قد يلتبس الأمر على بعضهم فيقول : إن مسألة الخلافة التي هي من أهم المسائل تتطلَّب أن يُنَص على الخليفة الحق بنصوص صريحة واضحة لا تحتاج إلى تأويل وشرح وبيان وما شاكل ذلك ، فأين هذه النصوص الدالة على خلافة علي عليه‌ السلام ؟وتحرير الجواب عن ذلك يتحقق بأمور :
١ ـ أن النصوص الصريحة الدالة على خلافة أمير المؤمنين عليه‌ السلام بعد رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بلا فصل ، رواها الشيعة بطرق كثيرة جداً ، تفوق حد الحصر ، وهي مبثوثة في كتب الأحاديث المعتبرة عند الشيعة الإمامية ، وقد رواها الثقات عن أئمة أهل البيت عليهم‌ السلام وعن غيرهم ، وفيها غنى وكفاية ، إلا أن أهل السنّة يردّونها ويحكمون عليها بأنها مكذوبة ، لمخالفتها لأحاديثهم ، فلذا رأينا أن نحتج عليهم بما في كتبهم لا بما في كتب الشيعة.
٢ ـ أن النصوص الصريحة مروية أيضاً في كتب أهل السنة ، إلا أن علماءهم ردّوا تلك الأحاديث إما بأنها منكرة ، فلا تكون حجَّة ، أو اتهموا راويها بالتشيع والرفض ، فأسقطوا كل مروياته عن الاعتبار.
فإذا كان الحديث الدال على خلافة أمير المؤمنين عليه‌ السلام أو أفضليته حديثاً منكَراً عندهم ، وراويه إما أن يكون كذَّاباً أو شيعياً أو رافضياً ، فلا غرابة حينئذ في أن لا يسلم حديث واحد يدل على خلافة أمير المؤمنين عليه‌ السلام ؟
٣ ـ مع كل ذلك فقد روى أهل السنة نصوصاً واضحة صريحة تدل على خلافة أمير المؤمنين عليه‌ السلام وأفضليته :
منها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي ، إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي (١).

وعند البوصيري عن أبي يعلى ، أنه صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفة من بعدي(2).
ومنها : ما أخرجه الحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي والهيثمي وغيرهم أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : أنا سيد ولد آدم ، وعلي سيد العرب (3).
ومنها : ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصحَّحه أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : أُوحي إليَّ في علي ثلاث : أنه سيّد المسلمين ، وإمام المتقين ، وقائد الغُر المُحجّلين (4).
ومنها : ما أخرجه ابن المغازلي في مناقب أمير المؤمنين عليه‌ السلام أن النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم قال : مَن ناصَبَ علياً الخلافة بعدي فهو كافر ، وقد حارب الله ورسوله ، ومن شكَّ في علي فهو كافر (5).
ومنها : ما أخرجه ابن كثير في البداية والنهاية عن ابن مسعود قال : كنا مع النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم ليلة وفد الجن ، قال : فتنفّس فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي. قلت : فاستخلِف. قال : مَن ؟ قلت : أبا بكر. قال : فسكت ثم مضى ثم تنفّس. قلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت : فاستخلِف. قال : مَن ؟ قلت : عمر. فسكت ثم مضى ساعة ثم تنفّس. قال : فقلت : ما شأنك يا رسول الله ؟ قال : نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود. قلت : فاستخلِف. قال : مَن ؟ قلت : علي بن أبي طالب. قال : أما والذي نفسي بيده ، لئن أطاعوه ليدخلُنَّ الجنة أجمعين أكتعين (6).

ومنها : ما أخرجه ابن عساكر عن بريدة الأسلمي ، قال : أمَرَنا رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم أن نسلِّم على علي بأمير المؤمنين (7).ومنها : ما أخرجه الترمذي والحاكم وأبو نعيم والخطيب البغدادي عن أنس بن مالك ، قال : كان عند النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم طير ، فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. فجاء علي فأكل معه (8).ومنها : ما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن أبي ذر وسلمان قالا : أخذ رسول الله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم بيد علي فقال : هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصدّيق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب (9) المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين (10).