الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد ع
اسمه الشريف
الإمام الرابع من الأئمة الإثني عشر المعصومين :
اسمه : علي بن الحسين بن ابي طالب عليه السلام
أشهر الألقاب : زين العابدين و السجاد
أشهر الكنى : أبو محمد
محل الولادة : المدينة المنورة
تاريخ الولادة : 5 شعبان 38 هـ
اسم الأب : الحسين عليه السلام
اسم الأم : (شهربانويه أو شاه زنان ) بنت يزدجر
كتابة الخاتم : الحمد لله العلي أو العزة لله
العمر الشريف : 57 سنه
مدة الإمامة : 34 سنه
عدد البنون : 11
عدد البنات : 4
تاريخ الوفاة : السبت 25 محرم 95 هـ .
قاتله أو سبب القتل : هشام بن عبد الملك بسبب السم الذي سقاه إياه .
محل الدفن : المدينة المنورة البقيع .
هدم مرقده : 8 شوال سنة 1344 هـ .
أولاد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولدا:
1- الإمام محمد الباقر عليه السلام .
2- عبد الله
3- الحسن
4- الحسين
5- زيد
6- عمر
7- الحسين الاصغر
8- عبدالرحمن
9- سليمان
10- محمد الاصغر
11- علي وكان اصغر ولد الإمام على بن الحسين عليهما السلام
12- خديجة .
13- فاطمة .
14- علية
.
طرف من اخبارهم
عبدالله بن علي بن الحسين عليهما السلام كان يلي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام، وكان فاضلا فقيها، وروى عن رسول الله أخباراً كثيرة، وحدث الناس عنه وحملوا عنه الآثار.
فمن ذلك مارواه ابراهيم بن محمد بن داود بن عبد الله الجعفري عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين عليهما السلام انه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ان البخيل كل البخيل الذي اذا ذكرت عنده فلم يصل على صلوات الله عليه وآله.
عمر بن علي بن الحسين عليهما السلام كان فاضلا جليلا، وولي صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله، وصدقات أمير المؤمنين عليه السلام، وكان ورعا سخيا.
زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام كان عين اخوته بعد ابي جعفر عليه السلام وأفضلهم، وكان عابدا ورعا فقيها سخيا شجاعا، وظهر بالسيف يأمر بالمعرف وينهى عن المنكر، ويطلب بثارات الحسين عليه السلام.
اخبرني الشريف أبو محمد الحسن بن محمد، عن جده عن الحسن بن يحيى، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، عن يحيى بن مساور عن أبي الجارود زياد بن المنذر، قال: قدمت المدينة فجعلت كلما سألت عن زيد بن علي عليه السلام، قيل لى: ذاك حليف القرآن !
وروى هشام بن هشام قال: سألت خالد بن صفوان، عن زيد بن علي عليه السلام، وكان يحدثنا عنه، فقلت: أين لقيته؟ قال: بالرصافة، فقلت: اي رجل كان؟ فقال: كان كما علمت يبكي من خشية الله حتى يختلط دموعه بمخاطه.
وأعتقد كثير من الشيعة فيه الامامة، وكان سبب اعتقادهم ذلك فيه خروجه بالسيف، يدعو إلى الرضا من آل محمد صلى الله عليه وآله، فظنوه يريد بذلك نفسه، ولم يكن يريدها به لمعرفته باستحقاق أخيه عليه السلام للامامة من قبله، ووصيته عند وفاته إلى أبي عبد الله عليه السلام.
وكان سبب خروج ابي الحسين زيد بن علي رضى الله عنه بعد الذي ذكرنا من غرضه في الطلب بدم الحسين عليه السلام، انه دخل على هشام بن عبد الملك وقد جمع له هشام أهل الشام وأمر أن يتضايقوا في المجلس، حتى لايتمكن من الوصول إلى قربه، فقال له زيد: انه ليس من عباد الله أحد فوق أن يوصي بتقوى الله، ولا من عباده أحد دون ان يوصي بتقوى الله، وأنا اوصيك بتقوى الله يا أمير المؤمنين فاتقه، فقال له هشام: أنت المؤهل نفسك للخلافة الراجي لها؟ وما أنت وذاك لا أم لك وانما أنت ابن امة ! فقال له زيد: اني لا أعلم أحداً اعظم منزلة عند الله من نبي بعثه وهو ابن امة، فلو كان ذلك يقصر عن منتهى غاية لم يبعث وهو أسماعيل بن ابراهيم عليهما السلام، فالنبوة أعظم منزلة عند الله أم الخلافة يا هشام؟ وبعد فما يقصر برجل أبوه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ابن على بن ابي طالب عليه السلام، فوثب هشام عن مجلسه ودعى قهرمانه، وقال: لا يبيتن هذا في عسكري، فخرج زيد وهو يقول: انه لم يكره قوم قط حد السيوف الا ذلوا، فلما وصل إلى الكوفة اجتمع اليه أهلها، فلم يزالوا به حتى بايعوه على الحرب، ثم نقضوا بيعته وأسلموه، فقتل (رضى الله عنه) وصلب بينهم أربع سنين لا ينكر أحد منهم، ولا يعينونه بيد ولا لسان.ولما قتل بلغ ذلك من أبي عبد الله الصادق عليه السلام كل مبلغ، وحزن له حزنا عظيما حتى بان عليه، وفرق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار، روى ذلك أبو خالد الواسطى قال سلم إلي أبو عبد الله عليه السلام ألف دينار وأمرني ان أقسمها في عيال من أصيب مع زيد، فأصاب عيال عبد الله بن الزبير أخي فضيل الرسان منها أربعة دنانير.
وكان مقتله يوم الاثنين لليلتين خلتا من صفر سنة عشرين ومائة، وكانت سنه يومئذ اثنين وأربعين سنة.
وكان الحسين بن علي بن الحسين عليهما السلام فاضلا ورعا، وروى حديثا كثيرا عن أبيه على بن الحسين عليه السلام وعمته فاطمة بنت الحسين عليهما السلام، وأخيه أبي جعفر عليه السلام.
وروى احمد بن عيسى قال: حدثنا أبي قال: كنت أرى الحسين بن علي بن الحسين عليهما السلام يدعو فكنت أقول: لا يضع يده حتى يستجاب له في الخلق جميعا.
وروى حرب الطحان قال حدثني سعيد صاحب الحسن بن صالح قال: لم أر أحدا أخوف من الحسن بن صالح حتى قدمت المدينة، فرأيت الحسين بن علي بن الحسين عليهما السلام، فلم أر أشد خوفا منه كأنما ادخل النار ثم اخرج منها لشدة خوفه.
