كانت لقاءات الإمام الحسن عليه السلام مع رؤوس النظام الأموي على هيئة مناظرات ، استطاع الإمام عليه السلام من خلالها فضح رأس النظام الأموي معاوية وأتباعه وتبيان فضائل ومقامات الإمام علي عليه السلام ، ففي أول مناظرة بينهما افتخر معاوية عليه فأجابه عليه السلام : « هيهات لشرّ ما علوت يابن آكلة الأكباد ؛ المجتمعون عليك رجلان : بين مطيع ومكره ، فالطائع لك عاص لله ، والمكره معذور بكتاب الله ، وحاشا لله أن أقول أنا خير منك ، لأنّك لا خير فيك ، فإنّ الله قد برأني من الرذائل كما برّأك من الفضائل » (1). وفي مناظرة أخرى قال عليه السلام : « أما بعد يا معاوية ، فما هؤلاء شتموني ولكنك شتمتني ، فحشاً ألفته وسوء رأي عرضت به ، وخلقاً سيئاً ثبتَ عليه ، وبغياً علينا ؛ عداوة منك لمحمد وأهله ، ولكن اسمع يا معاوية ، واسمعوا فلأقولنّ فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم. أنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أنّ الذي شتمتموه منذ اليوم ، صلّى القبلتين كليهما ، وأنت يا معاوية بهما كافر تراها ضلالة ، وتعبد اللات والعزى غواية. وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه بايع البيعتين كليهما بيعة الرضوان وبيعة الفتح ، وأنت يا معاوية باحداهما كافر وبالاخرى ناكث. وأنشدكم الله هل تعلمون أنّه أوّل الناس ايماناً ، وإنّك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم تسرّون الكفر وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال. وأنشدك الله يا معاوية أتذكر يوماً جاء أبوك على جمل أحمر ، وأنت تسوقه وأخوك عتبة يقوده ، فرآكم رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : « اللهم العن الراكب والقائد والسائق ». أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته إلى أبيك لمّا همّ أن يُسلم ؛ تنهاه عن ذلك :يا صخــر لاتسلمِنْ يومــا فتفضحنـــا * بعد الذيـــن ببــدرٍ أصبحوا فرقـــاوالله لما أخفيت من أمرك أكبر ممّا أبديت ». ثمّ بيّن مساوئ بطانة معاوية : عمرو بن العاص ، والوليد بن عتبة ، وعتبة بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، وبعد انتهاء اللقاء قال معاوية : « قد أنبأتكم أنّه ممن لاتطاق عارضته ، ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني ، والله ما قام حتى أظلم عليّ البيت ، قوموا عنّي ، فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم »(2). وهنالك مناظرات عديدة انعقدت في المدينة والشام بيّن فيها الإمام الحسن عليه السلام فضائل ومقامات أهل البيت عليهم السلام ومساوئ معاوية ودوره في مواجهة الحقّ ومؤامراته على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أمير المؤمنين عليه السلام ؛ وكان معاوية في جميعها مستسلماً للأمر الواقع لأنّه يخشى من حركة الإمام عليه السلام ومن حركة أنصاره.وقد شجعت مواقف الإمام الحسن عليه السلام غيره على تحدّي معاوية ، فقد تحدّاه عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر وعبدالله بن الزبير ، وأبو الأسود الدؤلي وآخرون ، وروي أنّه « دخل عليه سعد بن مالك ، فقال : السلام عليك أيّها الملك ،
خالــي وعمّــي وعــمّ الأم ثـالثـهــم * وحنظل الخير قد أهدى لنا الأرقا
فغضب معاوية ، فقال : ألا قلت السلام عليك يا أميرالمؤمنين ؟ قال : ذاك إن كنّا أمّرناك إنّما أنت منتزٍ » (3). وفي مجالات الفخر كان الإمام عليه السلام يفتخر على معاوية أو يرد عليه مفتخراً ، ويربط هذا الافتخار بمجالاته العقائدية والسياسية
والأخلاقية ، فهو ليس افتخار شخصي أو قبلي بل افتخار عقائدي لتبيان منهجين وسيرتين ، فقد روي « أن معاوية فخر يوماً فقال : أنا ابن بطحاء مكة ، أنا ابن أغرزها جوداً وأكرمها جدوداً ، أنا ابن من ساد قريشاً فضلاً ناشئاً وكهلاً. فقال الحسن بن علي عليهما السلام : أعليّ تفخر يا معاوية ، أنا ابن عروق الثرى ، أنا ابن مأوى التقى ، أنا ابن من جاء بالهدى ، أنا ابن من ساد أهل الدنيا بالفضل السابق والحسب الفائق أنا ابن من طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله ، فهل لك أب كأبي تباهيني به ؟ وقديم كقديمي تساميني به ؟ تقول نعم أو لا ؟ قال معاوية : بل أقول : لا ، وهي لك تصديق » (4).