الحسين عليه‌ السلام يخطب في أصحابه ويأذن لهم بالتفرّق عنهروي عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌ السلام قال : « جمع الحسين عليه‌ السلام أصحابه بعدما رجع عمر بن سعد وذلك عند قُرب المساء ، قال : فدنوت منه لأسمع وأنا مريض فسمعتُ أبي وهو يقول لأصحابه : أُثني على الله تبارك وتعالى أحسنَ الثناء وأحمدَهُ على السّراء والضراء اللهم اني أحمَدُك على أن أكرمتنا بالنبوّة ، وعلّمتنا القرآن وفقهتنا في الدين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً ، فاجعلنا من الشاكرين.أما بعد فإني لا أعلمُ أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكُم الله عني جميعاً خيراً ، ألا وإني أظنُ يوَمنا من هؤلاءِ الأعداء غداً إلاّ وإني قد أذنتُ لكم ، فانطلقوا جميعاً في حلٍ ليس عليكم حَرجٌ منّي ولا ذمام ، هذا الّليلُ قد غشيكم فاتّخذوه جَمَلا (١).وليأخُذ كلُ رجلٍ منكم بيد رجل من أهل بيتي ، وتفرّقوا في سَوادِكم ومدائنكم حتى يُفرجَ الله ، فإنَّ القومَ إنما يطلبونني ولو قد أصابوني لَهوا عن طلب غيري ».جواب بني هاشم والأنصار للحسين عليه‌ السلامفقال له إخوتُه وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : « لِم نفعل ؟ لنبقى بعدَكَ ! لا أرانا الله ذلك أبداً » ، بدأهم بهذا القولِ ، العباسُ بن علي عليه‌ السلام ثم إنهم تكلموا بهذا أو نحوه ... .وفي رواية أخرى : فقام اليه العباس بن علي أخوه عليهما‌ السلام وعلي ابنه ، وبنو عقيل ، فقالوا له : « معاذ الله والشهر الحرام ، فماذا نقول للناس إذا رجعنا إليهم ، إنا تركنا سيدنا ، وابن سيدنا وعمادنا ، وتركناه غرضاً للنبل ، ودريئةً للرماح ، وجزراً للسباع ، وفررنا عنه رغبةً في الحياة ، معاذ الله ، بل نحيا بحياتك ، ونموت معك !! فبكى وبكوا عليه ، وجزاهم خيراً » (2).فقال الحسين عليه‌ السلام : « يا بني عَقيل ، حَسبُكم من القتلِ بمسلِم ، اذهبوا قد أذِنتُ لكم » !.قالوا : فما يقولُ الناس ؟ يقولون : إنّا تركنا شَيخَنا وسيدَنا وبني عمومتِنا خيرَ الأعمام ، ولم نرْم معَهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ! لا والله لا نفعل ، ولكن تفديك أنفُسنا وأموالُنا وأهلونا ونقاتلُ معك حتى نردَ مورِدَك فقبّحَ اللهُ العيشَ بعدَك !.فقام إليه مسلمُ بنُ عوسجة الأسدي (3) فقال : « أنحنُ نخلي عنك ولمّا نعذر إلى الله في أداء حقِك ؟ أما واللهِ حتى أكسر في صدورِهمْ رمحي وأضربَهمْ بسيفي ما ثبت قائمُه في يدي ولا أُفارقُكَ ولو لم يكنْ معي سلاح أقاتُلهم به لَقذفتُهم بالحجارة دونَك حتى أموت معك ».وقال سعد بن عبد الله الحنفي (4) : واللهِ لا نخليكَ حتى يعلمَ اللهُ أنا قد حفظنا غَيبةَ رسول اللهِ صلى‌الله‌عليه‌وآله فيك ، واللهَ لو علمتُ أني أقتلُ ثم أحيا ثم أحرقُ حيَّاً ثم اذرُّ يُفعلُ ذلك بي سبعين مرةً ما فارقتُك حتى ألقى حِمامي دونَك ، فكيف لا أفعل ذلكَ وإنما هي قتلةٌ واحدةٌ ، ثمَّ هيَ الكرامةُ التي لا انقضاء لها أبداً !.ثم قام زُهير بن القين (5) وقال : « واللهِ لوددتُ أني قُتلتُ ثم نُشرتُ ثم قُتلتُ حتى أقتلَ كذا ألف قتلةٍ ، وأن اللهَ يدفعُ بذلكَ القتلَ عن نفسِك وعن أنفُس هؤلاءِ الفتيةِ من أهل بيتك » !.وتكلم جماعةُ أصحابه بكلامٍ يشبهُ بعضه في وجهٍ واحدٍ ، فقالوا : « واللهِ لا نُفارِقُكَ ، ولكن أنفُسنا لكَ الفداء ! نَقيكَ بنحورِنا وجباهِنا وأيدينا ، فإذا نحنُ قُتِلنا كُنا وفَينا وقضينا ما علينا » (6).