وروى يحيى بن سليمان بن الحسين عن عمه ابراهيم بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي بن الحسين عليهما السلام، قال: كان ابراهيم بن هشام المخزومى واليا على المدينة وكان يجمعنا يوم الجمعة قريبا من المنبر، ثم يقع في علي عليه السلام ويشتمه، قال: فحضرت يوما وقد أمتلأ ذلك المكان فلصقت بالمنبر، فأغفيت فرأيت القبر قد انفرج وخرج منه رجل عليه ثياب بيض، فقال لى: يا أبا عبد الله ألا يحزنك ما يقول هذا؟ قلت: بلى والله، قال: افتح عينيك فانظر ما يصنع الله به، فاذا هو قد ذكر عليا فرمى به من فوق المنبر، فمات لعنه الله
عبادته عليه السلام
دلائل على امامته عليه السلام
روى الشيخ المفيد في الإرشاد جملة من عبادة الإمام علي بن الحسين :
روى الحسين بن علوان ، عن أبي عليّ زياد بن رستم ، عن سعيد بن كلثوم قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فمدحه بما هو أهله ثمّ قال :«والله ما أطاق عمل رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم من هذه الأمة غيره ، وإن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنّة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب هذه ، ولقد أعتق من ماله ألف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار ممّا كدّه بيده ورشح منه جبينه ، وما كان لباسه إلاّ الكرابيس إذا فضل شيء عن يده من كمّه دعا بالجلم(مقص للصوف) فقصّه ، وما أشبهه من ولده ولا أهل بيته أحد أقرب شبهاً به في لباسه وفقهه من عليّ بن الحسين ين العابدين عليهم السلام . ولقد دخل أبو جعفر ابنه عليه السلام عليه فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحدٌ ، فرآه قد اصفرّ لونه من السهر، ورمضت عيناه من البكاء ، ودبرت جبهته من السجود، وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة ، فقال أبو جعفر عليه السلام : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء ، فبكيت رحمة له ، وإذا هو يفكّر فالتفت إليّ بعد هنيئة من دخولي، فقال يا بنيّ :أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة عليّ عليه السلام، فأعطيته فقرأ فيها يسيراً ثمّ تركها من يده تضجّراً وقال : من يقوى على عبادة عليّ بن أبي طالب عليه السلام ...
وروى محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ماهذا الذى يغشاك؟ فيقول: أتدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه.
وروى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبى جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليهما السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكانت الريح تميله بمنزلة السنبلة.
اخبرني ابو محمد الحسن بن محمد عن جده، عن سلمة بن شبيب، عن عبيد الله بن محمد التيمى قال: سمعت شيخا من عبد القيس يقول: قال طاوس: دخلت الحجر في الليل فإذا علي بن الحسين عليهما السلام قد دخل، فقام يصلي فصلى ما شآء الله، ثم سجد قال: قلت: رجل صالح من أهل بيت الخير لاستمعن إلى دعائه؟ فسمعته يقول في سجوده: " عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، فقيرك بفنائك، سائلك بفنائك " قال طاوس: فما دعوت بهن في كرب إلا فرج عنى.
روى ابن شهر آشوب : انه (أي الامام السجاد عليه السلام) كان قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد (عليه السلام) وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر فسقط فيها فنظرت اليه امه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر وتستغيث وتقول : يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد ، وهو لاينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر ، فلما طال عليها ذلك قالت حزنا على ولدها : ما أقسى قلوبكم يا آل بيت رسول الله فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاعن كمالها وإتمامها ، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لاتنال إلا برشأ طويل فأخرج ابنه محمداً (عليه السلام) على يديه يناغي ويضحك لم يبتل له ثوب ولا سجد بالماء فقال : هاك يا ضعيفة اليقين بالله فضحكت لسلامة ولدها ، وبكت لقوله : يا ضعيفة اليقين بالله ، فقال : لاتثريب عليك اليوم لو علمت اني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني ، أفمن يرى راحما بعده .
وعن الزهري : قال سعيد بن المسيب : كان الناس لايخرجون من مكة حتى يخرج علي بن الحسين ، فخرج وخرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين سبح في سجوده فلم يبق شجر ولامدر إلاسبحوا معه ، ففزعت منه فرفع رأسه فقال : يا سعيد أفزعت ؟ قلت : نعم يا ابن رسول الله ، قال : هذا التسبيح الاعظم وفي رواية سعيد بن المسيب : كان القراء لايحجون حتى يحج زين العابدين وكان يتخذلهم السويق الحلو والحامض ويمنع نفسه فسبق يوما إلى الرحل فألفيته وهو ساجد فو الذي نفس سعيد بيده لقد رأيت الشجر والمدر والرحل والراحلة يردون عليه مثله كلامه .
روي الشيخ الصدوق عن الامام الباقر عليه السلام واصفاً عبادة أبيه أنّه قال :
لم يذكر أبي نعمة لله إلاّ سجد ، ولا قرأ آية فيها سجدة إلاّ سجد ، ولا دفع الله عنه سوء إلاّ سجد ، ولا فرغ من صلاة إلاّ سجد ، ولا وفّق لاصلاح بين اثنين إلاّ سجد .
ذكر ابن شهر آشوب ما جاء في صدقته :
( ومما جاء في صدقته عليه السلام ) ما روي في الحلية ، وشرف النبي ، والاغاني ، عن محمد بن اسحاق بالاسناد عن الثمالي ، وعن الباقر عليه السلام : انه كان علي بن الحسين يحمل جراب الخبز عى ظهره بالليل فيتصدق به .
قال ابو حمزة الثمالي ، وسفيان الثوري : كان عليه السلام يقول : ان صدقة السر تطفي غضب الرب .
وعن محمد بن اسحاق :انه كان ناس من اهل المدينة يعيشون لايدرون أين معاشهم ، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل .
وفي رواية احمد بن حنبل عن معمر عن شيبة بن نعامة انه كان يقوت مائة . اهل بيت . وقيل : كان في كل بيت جماعة من الناس .
وعن محمد بن زكريا قال : سمعت ابن عائشة يقول : قال ابي : سمعت اهل المدينة يقولون : ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين .
وفي رواية محمد بن اسحاق : انه كان في المدينة كذا وكذا بيتا يأتيهم رزقهم وما يحتاجون اليه لايدرون من أين يأتيهم ، فلما مات زين العابدين فقدوا ذلك ، فصرخوا صرخة واحدة .
