( حكاية وفاة سلمان الفارسي رضي الله عنه ) حدثنا الامام شيخ الاسلام أبو الحسن بن علي بن محمد المهدى بالاسناد الصحيح عن الأصبغ بن نباتة أنه قال:

كنت مع سلمان الفارسي رحمه الله وهو أمير المدائن في زمان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وذلك أنه قد ولاه المدائن عمر ابن الخطاب فقام إلى أن ولي الأمر علي بن أبي طالب عليه السلام قال الأصبغ فأتيته يوما زائرا وقد مرض مرضه الذي مات فيه قال فلم أزل أعوده في مرضه حتى اشتد به وأيقن بالموت قال فالتفت إلي وقال يا اصبغ عهدي برسول الله صلى الله عليه وآله وقد اردفني يوما وراءه فالتفت إلي وقال لي يا سلمان سيكلمك ميت إذا دنت وفاتك وقد اشتهيت ان ادرى وفاتي دنت أم لا فقال الأصبغ ماذا تأمرني به يا سلمان قال له يا أخي تخرج وتأتيني بسرير وتفرش عليه ما يفرش للموتى ثم تحملني بين أربعة فتأتون بي إلى المقبرة فقال الأصبغ حبا وكرامة قال فخرجت مسرعا وغبت ساعة وأتيته بسرير وفرشت عليه ما يفرش للموتى ثم اتيته بقوم حملوه حتى اتوا به إلى المقبرة فلما وضعوه فيها قال لهم يا قوم استقبلوا بوجهي القبلة فلما استقبل القبلة بوجهه نادى بعلو صوته السلام عليكم يا أهل عرصة البلاد السلام عليكم يا محتجبين من الدنيا قال فلم يجبه أحد فنادى ثانية السلام عليكم يا من جعلت المنايا لهم غذاء السلام عليكم يا من جعلت الأرض عليهم غطاء السلام عليكم يا من لقوا أعمالهم في دار الدنيا السلام عليكم يا منتظرين النفخة الأولى سألتكم بالله العظيم والنبي الكريم إلا أجابني منكم مجيب فانا سلمان الفارسي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وانه صلى الله عليه وآله قال لي يا سلمان إذا دنت وفاتك سيكلمك ميت وقد اشتهيت ان أدري دنت وفاتي أم لا فلما سكت سلمان من كلامه فإذا هو بميت قد نطق من قبره وهو يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا أهل البناء والفناء المشتغلون بعرصة الدنيا ها نحن لكلامك مستمعون ولجوابك مسرعون فسل عما بدا لك يرحمك الله تعالى قال سلمان أيها الناطق بعد الموت المتكلم بعد حسرة الفوت أمن أهل الجنة أنت بعفوه أم من أهل النار بعدله فقال يا سلمان انا ممن أنعم الله تعالى عليه بعفوه وكرمه وادخله جنته برحمته فقال له سلمان الآن يا عبد الله صف لي الموت كيف وجدته وماذا لقيت منه وما رأيت وما عاينت قال مهلا يا سلمان فوالله ان قرضا بالمقاريض ونشرا بالمناشير لاهون علي من غصص الموت ولسبعون ضربة بالسيف أهون على من نزعة من نزعات الموت فقال سلمان ما كان حالك في دار الدنيا قال اعلم اني كنت في دار الدنيا ممن ألهمني الله تعالى الخير وكنت اعمل به وأؤدي فرائضه وأتلو كتابه واحرص في بر الوالدين واجتنب المحارم وانزع عن المظالم واكد الليل والنهار في طلب الحلال خوفا من وقفة السؤال فبينا انا في الذ العيش وغبطة وفرح وسرور إذ مرضت وبقيت في مرضي أياما حتى انقضت من الدنيا مدتي وقرب موتي فأتاني عند ذلك شخص عظيم الخلقة فظيع المنظر فوقف مقابل وجهي لا إلى السماء صاعدا ولا إلى الأرض نازلا فأشار إلى بصرى فأعماه والى سمعي فأصمه وإلى لساني فأخرسه فصرت لا أبصر ولا اسمع فعند ذلك بكى أهلي وأعواني وظهر خبري إلى إخواني وجيراني فقلت له عند ذلك من أنت يا هذا الذي أشغلتني من مالي وأهلي وولدي فقال انا ملك الموت اتيتك لأنقلك من الدنيا إلى الآخرة فقد انقطعت مدتك وجاءت منيتك فبينا هو كذلك يخاطبني إذا اتاه شخصان وهما أحسن خلق الله ما رأيت أحسن منهما فجلس أحدهما عن يميني والآخر عن شمالي فقالا لي السلام عليك ورحمة الله وبركاته قد جئناك بكتابك فخذه الآن وانظر ما فيه فقلت لهم أي كتاب لي أقرأه قالا نحن الملكان الذان كنا معك في دار الدنيا نكتب مالك وما عليك وفهذا كتاب عملك فنظرت في كتاب الحسنات وهو بيد الرقيب فسرني ما فيه وما رأيت من الخير فضحكت عند ذلك وفرحت فرحا شديدا ونظرت إلى كتاب السيئات وهو بيد العتيد فساءني بما رأيت وأبكاني فقالا لي ابشر فلك الخير ثم دنا مني الشخص الأول فجذب الروح فليس من جذبة يجذبها إلا وهي تقوم مقام كل شدة من السماء إلى الأرض فلم يزل كذلك حتى صارت الروح في صدري ثم أشار إلي بجذبة لو أنها وضعت على الجبال لذابت فقبض روحي من عرنين أنفي فعلا من أهلي عند ذلك الصراخ وليس من شئ يقال ويفعل إلا وانا به عالم فعلا اشتد صراخ القوم و بكاؤهم جزعا علي التفت إليهم ملك الموت بغيظ وقنوط وقال معاشر القوم مم بكاؤكم فوالله ما ظلمناه فتشكوا ولا اعتدينا عليه فتضجوا وتبكوا ولكن نحن