حين وقف يوليوس قيصر على ضفة نهر "روبيكون" شمال روما ، عائداً على رأس جحافل قواته الظافرة التي قهرت نصف أوروبا ، كان يفكر بمصيره فيما لو عبر النهر الذي ينص القانون الروماني على اعدام الجنرال الروماني الذي يجتازه بقواته لدخول روما ، وهي قاعدة سنّها الرومان لابعاد شبح الانقلاب العسكري على النظام الديمقراطي ، كان عليه ان ينصاع لهذا القانون القديم وان يدخل روما وحيداً دون جنوده ، أو أن يقوم بمجازفة الانقلاب على القانون والدولة والشرعية الرومانية ،فيضع نفسه تحت رحمة مجلس الشيوخ الروماني والشرعية الرسمية وهو ماينتظره خصمه اللدود "بومبيوس" لكي يتخلص منه الى الأبد . كان عليه أن يقرر وأن يختار بحزم وأن يحسم الأمر بلا تردد ، كانت اللحظة فاصلة ، نقطة ترسم التاريخ وتحدد المصائر . في ذلك اليوم عبر قيصر نهر "روبيكون" بقواته واجتاز الخط الأحمر وقطع شك التردد بيقين القرار ، ومنذ ذلك اليوم صار "عبور الروبيكون" تعبيراً شائعاً في الثقافة الاوروبية يرمز الى القرار الحاسم الذي لا رجعة فيه .
وبعد سبعمائة سنة ، والى الجنوب من نهر "روبيكون"، وقف القائد الأمازيغي طارق بن زياد على رأس جيش اسلامي اجتاز البحر و رابط على سواحل اسبانيا والبرتغال ،واتخذ قراراً "قيصرياً" مماثلاً ، فهنالك أحرق طارق بن زياد سفن الجيش لينهي كل امكانية للعودة أو احتمال للتراجع ، وقال لجنوده محرضاً على التقدم: العدو أمامكم والبحر وراءكم !!
ومضت ألف وثلاثمئة سنة أخرى ، والى الجنوب الشرقي من نهر "روبيكون" ، يقف العراقيون كل يوم أمام نهر "روبيكون" في حياتهم اليومية ، وعليهم الاختيار واتخاذ قرارات لا رجعة فيها ، مثل قرار الاختيار بين السير بالسيارة في طريق مليء بالسيطرات ومياه المجاري "والطسات" ولا استدارة فيه أو العودة الى البيت وألغاء الفكرة من الاساس، و قرار الاختيار بين التقديم على سلفة حكومية فوائدها اكثر من قيمتها أو رفض السلفة أصلاً، أو قرار الاختيار بين انتخاب "شعيط " أو انتخاب "معيط" ، أو قرار الاختيار بين مراجعة طبيب عراقي نصف مراجعيه ضحايا أو السفر الى الخارج للعلاج .........ألخ
عزيزي يوليوس قيصر ، نحن نعبر "الروبيكون" كل يوم .
منقول