وفي خبر عن ابي جعفر عليه السلام : انه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره حتى يأتي بابا فيقرعه ثم يناول من كان يخرج اليه ، وكان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه ، الخبر .
وفي خبر :انه كان اذا جن الليل وهدأت العيون قام إلى منزله فجمع ما يبقى فيه من قوت اهله وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج إلى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قياما على ابوابهم ينتظرونه ، فاذا رأوه تباشروا به وقالوا : جاء صاحب الجراب .
روى الشيخ الصدوق في علل الشرايع عن سفيان بن عيينة : رأى الزهري علي بن الحسين في ليلة باردة مطيرة وعلى ظهره دقيق وحطب وهو يمشي فقال له : يا ابن رسول الله ما هذا ؟ قال : اريد سفرا اعد له زادا احمله إلى موضع حريز ، فقال الزهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى ، فقال : فأحمله عنك فاني ارفعك عن حمله ، فقال علي بن الحسين : لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ويحسن ورودي على ما ارد عليه سألتك بالله لما مضيت في حاجتك وتركتنى ،فانصرفت عنه ، فلما كان بعد ايام قال له : يا ابن رسول الله لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته اثرا ؟ قال : بلى يا زهري ليس ما ظننت ولكنه الموت وله كنت استعد .
روى حمران بن أعين عن ابي جعفر عليه السلام : انه كان يعول مائة بيت من فقراء المدينة وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لاحيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمله إلى عياله من طعامه ، وكان لايأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدق به .
قال الطائي : ان علي بن الحسين كان اذا ناول الصدقة قبلها ثم ناولها
وعن ابي عبد الله الدامغاني :انه كان علي بن الحسين يتصدق بالكسر واللوز ، فسئل عن ذلك فقرأ قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } وكان عليه السلام يحبه .
عن الصادق عليه السلام : انه كان علي بن الحسين يعجب بالعنب فدخل منه إلى المدينة شئ حسن فاشترت منه ام ولده شيئا وأتت به عند افطاره فأعجبه فقبل ان يمد يده وقف بالباب سائل فقال لها : احمليه اليه ، قالت : يا مولاي بعضه يكفيه قال : لا والله ، وارسله اليه كله ، فاشترت له من غد وأتت به فوقف السائل ، ففعل مثل ذلك ، فأرسلت فاشترت له واتت به في الليلة الثالثة ولم يأت سائل فأكل وقال ما فاتنا منه شئ والحمد لله .
قال أبو جعفر عليه السلام : ان اباه علي بن الحسين قاسم الله ما له مرتين .
الزهري : لما مات زين العابدين فغسلوه وجد على ظهره محل فبلغني انه كان يستقي لضعفة جيرانه بالليل .
و قال عمرو بن ثابت : لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره وقالوا : ما هذا ؟ فقيل : كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطى فقراء اهل المدينة .
وفي روايات اصحابنا :انه لما وضع على المغتسل نظروا إلى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء .
وكان عليه السلام اذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته ، واذا انقضى الصيف تصدق بكسوته ، وكان يلبس من خز اللباس ، فقيل له : تعطيها من لايعرف قيمتها ولايليق به لباسها فلو بعتها فتصدقت بثمنها ، فقال : اني اكره ان ابيع ثوبا صليت فيه
روى الشيخ الكليني في كتاب الكافي في باب النص الاشارة والنص على علي بن الحسين صلوات الله عليهما:
1 - عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الحسين بن علي عليهما السلام لما حضره الذي حضره، دعا ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام فدفع إليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة وكان علي بن الحسين عليهما السلام مبطونا معهم لا يرون إلا أنه لما به، فدفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين عليه السلام ثم صار والله ذلك الكتاب إلينا يا زياد قال: قلت: ما في ذلك الكتاب جلعني الله فداك؟ قال: فيه والله ما يحتاج إليه ولد آدم منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا، والله إن فيه الحدود، حتى أن فيه أرش الخدش.
2 - عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضر الحسين عليه السلام ما حضره، دفع وصيته إلى ابنته فاطمة ظاهرة في كتاب مدرج، فلما أن كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، دفعت ذلك إلى علي بن الحسين عليهما السلام، قلت له: فما فيه - يرحمك الله -؟ فقال: ما يحتاج إليه ولد آدم منذ كانت الدنيا إلى أن تفنى.
3 - عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الحسين صلوات الله عليه لما صار إلى العراق استودع ام سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية، فلما رجع علي بن الحسين عليه السلام دفعتها إليه.
4 - عن فليح بن أبي بكر الشيباني، قال: والله إني لجالس عند علي بن الحسين وعنده ولده إذ جاءه جابر بن عبدالله الانصاري فسلم عليه، ثم أخذ بيد أبي جعفر عليه السلام فخلا به، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني أني سأدرك رجلا من أهل بيته يقال له: محمد بن علي يكنى أبا جعفر، فاذا أدركته فأقرئه مني السلام، قال: ومضى جابر ورجع أبو جعفر عليه السلام فجلس مع أبيه علي بن الحسين عليهما السلام وإخوته فلما صلى المغرب قال علي بن الحسين لابي جعفر عليه السلام: أي شيء قال لك جابر بن عبدالله الانصاري؟ فقال: قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي اسمه محمد بن علي يكنى أبا جعفر فأقرئه مني السلام، فقال له أبوه: هنيئا لك يا بني ما خصك الله به من رسوله من بين أهل بيتك لا تطلع إخوتك على هذا فيكيدوا لك كيدا، كما كادوا إخوة يوسف ليوسف عليه السلام .
المعجزة بنطق الحجر الأسود له بأنه الإمام بعد أبيه أمام عمه ابن الحنفية :
5 - عن أبي عبيدة وزرارة جميعا، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قتل الحسين عليه السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به فقال له: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفع الوصية والامامة من بعده إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم إلى الحسن عليه السلام، ثم إلى الحسين عليه السلام وقد قتل أبوك رضي الله عنه وصلي على روحه ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك وولادتي من علي عليه السلام في سني وقديمي أحق بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصية والامامة ولا تحاجني، فقال له علي بن الحسين عليه السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي يا عم صلوات الله عليه أوصى إلي قبل أن يتوجه إلى العراق وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله عزوجل جعل الوصية والامامة في عقب الحسين عليه السلام فإذا اردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الاسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك قال أبو جعفر عليه السلام: وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر الاسود، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ابدأ أنت فابتهل إلى الله عزوجل وسله أن ينطق لك الحجر ثم سل، فابتهل محمد في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم لو كنت وصيا وإماما لأجابك، قال له محمد: فادع الله أنت يا ابن أخي وسله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراد ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الانبياء وميثاق الاوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا من الوصي والامام بعد الحسين بن علي عليه السلام؟ قال: فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله عزوجل بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والامامة بعد الحسين بن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فانصرف محمد بن علي وهو يتولى علي بن الحسين عليه السلام.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام مثله.
