1 ـ التسامح : يُعتبر من الأخلاق الحسنة التي أكّد عليها الإسلام كثيراً ، وهو من مظاهر حُسن الخُلق الذي أعتبره علماء الأخلاق من الفضائل ، وما يقابلها من من التشدّد والتعنّت خلق رذيل .
فلابدّ للمؤمن من أن يروّض نفسه على أن يتاسمح في علاقاته مع الآخرين ، وأن يترك جانب التشديد في الموضع الذي ينبغي فيه التسامح ، وأن يكون على ثقةٍ من أنّه كلّما ازداد تسامحه مع الناس ازداد تسامح الله تعالى معه .
وترويض النفس على التسامح أمر قد لا يحصل للإنسان بسهولة ، بل لابدّ من الممارسة الطويلة ، بدءاً من الأمور الصغيرة التي يسهل على النفس التسامح فيها إلى أن يتقوّى الإنسان من هذه الناحية ، فيصبح قادراً على المسامحة في الأمور الكبيرة والجليلة .
وأفضل فترة في حياة الإنسان لبناء التسامح ، وتعوّيد النفس عليه فترة الشباب ، فكلّما يطعن الإنسان في السنّ تصعب عليه عملية بناء النفس أكثر من ذي قبل ، وهذا هو القانون الحاكم على النفس الإنسانية ، فهي كما قال الشاعر :
النفس كالطفل إن تُهمله شَبَّ على حبَّ الرضاع ، وإن تَعظمه يَنفطم2 ـ أمّا مع مَن يكون التسامح ؟ فالجواب : هو أنّ التسامح مع الجميع أمر مطلوب ، سواء مع مَن هو أخ لك في الدين ، أو نظير لك في الخَلق والإنسانية ، وإن كان تتأكّد أهميّته مع الصنف الأوّل .
نعم يُستثنى من ذلك الكافر المحارب الذي يعيش حالة حرب مع المسلمين ، فلا يحسن بالمسلم أن يكون رحيماً به ، متسامحاً معه ، بل ينبغي أن يكون شديداً عليه .
قال الله تعالى : { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ } {الفتح/29} .
وقال تعالى : { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } {الممتحنة/8 ـ 9}.
3 ـ أمّا مجالات التسامح : فهي بشكل عامّ عبارة عن الأمور المباحة والمحلّلة شرعاً ، والتي لا يوجد فيها تكليف إلزامي شرعي من إيجاب أو تحريم ، فلا تسامح في ترك واجب ، ولا في فعل حرام أبداً .
فالؤمن الملتزٍم يجب عليه أن لا يتسامح في الواجبات والمحرّمات ، وأن لا يتعصّب لها ، كما يتعصّب لأهتماماته الدنيوية الصغيرة ، وعلى الأساس يجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإنّ هذين الواجبين يمثّلان التشديد على كلّ مَن يتعدّى حدود الله تعالى ، فيترك واجباً شرعياً ، أو يقوم بعمل محرّم ، فلا تسامح مع هذا الإنسان في هذا الجانب من سلوكه ، والله العالم .