة عند العرب البائدة، وذلك قبل نشأة العرب المستعربة التي هي من نسل اسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، اذ ان القصة المعروفة انه عندما اتى نبي الله ابراهيم صلعم وترك زوجته هاجر وابنه اسماعيل في أرض مكة، واخرج الله ماء زمزم المباركة في أرض مكة اجتمعت قبائل العرب العاربة في ذلك المكان عند الماء، فلما شب اسماعيل تزوج ابنة المضاض بن عمرو سيد جرهم الاولى وانجب منها، وتكونت بعد ذلك فروع العرب المستعربة من نسل اسماعيل عليه السلام،
وهناك قول يؤكد هذا ان كلمة جواد أو اجياد انما اطلقت على الخيل بسبب وجودها في منطقة اجياد في مكة المكرمة وهذا المكان معروف حتى الان. وما ورد عن حب سليمان عليه السلام للخيل واقتنائه لها هو صحيح، وسيأتي ذكر ذلك ــ فيما بعد ــ عندما نتكلم عن الخيل العربية في الجاهلية والاسلام في الفصل الثاني.
وقد عرفت الخيول في العصور القديمة بامتيازها بالسرعة وخفة الحركة، وكان لها في النفوس منزلة عظيمة لا تدانيها اية منزلة اخرى، مما دفع الناس للحفاظ عليها، والحرص على اتصال نسلها وصيانتها من ان يخالطها هجين أو ثؤثر فيما تنجبه. وبقي متعارفا عليه عند اصحاب الخيل ان يحافظوا على انسابها كما يحافظون على انسابهم هم ويعتزو بنسب الخيل ويحفظونه ويهتمون به اهتماما ما بعده اهتمام.
ولقد اشتهر العرب بكثرة تفاخرهم واعتنائهم بأنسابهم وأنساب خيولهم، وكان العرب منذ القدم وفي سبيل المحافظة على خيلهم يختارون للانزاء عليها ويسمون ذلك التشبية عتاق حصن الفحول المشهورة مهما كلفهم هذا الامر، وليس كل حصان ــ وان كان سابقا وجميلاً ــ يختار للانزاء وتشبية الخيل العراب، ولكن المختار لهذا حصن معروفة بالاصالة والعتق ومسماة ومؤصلة ومنسوبة إلى احد اصول الخيل المعروفة، وعند ذلك فقط يولد المولود معترفاً به أصيلاً. ومن الجدير بالذكر واللطيف كذلك ان العرب قديما كانت تنسب الفرس إلى الاب وليس إلى الام كما هو الحال الان، فقد قال الملك عبد الله الاول ابن الحسين ــ رحمه الله ــ في كتابه المعروف اجابة السائل عن الخيل الأصائل ان الخيل في القديم كانت تنسب عند العرب إلى ابائها كما جاء في الرسالة عن اعوج وسلالته .
اما اليوم فيقولون ان الخيل لا يرفعها الا الحصن الفحول ، اي لا يحفظها ويحفظ قوتها ــ وانما يحرزونها بامهاتها، لان الفرس الانثى العتيق لا ينزو عليها هجين ولا مقرف، فاذا نزى احد الخيل الاصائل على مهرة من جنس الحمدانية وكان الذي نزى عليها كحيلان اخذت اسم امها وتركت اسم ابيها خلافا للقديم.
واما في المحصنات فيفهم القارئ من قولناـ يحرزونها بأمهاتها اما اذا نزى أصيل على هجين، وهكذا دواليك إلى أربعين بطنا تعرف بابائها، فتكون اخر الاحدى والاربعين احرزت وحصنت بالخيل الاصائل، وتكسب اسم اخر حصان، فاذا كان حمدانيا بقيت حمدانية، والصنف يقرر لها وتلحق به عن طريق الحصن، فكأنهم رجعوا بذلك إلى القديم ، انتهى قول المؤلف. ومن العادات المعروفة عند القبائل العربية البدوية قديماً وحديثاً انه اذا وقع قتال بين قبيلتين فاخذت من احداهما فرس اصيل، فان صاحب الرسن المربط يأتي ويدفع لمن اخذ الفرس ناقة ويأخذ منه الفرس، لانه صاحب الرسن، وبهذا تعارفت العرب وتعاهدت على حفظ انساب خيولها، واجتمعت على ذلك سائر قبائل العرب في الماضي البعيد والقريب وفي الحاضر، وللعرب في الحفاظ على اصالة خيلهم طرق يتبعونها في ذلك اهمها اختيار الحصان الذي ينزو على الفرس، فعندهم انواع مخصوصة من هذه الحصن، واشتهر الحصن التي تختار للتشبية، كما جاء في كتاب أصول الخيل للملك عبد الله الاول بن الحسين ــ على هذا الترتيب
أولاً كحيلان شهوان، ثانياً الصكلاوي، ثالثاً الهدبان، رابعاً كحيلان السامري، خامساً الشويمان، سادساً حمدان السمري، سابعاً عبيان الشراك، ثامناً كحيلان ريدان، تاسعاً كحيلان ام عرقوب، عاشراً كحيلان العجوز، وعنده غير هذه الخيل لا تشبي.