وذكر الشيخ المفيد في الإرشاد ما يدل على إمامته عليه السلام :
1 - احدها: انه كان أفضل خلق الله تعالى بعد أبيه علما وعملا، والامامة لافضل دون المفضول بدلايل العقول.
2 - ومنها: انه كان أولى بأبيه الحسين عليه السلام وأحق بمقامه من بعده بالفضل والنسب، والاولى بالامام الماضي أحق بمقامه من غيره بدلالة آية ذوى الارحام، وقصة زكريا عليه السلام.
3 - ومنها: وجوب الامامة عقلا في كل زمان، وفساد دعوى كل مدع للامامة في أيام علي بن الحسين عليهما السلام أو مّدعٍ لها سواه، فثبتت فيه لاستحالة خلو الزمان من الامام.
4 - ومنها ثبوت الامامة أيضا في العترة خاصة، بالنظر والخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وفساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية (رضى الله عنه) لتعريه من النص عليه بها، فثبت انها في علي بن الحسين عليهما السلام إذ لا مُدّعي له الامامة من العترة سوى محمد وخروجه عنها بما ذكرناه.
5 - ومنها نص رسول الله صلى الله عليه وآله بالامامة عليه، فيما روى من حديث اللوح الذى رواه جابر عن النبي صلى الله عليه وآله، ورواه محمد بن علي الباقر عليهما السلام عن أبيه عن جده عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، ونص جده أمير المؤمنين عليه السلام في حياة ابيه الحسين عليه السلام بما ضمن ذلك من الأخبار، ووصية أبيه الحسين عليه السلام اليه وايداعه ام سلمة ما قبضه علي من بعده، وقد كان جعل التماسه من ام سلمة علامة على أمامة الطالب له من الانام، وهذا باب يعرفه من تصفّح الأخبار، ولم نقصد في هذا الكتاب إلى القول في معناه فنستقصيه على التمام
حزنه على ابيه الحسين عليه السلام واهل بيته عليهم السلام
ذكر العلامة المجلسي في البحار حزنه وبكاءه على شهادة أبيه صلوات الله عليهما :
عن الصادق عليه السلام: بكى علي بن الحسين عليه السلام عشرين سنة، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة. وفي رواية: أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ ! فقال له: ويحك إن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه، واحدودب ظهره من الغم، وكان ابنه حيا في الدنيا، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي، فكيف ينقضي حزني ؟ .
وكان إذا أخذ إناء يشرب ماء بكى حتى يملاها دمعا، فقيل له في ذلك فقال: وكيف لا أبكي ؟ وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش. وقيل له: إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا ؟ فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي .
وعن ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن عيسى، عن ابن معروف عن محمد بن سهيل البحراني رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: البكاءُون خمسة: آدم ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين عليه السلام فأما آدم: فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الاودية، وأما يعقوب: فبكى على يوسف حتى ذهب بصره، وحتى قيل له: " قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ" (يوسف/85). وأما يوسف: فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا: إما أن تبكي بالنهار وتسكت بالليل، وإما أن تبكي بالليل وتسكت بالنهار، فصالحهم على واحد منهما، وأما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله: فبكت على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى تأذى بها أهل المدينة، وقالوا لها: قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف، وأما علي بن الحسين عليهما السلام: فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام إلا بكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة .
وعن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن أبي داود المسترق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بكى علي بن الحسين بن علي صلى الله عليهم عشرين سنة أو أربعين سنة إلى آخر ما مر .
وعن علي بن أسباط، عن إسماعيل ابن منصور، عن بعض أصحابنا قال أشرف مولى لعلي بن الحسين عليهما السلام وهو في سقيفة له ساجد يبكي، فقال له: يا علي بن الحسين أما آن لحزنك أن ينقضي ؟ فرفع رأسه إليه فقال: ويلك أو ثكلتك امك، والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل مما رأيت حين قال: يا أسفي على يوسف، وإنه فقد أبناً وأحداً، وأنا رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يُذبحون حولي، قال: وكان علي بن الحسين عليه السلام يميل إلى ولد عقيل، فقيل له: ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر ! فقال: إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي عليه السلام فأرق لهم
دعاؤه على حرملة اللعين :
عن المنهال بن عمرو في خبر قال : حججت فلقيت علي بن الحسين فقال : ما فعل حرملة بن كاهل ؟ قلت : تركته حيا بالكوفة ، فرفع يديه ثم قال : اللهم أذقه حرَّ الحديد اللهم اذقه حر النار ، فتوجهت نحو المختار فاذا بقوم يركضون ويقولون : البشارة أيها الامير قد اخذ حرملة ، وقد كان توارى عنه ، فأمر بقطع يديه ورجليه وحرقه بالنار
طرف من اخباره عليه السلام على ماذكره الشيخ المفيد
ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد طرفاً من أخبار الإمام زين العابدين عليه السلام :
عن عبدالله بن موسى عن أبيه عن جده، قال: كانت ام فاطمة بنت الحسين عليه السلام تأمرني أن اجلس إلى خالي علي بن الحسين عليهما السلام فما جلست اليه قط إلا قمت بخير قد أفدته اما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله، أو علم قد استفدته منه.
وعن عمار بن ابان، قال: حدثنا عبدالله بن بكير، عن زرارة بن أعين، قال: سمع سائل في جوف الليل وهو يقول: أين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الاخرة؟ فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولايرى شخصه: ذاك علي بن الحسين عليه السلام.
وروى عبدالرزاق عن معمر عن الزهري قال:
لم أدرك احداً من أهل هذا البيت، يعني بيت النبي صلى الله عليه وآله أفضل من علي بن الحسين عليهما السلام.
وعن ابي يونس محمد بن أحمد، قال:
حدثني أبي وغير واحد من اصحابنا: ان فتى من قريش جلس إلى سعيد بن المسيب فطلع علي بن الحسين عليهما السلام فقال القرشي لابن المسيب: من هذا يا ابا محمد؟ قال: هذا سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام.
اخبرني ابو محمد الحسن بن محمد قال: حدثنى جدى قال: حدثنى محمد بن جعفر وغيره، قالوا وقف على على بن الحسين عليهما السلام رجل من أهل بيته فاسمعه وشتمه فلم يكلمه، فلما انصرف قال لجلسائه: قد سمعتم ما قال هذا الرجل وأنا أحب ان تبلغوا معي إليه حتي تسمعوا مني ردي عليه؟ قال: فقالوا له: نفعل ولقد كنا نحب ان تقول له ونقول، قال: فأخذ نعليه ومشى وهو يقول: " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين " فعلمنا انه لا يقول له شيئا قال: فخرج حتى اتى منزل الرجل، فصرخ به فقال: قولوا له: هذا علي بن الحسين، قال: فخرج الينا متوثبا للشر وهولا يشك انه إنما جاءه مكافيا له على بعض ما كان منه، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا خي انك كنت قد وقفت علي آنفا وقلت وقلت؟ فأن كنت قد قلت ما فيَّ فأنا أستغفر الله منه، وان كنت قلت ما ليس فيَّ فغفر الله لك؟ قال: فقبل الرجل بين عينيه، وقال: بلى قلت فيك ما ليس فيك وانا أحق به، قال الراوي للحديث: والرجل هو الحسن بن الحسن رضى الله عنه.
أخبرني الحسن بن محمد عن جده، قال: حدثني شيخ من اليمن قد أتت عليه بضع وتسعون سنة، قال: أخبرني به رجل يقال له عبيد الله بن محمد، قال: سمعت عبدالرزاق يقول: جعلت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلوة، فنعست فسقط الابريق من يد الجارية فشجه، فرفع رأسه إليها فقالت له الجارية: ان الله تعالى يقول: " والكاظمين الغيظ "؟ قال: قد كظمت غيظى، قالت " والعافين عن الناس "؟ قال لها: عفى الله عنك، قالت: " والله يحب المحسنين "؟ قال: اذهبى فانت حرة لوجه الله عزوجل.
وروى عن عليّ بن الحسين عليهما السلام : أنّه دعا مملوكه مرّتين فلم يجبه ثمّ أجابه في الثالثة، فقال له : «يا بنيّ ، أما سمعت صوتي ؟» .
قال : بلى .
قال : «فما بالك لم تجبني ؟» .
قال : أمنتك .
قال : «الحمد لله الذي جعل مملوكي يأمنني»
مواجهته لحكام بنو اميه لعنهم الله تعالى
أولا : في مواجهة يزيد بن معاوية الأموي لعنه الله :
ومن أشهر مواقفه مع بني أمية هو كشفه ليزيد أمام أهل الشام ، وذلك بعد وصول السبايا للشام ، فقد خطب الإمام عليه السلام تلك الرائعة التي أوردها في مسجد الشام ، فقد قال الامام للخاطب الذي سبقه إلى المنبر : اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوَّأ مقعدك من النار .. وتوجه إلى يزيد وقال له : أتأذن أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلام فيه لله رضىً ولهؤلاء الجلساء نفع وثواب ، فسمح له .
أيها الناس أحذركم الدنيا وما فيها ، فإنها دار زوال ، قد أفنت القرون الماضية ، وهم كانوا أكثر منكم مالاً ، وأطول أعماراً . وقد أكل التراب جسومهم ، وغيَّر أحوالهم . أفتطمعون بعدهم ، هيهات هيهات ، فلابد من اللحوق والملتقى . فتدبَّروا ما مضى من عمركم وما بقي ، فافعلوا فيه ما سوف يلقي عليكم بالأعمال الصالحة قبل انقضاء الأجل وفروغ الأمل ، فعن قريب تؤخذون من القصور إلى القبور ، وبأفعالكم تحاسبون . فكم - والله - من فاجرٍ قد استكملت عليه الحسرات ، وكم من عزيز قد وقع في مهالك الهلكات ، حيث لا ينفع الندم ، ولا يُفات من ظَلم .. ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربُّك أحداً .
قالوا : فضج الناس بالبكاء لبالغ أثر مواعظه في أنفسهم ثم قال : " أيها الناس ، أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع :
أُعطينا العلم ، والحلم ، والسماحة ، والفصاحة ، والشجاعة ، والمحبة في قلوب المؤمنين .
وفُضِّلنا بأن منَّا النبيَّ المختار محمداً صلى الله عليه وآله ، ومنّا الصدّيق ، ومنّا الطيار ، ومنّا أسد الله وأسد رسوله ،ومنا سيدة نساء العالمين فاطمة البتول وسيدا شباب أهل الجنة .
مَن عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي .
أيها الناس ! أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن مَن حَمل الرُّكن بأطراف الرداء ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، أنا ابن خير من انتعل واحتفى ، أنا ابن خير من طاف وسعى ، أنا ابن خير من حجَّ ولبَّى ، أنا ابن من حُمل على الْبُراق في الهواء ، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، أنا ابن من بلغ به جبرئيل إلى سدرة المنتهى ، أنا ابن من دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلَّى بملائكة السماء ، أنا ابن من أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن من ضرب خراطيم الخلق حتى قالوا : لا إله إلا الله .
أنا ابن مَن ضرب بين يدي رسول الله بسيفَين ، وطعن برمحَين ، وهاجر الهجرتَين ، وبايع البيعَتين وقاتل ببدر وحنَين ، ولم يكفر بالله طرفة عَين .
أنا ابن صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع الملحدين ، ويعسوب المسلمين ، ونور المجاهدين وزين العابدين ، وتاج البكائين ، وأصبر الصابرين ، وافضل القائمين من آل ياسين رسول رب العالمين . أنا ابن المؤيد بجبرئيل ، المنصور بميكائيل ، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين ، وقاتل المارقين والناكثين والقاسطين ، المجاهد أعداءه الناصبين ، وأفخر من مشى من قريش أجمعين ، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين ، وأول السابقين ، وقاصم المعتدين ، ومبيد المشركين ، وسهم من مرامي الله على المنافقين ، ولسان حكمة العابدين ، وناصر دين الله ، وولي أمر الله ، وبستان حكمة الله ، وعيبة علمه .