ومن طرق المحافظة القديمة على اصول الخيل ما ذكره بعض الرحالة الذين زاروا بادية الشام، ومنهم وردهارت في عام 1929 فقال انه يجتمع عدد من الشهود عند ولادة كل مهر أصيل فتكتب حجة أو شهادة توضح فيها صفاته المميزة واسم أبيه وأمه، ولا يذكر في هذه الحجة النسبية عادة اسم جديه وما قبلهما، ذلك ان كل فرد من ابناء القبيلة يعرف حسب التقاليد أصالة النسل كله، وليس من الضروري دائماً ان توجد هذه الشهادة النسبية مكتوبة، فكثير من الخيل ذكوراً واناثاً تنتمي إلى ذلك الاصل الشهير، بهذا يمكن ان تثبت نقاوة دماء الاباء منها، وكانت العرب تهتم وتعتز بالخيل العراب، فقد تواترت الانباء انه في احدى معارك الاسلام كتب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عماله عند تقسيم الغنائم بينهم ان يقسم العطاء إلى الفارس والفرس، وان يفضل الفرس العربي العتيق بسهمين على الفرس الهجين.
وكانت العرب تعتز بعرابة خيولها قال ابن هشام في كتاب السيرة النبوية الشريفة، حدثني ابو عبيدة قال كتب عمر رضى الله عنه إلى سلمان بن ربيعة الباهلي وهو بأرمينيا يأمره ان يفضل اصحاب الخيل العراب على اصحاب الخيل المقارف المقارف الذي أبوه هجين وأمه عتيقة ، فعرض الخيل فمر به فرس عمر بن يثرب، فقال سلمان فرسك هذا مقرف فغضب عمر وقال هجين عرف هجيناً مثله ، فوصل اليه غيث بن مكشوح المرادي فتوعده، ومن هنا يتبين لنا حرص العرب وقادتهم على الاعتناء وتكريم الخيل العراب، وانه قد يغضب احدهم اذا اتهم فرسه بانه غير اصيل، لانه يعتبره اتهاماً وقدحاً في نسبه هو
الأصول الخمسة
مما تناقله العرب والذي اعتقدوه من أساطيرهم ما ذكره الأمير عبد القادر الجزائري في كتابه عقد الأجياد’ في صفحة 265 قائلا حكي انه لما وقع سيل العرم فرت الخيل واصبحت مع الوحوش، ثم ظهر منها خمسة من قرائنها في بلاد نجد، فخرج خمسة نفر في طلبها فعثروا عليها، وترصدوا مواردها فاذا هي ترد عينا لا يوجد غيرها في تلك الناحية، فعمدوا إلى خشبة واقاموها بازاء تلك العين فانحدرت الخيل لتشرب، فلما رأت الخشبة نفرت راجعة، ثم لما اجهدها العطش اقتحمت وشربت ومن الغد جاءوا بخشبة اخرى واقاموها بجنب الاولى، وهكذا إلى ان تركوا فرجة لورودها بحضورهم، ولم تزل الخيل تنفر ثم تقتحم إلى ان انست بالاخشاب، ثم عمدوا ذات يوم بعد ان دخلت لتشرب فسدوا الفرجة من ورائها وتركوها محبوسة إلى ان اجهدها الجوع وضعف نشاطها وأنست بهم، فركبوها وخرجوا يبغون منازلهم فنفذت ازوادهم واجهدهم الجوع، فتفاوضوا في ذبح واحدة منها ويجعلون لصاحبها حظاً في الأربعة الباقية، ثم بدا لهم الا يفعلوا الا بعد المسابقة، والتي تتأخر يذبحونها، فتسابقوا وعزموا على ذبح المتأخرة فأبى صاحبها الا بعد ان يعيدوا المسابقة ففعلوا فتأخرت اخرى من الأربعة، وهكذا إلى ان رجع الامر للاولى، وهم كذلك اذ لاح لهم قطيع غزلان فطاردوه فظفر كل منهم بغزال، ثم سموا التي سبقت في الادوار كلها صكلاوية، لصقالة شعرها، فكان اسم صاحبها جدران فقال صكلاوية جدران، فسموا الثانية ام عرقوب، لالتواء عرقوبها، وسموا الثالثة الشويمة، لشامات كانت بها، وكان اسم صاحبها سباح فقيل لها شوية السباح وسموا الرابعة كحيلة، لكحولة عينيها وكان اسم صاحبها العجوز فقيل لها كحيلة العجوز وسموا الخامسة غبية، وذلك انهم لما تسابقوا وقعت عباءة صاحبها على ذيلها فلم تزل رافعة ذيلها والعباءة معلقة به إلى اخر الميدان، وكان اسم صاحبها شراك فقيل لها عبية الشراك، فكرائم الخيل وحرائرها كلها من نسل هذه الخمس، ثم تتفرغ منها فروع كثيرة تعددت وتباينت وسميت بأسماء كثيرة ولكنها ترجع إلى هذه الاصول فقط، قال الملك عبد الله الأول ابن الحسين في رسالته جواب السائل عن الخيل الأصائل وأما أصائل الخيل المعروفة عند المتأخرين فسبعة وهي الكحيلة، والحمدانية، والعبية، والهدبة، والصلكاوية، والدهماء، والشويمة، واما ما بقي من أسماء فهو متفرع عن هذه الاصول، وقال اخرون ان بيوت الخيل المعترف بها بالاصل وشرف المحتد هي الكحيلة والهدبة والحمدانية والصلكاوية والدهماء،