سمحٌ ، سخيٌّ ، بهيٌّ ، بهلولٌ ، زكيٌّ ، أبطحيٌّ ، رضيٌّ ، مقدامٌ ، همامٌ ، صابرٌ ، صوام ، مهذبٌ ، قوامٌ ، قاطعُ الأصلاب ، ومفرقُ الأحزاب ، أربطهم عناناً ، وأثبتهم جَناناً ، وأمضاهم عزيمة ، وأشدهم شكيمة ، أسد باسل ، يطحنهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنَّة وقربت الأعنَّة طحن الرحى ، ويذروهم فيها ذرو الريح الهشيم ، ليث الحجاز ، وكبش العراق ، مكيٌّ مدنيٌّ خيفيٌّ عقبيٌّ بدريٌّ أحديُّ شجريٌّ مهاجريٌّ . من العرب سيدها ، ومن الوغى ليثها ، وارث المشعَرين وأبو السبطَين : الحسن والحسين ، ذاك جدي علي بن أبي طالب .
ثم قال : أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن سيدة النساء ...
فلم يزل يقول : أنا أنا ، حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد ( لعنه الله ) أن يكون فتنة ، فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام . فلما قال المؤذن : الله أكبر قال علي : لا شيء أكبر من الله ، فلما قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله ، قال علي بن الحسين : شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي ، فلما قال المؤذن : اشهد أن محمداً رسول الله ، التفت من فوق المنبر إلى يزيد فقال : محمد هذا جدِّي أم جدُّك يا يزيد ؟. فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت ، وإن زعمت أنه جدي فَلِمَ قتلتَ عِترَته ؟ قال : وفرغ المؤذن من الأذان والإقامة وتقدم يزيد فصلَّى صلاة الظهر .
ثانيا : في مواجهة عبد الملك بن مروان الأموي .
روى ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب عن ابن شهاب الزهري قال :
شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام فأثقله حديدا ووكل به حفاظا في عدة وجمع فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا ، فدخلت عليه والاقياد في رجليه والغل في يديه ، فبكيت
وقلت : وددت اني مكانك وأنت سالم .
فقال : يا زهري أو تظن هذا بما ترى علي وفي عنقي يكربني ؟ أما لو شئت ما كان فانه وإن بلغ بك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله ، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد ثم قال : يا زهري لاجزت معهم علي ذا منزلتين من المدينة ، فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة فما وجدوه فكنت فيمن سألهم عنه .
فقال لي بعضهم : انا نراه متبوعا انا لنازل ونحن حوله لاننام نرصده إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديده .
فقدمت بعد ذلك على عبد الملك فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته
فقال : انه قد جاءني في يوم فقده الاعوان فدخل علي .
فقال : ما أنا وأنت ؟
فقلت : أقم عندي .
فقال : لا احب ، ثم خرج فو الله لقد امتلا ثوبي منه خيفة .
قال الزهري فقلت : ليس علي بن الحسين حيث تظن انه مشغول بنفسه .
فقال : حبذا شغل مثله فنعم ما شغل به.
ثالثا : مع هشام بن عبد الملك الأموي .
حج هشام بن عبد الملك فلم يقدر على الاستلام من الزحام فنصب له منبر وجلس عليه وأطاف به اهل الشام فبينما هو كذلك إذ أقبل علي بن الحسين وعليه أزار ورداء من أحسن الناس وجها واطيبهم رائحة بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز فجعل يطوف فاذا بلغ موضع الحجر تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له فقال شامي : من هذا يا امير المؤمنين ؟ فقال : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه اهل الشام ، فقال الفرزدق وكان حاضرا : لكني انا اعرفه ، فقال الشامي : من هو يا ابا فراس ؟ فأنشأ قصيدة :
يا سائلي أين حل الجود والـــــــــكرم عندي بيان اذا طلابه قدمــــــــــوارابعا : موقفه مع الحجاج .
هذا الذي تعرف البطـــــــــحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والـــــــــحرمُ
هذا ابن خـــــــــــــــير عباد الله كلهم هذا التقي النقي الطـــــــــاهر العلمُ
هذا الذي أحمد المخــــــــــــتار والده صلى عـــــليه إلهي ما جرى الـقلمُ
لو يعلم الركن من قد جاء يلثـــــــــمه لخر يلثم منه ما وطـــــــــــى القدمُ
هذا علي رســــــــــــــــول الله والده أمست بــــنور هداه تهتـــدي الاممُ
هذا الذي عـــمه الطيــــار جعـــفر وا لمقتول حمزة ليث حبه قــــــــــسمُ
هذا ابن سيدة النسوان فاطــــــــــمة وابن الوصـي الذي في ســـيفه نقمُ
اذا رأتــــــــــه قريش قال قـــــــائلها إلى مكارم هذا ينتهـــــــــــي الكرمُ
يكاد يمســــــكه عرفان راحــــــــــته ركن الحطيم اذا ما جاء يســــــــتلمُ
وليس قولك من هذا بضائــــــــــــره العرب تعـــــرف من أنكرت والعجمُ
ينمــــــى إلى ذروة العز التي قصرت عن نيلها عرب الاســـــلام والعجمُ
يغضي حياء ويـــــــغضى من مهابته فــــــما يــــكلم إلاحــــين يبتــــسمُ
ينجاب نور الدجى عن نـــــور غرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلمُ
بكفه خيـــــــــزران ريحه عـــــــبق من كف أورع في عرنينه شــــــممُ
ما قــــــــال لا قط إلا في تشــــــــهده لو لا الــــــــــتشهد كانت لاؤه نعمُ
مشتقة من رســــــول الله نبـــــــعته طابت عناصره والخيم والـــــــشيمُ
حمــــــال أثقال أقوام اذا قدحــــــــوا حلو الـــــــشمائل تحلو عنده نــعمُ
إن قال قــــال بما يهوى جميــــــعهم وإن تكلم يوما زانه الـــــــــــــــكلمُ
هذا ابن فاطمة إن كــــنت جـــــــاهله بجده أنبــــياء الله قــــــــــد ختمواُ
الله فـــــضله قدمــــــا وشــــــــــرفه جرى بذاك لـــــه في لوحه الــــقلمُ
من جده دان فضل الانـــــــــــبياء له وفضل امته دانت لـــــــــــــه الاممُ
عم البرية بالاحسان وانقـــــــــشعت عنها العــــــــماية والاملاق والظلمُ
كلتا يديه غيــــــــاث عم نفعهـــــــما تستوكـــــــــــفان ولايعروهما عدمُ
سهل الخـــليقة لا تخشــــــى بوادره يزينه خصــــلتان الحلم والكــــــرمُ
لايخلف الوعد ميمـــــــــونا نقـــــبته رحـب الفناء اريب حـــــــــين يعترمُ
من معــــــــشر حـــبهم دين وبغضهم كفر وقربهم مــــــــــنجى ومعتصمُ
يستدفع السوء والبلوى بحـــــــــبهم ويستزاد به الاحـــسان والنعم مقدمُ
مقدم بــعد ذكـــــــر الله ذكرهـــــــــــم في كل فرض ومـــــــختوم به الكلمُ
إن عد اهل التقى كانوا أئمتـــــــــهم او قيل من خير اهل الارض قيل همُ
لايستــــطيع جواد بعد غايـــــــــــتهم ولايدانيهم قوم وإن كرموا هـــــــمُ
هم الغيـوث اذا مــــــا ازمة ازمــــــت والاسد اسد الشرى والباس محتـدمُ
يأبى لهم ان يـــــحل الذم ساحـــــتهم خيم كــــــــــريم وأيد بالندى هضمُ
لايقبض العسر بسطا من أكفــــــــهم سيان ذلك إن اثروا وإن عـــــدمواُ
ان القبائل ليست في رقابـــــــــــــهم لاولية هـــذا أولــــــــــــــه نـــــعمُ
من يعـــــــــــرف الله يعرف أولية ذا فالدين من بيت هذا نالــــــــه الاممُ
بيوتهم في قريـــــــــش يستضاء بها في النائبات وعند الحكم ان حكمواُ
فجده من قريــــــــــــــش في ازمتها محمد وعلي بعده عـــــــــــــــــــلمُ
بدر له شاهد والــــــــــشعب من احد والخندقان ويوم الـــــفتح قد علمواُ
وخيبر وحنين يشهــــــــــــــــدان له وفي قريضة يوم صــــــــــــيلم قتمُ
مواطن قد علت في كل نائـــــــــــــبة على الصحابة لم اكتم كما كتمـــــواُ
فغضب هشام ومنع جائزته وقال : ألا قلت فينا مثلها ، قال : هات جدا كجده وأبا كأبيه وأماً كأمه حتى اقول فيكم مثلها ، فحبسه بعسفان بين مكة والمدينة .فبلغ ذلك علي بن الحسين عليهما السلام فبعث اليه باثنى عشر الف درهم وقال :اعذرنا يا ابا فراس فلو كان عندنا اكثر من هذا لوصلناك به . فردها وقال :يا ابن رسول الله ما قلت هذا الذي قلت إلا غضبا لله ولرسوله وما كنت لارزأ عليه شيئا ، فردها اليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك ، فقبلها ، فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس ، فاخبر هشام بذلك فأطلقه
روى الكليني باسناده عن أبان بن تغلب قال: لماهدم الحجاج الكعبة فرق الناس ترابها فلما صاروا إلى بنائها فأرادوا أن يبنوها خرجت عليهم حية فمنعت الناس البناء حتى هربوا فأتوا الحجاج فأخبروه فخاف أن يكون قد منع بناء ها فصعد المنبر ثم نشد الناس وقال: أنشد الله عبدا عنده مما ابتلينا به علم لما أخبرنا به، قال: فقام إليه شيخ فقال: إن يكن عند أحد علم فعند رجل رأيته جاء إلى الكعبة فأخذ مقدارها ثم مضى فقال الحجاج: من هو؟ قال: علي بن الحسين عليهما السلام فقال: معدن ذلك فبعث إلى علي ابن الحسين صلوات الله عليهما فأتاه فأخبره ما كان من منع الله إياه البناء، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: ياحجاج عمدت إلى بناء إبراهيم وإسماعيل فألقيته في الطريق و انتهبته كانك ترى أنه تراث لك اصعد المنبر وأنشد الناس أن لايبقى أحد منهم أخذ منه شيئا إلا رده، قال: ففعل فأنشد الناس أن لايبقى منهم أحد عنده شئ إلا رده قال: فردوه فلما رأى جمع التراب أتى علي بن الحسين صلوات الله عليهما فوضع الاساس وأمرهم أن يحفروا قال: فتغيبت عنهم الحية وحفروا حتى انتهوا إلى موضع القواعد، قال لهم علي بن الحسين عليهما السلام: تنحوا فتنحوا فدنا منها فغطاها بثوبه ثم بكى ثم غطاها بالتراب بيد نفسه ثم دعا الفعلة فقال: ضعوا بناء كم، فوضعوا البناء فلما ارتفعت حيطانها أمر بالتراب فقلب فألقى في جوفه فلذلك صار البيت مرتفعا يصعد إليه بالدرج
من وصاياه ومواعظه عليه السلام
من وصاياه لإبنه عليهما السلام :
عن محمد بن مسلم، عن الصادق عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبي علي بن الحسين عليهما السلام: يابني انظر خمسة فلا تصاحبهم ولا تحادثهم، ولا ترافقهم في طريق فقال: ياأبه من هم؟ عرفنيهم، قال:
1- إياك ومصاحبة الكذاب فإنه بمنزلة السراب يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب
2- وإياك ومصاحبة الفاسق فإنه بايعك باكلة أو أقل من ذلك
3- وإياك ومصاحبة البخيل فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه
4- وإياك ومصاحبة الاحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك
5- وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل في ثلاثة مواضع قال الله عزوجل: { فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض و تقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله إلى } وقال عزوجل: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار } وقال في سورة البقرة: { الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الارض اولئك هم الخاسرون }
وقال عليه السلام لبعض بنيه: يا بني إن الله رضيني لك ولم يرضك لي، فأوصاك بي ولم يوصني بك، عليك بالبر تحفة يسيرة .
ومن وصاياه عليه السلام لأصحابه :
روى الشيخ المفيد باسناده عن أبي حمزة الثمالي رحمه الله عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام أنه قال يوما لأصحابه :
إخواني أوصيكم بدار الآخرة و لا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون و بها متمسكون ، أما بلغكم ما قال عيسى ابن مريم عليه السلام للحواريين ؟ قال لهم : الدنيا قنطرة فاعبروها و لا تعمروها و قال : أيكم يبني على موج البحر دارا تلكم الدار الدنيا فلا تتخذوها قرارا
ومن وصاياه عليه السلام أيضا :
قال عليه السلام: الرضى بمكروه والقضاء أرفع درجات اليقين.
وقال عليه السلام: من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا.
وقيل له: من أعظم الناس خطرا ؟ فقال عليه السلام: من لم ير الدنيا خطرا لنفسه.
وقال عليه السلام: من قنع بما قسم الله له فهو من أغنى الناس .
وقال عليه السلام: لا يقل عمل مع تقوى وكيف يقل ما يتقبل .
وقال عليه السلام: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير .
وقال عليه السلام: كفى بنصر الله لك أن ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك.
وقال عليه السلام: الخير كله صيانة الانسان نفسه.
وقال له رجل: ما الزهد؟ فقال عليه السلام: الزهد عشرة أجزاء : فأعلى درجات الزهد أدنى درجات الورع وأعلى درجات الورع أدنى درجات اليقين وأعلى درجات اليقين أدنى درجات الرضى. وإن الزهد في آية من كتاب الله: { لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ } [الحديد/23] .
وقال عليه السلام: طلب الحوائج إلى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء واستخفاف بالوقار وهو الفقر الحاضر. وقلة طلب الحوائج من الناس هو الغنى الحاضر.
وقال عليه السلام: إن المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه .
وقال عليه السلام: إن أحبكم إلى الله أحسنكم عملا. وإن أعظمكم عند الله عملا أعظمكم فيما عند الله رغبة. وإن أنجاكم من عذاب الله أشدكم خشية لله. وإن أقربكم من الله أوسعكم خلقا. وإن أرضاكم عند الله أسبغكم على عياله . وإن أكرمكم على الله أتقاكم لله
ومن مواعظه :
أين السلف الماضون ، والاهل والاقربون ، والاولون والاخرون والانبياء والمرسلون ، طحنتهم والله المنون ، وتوالت عليهم السنون وفقدتهم العيون ، وانا أليهم لصائرون ، فانا لله وأنا اليه راجعون :
اذا كان هذا نهج من كان قبـــــــــلنا فانا عـلى أثارهم نـــــــــــــتلاق
فكن عالما ان سوف تدرك من مضى ولو عصمتك الراسيات الشواهق
فما هذه دار الــــــــمقامة فاعــــلمن ولو عمر الانسان ماذر شاهــــق
أين من شق الانهار ، وغرس الاشجار ، وعمر الديار ألم تمح منهم الاثار ، وتحل بهم دار البوار ، فاخش الجوار فلك اليوم بالقوم أعتبار فانما الدنيا متاع ، والاخرة دار القرار :
تخرمهم ريب المـنـــــــون فلم تكن لتنفعهم جناتهم والحـــــــــــدائق
ولا حملتهم حين ولوا بجمعــــــهم نجائبهم والصافنات الــــــسوابق
وراحوا عن الاموال صفراً وخلفوا ديارهم بالرغم منـــــــهم وفارقوا
أين من بنى القصور والدكاسرة ، وهزم الجيوش والعساكر ، وجمع الأموال والذخائرة ، وحاز الآثام والجرائر ؟ ، أين الملوك الفراعنة والأكاسرة والسياسنة ؟ ، أين العمال والدهاقنة ؟ ، أين ذو النواحي والرساتيق ، والأعلام والمجانيق ، والعهود والمواثيق ؟
كأن لم يكونوا أهل عز ومنعـــــــة ولا رفـعت أعلامهم والمــــــــناجق
ولا سكنوا تلك القـصور التي بنوا ولا أخذت مــــــــنهم بعهد مواثــق
وصاروا قبورا دارسات وأصبحت منازلهم تسفي عليها الخوافق
كان مولد الإمام علي بن الحسين عليه السلام بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، فبقى مع جده أمير المؤمنين عليه السلام سنتين، ومع عمه الحسن عليه السلام اثنتي عشرة سنة، ومع أبيه الحسين عليه السلام ثلاثا وعشرين سنة، وبعد ابيه أربعا وثلاثين سنة، وكانت امامته أربعا وثلاثين سنة .
وأمه شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى، ويقال: ان اسمها كان شهر بانويه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق، فبعث إليه ابنتي يزد جرد بن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين عليه السلام شاه زنان منهما، فأولدها زين العابدين عليه السلام ونحل الاخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن ابي بكر فهما ابنا خالة (1) .
وهناك روايات أخرى يظهر فيها أن زواج الإمام الحسين عليه السلام من بنت يزد جرد كان في خلافة عمر بن الخطاب و أخرى في خلافة عثمان .
قال ابن شهر آشوب : لقبه : زين العابدين ، وسيد العابدين ، وزين الصالحين ، ووارث علم النبيين ، ووصي الوصيين ، وخازن وصايا المرسلين ، وإمام المؤمنين ، ومنار القانتين والخاشعين ، والمتهجد ، والزاهد ، والعابد ، والعدل ، والبكاء ، والسجاد ، وذو الثفنات ، إمام الأمة ، وأبو الأئمة ، ومنه تناسل ولد الحسين . وكنيته : أبوالحسن ، والخاص ، وأبومحمد .
العلة التي من أجلها سُمّي علي بن الحسين زين العابدين :
روى الشيخ الصدوق باسناده عن عمران بن سليم قال: كان الزهري اذا حدث عن علي بن الحسين عليهما السلام قال حدثني زين العابدين علي بن الحسين، فقال له سفيان بن عيينة: ولِمَ تقول له زين العابدين؟ قال: لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس، ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: اذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين زين العابدين فكأني انظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب يخطو بين الصفوف.
وعن العباس ابن معروف عن محمد بن سهل الحراني، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينادي مناد يوم القيامة أين زين العابدين فكأني انظر إلى علي بن الحسين عليه السلام يخطو بين الصفوف .
العلة التى من أجلها سمي على بن الحسين السجاد :
روى الشيخ الصدوق باسناده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال ابو جعفر محمد الباقر " عليه السلام " إن ابي علي بن الحسين " عليه السلام" ماذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز و جل سجود إلا سجد ولا دفع الله تعالى عنه سوءاً يخشاه او كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك .
في العلة التى من أجلها سمي على بن الحسين ذا الثفنات :
روى الشيخ الصدوق باسناده عن الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: كان لأبي عليه السلام في موضع سجوده آثار ناتية وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات، فسمي ذا الثفنات لذلك .
اولاده عليه وعليهم السلام
أولاد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام خمسة عشر ولدا:
1- الإمام محمد الباقر عليه السلام .
2- عبد الله
3- الحسن