وأنتم عبيد رب واحد ولو أمرتم فينا كما أمرنا فيكم لامتثلتم فينا كما امتثلنا فيكم والله ما اخذناه حتى فنى رزقه وانقطعت مدته وصار إلى رب كريم يحكم فيه كما يشاء وهو على كل شئ قدير فان صبرتم اجرتم وإن جزعتم أثمتم كم لي من رجعة إليكم اخذ البنين والبنات والاباء والأمهات ثم انصرف عند ذلك عنى والروح معه فعند ذلك أتا ملك آخر فاخذها منه وتركها في ثوب اخضر من حرير وصعد بها ووضعها بين يدي الله في أقل من طبقة جفن على جفن فلما حصلت الروح بين يدي ربى سبحانه وتعالى سألها عن الصغيرة والكبيرة وعن الصلاة والصيام في شهر رمضان وحج بيت الله الحرام وقراءة القرآن والزكاة والصدقات وسائر الأوقات والأيام وطاعة الوالدين وعن قتل النفس بغير الحق واكل مال اليتيم وعن مظالم العباد وعن التهجد بالليل والناس نيام وما يشاكل ذلك ثم من بعد ذلك ردت الروح إلى الأرض بإذن الله تعالى فعند ذلك أتاني غاسل فجردني من أثوابي واخذ في تغسيلي فنادته الروح يا عبد الله رفقا بالبدن الضعيف فوالله ما خرجت من عرق إلا انقطع ولا عضو إلا انصدع فوالله لو سمع الغاسل ذلك القول لما غسل ميتا ابدا ثم إنه اجرى على الماء وغسلني ثلاثة أغسال وكفنني في ثلاث أثواب وحنطني في حنوط وهو الزاد الذي خرجت به إلى دار الآخرة ثم جذب الخاتم من يدي اليمن بعد فراغه من الغسل ودفعه إلى الأكبر من ولدى وقال آجرك الله تعالى في أبيك وأحسن لك الاجر والعزاء ثم أدرجني في الكفن ولفنى ونادى أهلي وجيراني وقال هلموا إليه بالوداع فأقبلوا عند ذلك لوداعي فلما فرغوا من وداعي حملت على سرير من خشب والروح عند ذلك بين وجهي وكفني حتى وضعت الصلاة فصلوا علي فلما فرغوا من الصلاة حملت إلى قبري ودلت فيه فعاينت هولا عظيما يا سلمان يا عبد الله اعلم اني لما وقعت من سريري إلى لحدي تخيل لي اني قد سقطت من السماء إلى الأرض في لحدي وشرج علي اللبن وحثى التراب علي وواروني فعند ذلك سلبت الروح من اللسان وانقلب السمع والبصر فلما نادى المنادي بالانصراف اخذت في الندم وبكيت من القبر وضيقه وضغطه وقلت يا ليتني كنت من الراجعين لعملت عملا صالحا فجاوبني مجيب من جانب القبر ( كلا انها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) فقلت له من أنت يا هذا الذي يكلمني وتحدثني فقال انا منبه فقلت له من أنت يا منبه قال انا ملك وكلني الله عز وجل بجميع خلقه لا نبههم بعد مماتهم ليكتبوا أعمالهم على أنفسهم بين يدي الله عز وجل ثم جذبني وأجلسني وقال لي اكتب عملك فقلت انى لا أحصيه فقال لي اما سمعت قول ربكم ( أحصاه الله ونسوه ) ثم قال لي اكتب وانا املي عليك فقلت أين البياض فجذب جانبا من كفني فإذا هو رق فقال هذه صحيفتك فقلت من أين القلم قال سبابتك فقلت من أين المداد قال ريقك ثم املى علي ما فعلته في دار الدنيا فلم يبق من أعمالي صغيرة ولا كبيرة ثم تلا علي ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما علموا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) ثم إنه اخذ الكتاب وختمه بخاتم وطوقه في عنقي فخيل لي ان جبال الدنيا جميعا قد طوقوها في عنقي فقلت له يا منبه ولم تفعل بي هكذا قال ألم تسمع قول ربك ( وكل انسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ) ( اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) فهذا تخاطب به يوم القيامة ويؤتى بك وبكتابك بين عينيك منشورا تشهد فيه على نفسك ثم انصرف عنى فأتاني منكر بأعظم منظر وأوحش شخص وبيده عمود من الحديد لو اجتمعت عليه أهل الثقلين ما حركوه من ثقله فروعني وأزعجني وهددني ثم إنه قبض بلحيتي وأجلسني ثم إنه صاح بي صيحة لو سمعها أهل الأرض لماتوا جميعا ثم قال لي يا عبد الله اخبرني من ربك وما دينك ومن نبيك وما أنت عليه وما قولك في دار الدنيا فاعتقل لساني من فزعه وتحيرت في أمري وما أدري ما أقول وليس في جسمي عضو إلا فارقني من الفزع وانقطعت أعضائي وأوصالي من الخوف فاتتني رحمة من ربي فامسك بها قلبي وأطلق بها لساني فقلت له يا عبد الله لم تفزعني وانا مؤمن اعلم اني اشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وان الله ربي ومحمد نبي والاسلام ديني والقرآن كتابي والكعبة قبلتي وعليا امامي والمؤمنين إخواني وان الموت حق والسؤال حق والصراط حق والجنة حق والنار حق وان الساعة لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور فهذا قولي واعتقادي وعليه القى ربي في معادى فعند ذلك قالي الآن إبشر يا عبد الله بالسلامة فقد نجوت ومضى عني واتاني نكير وصاح بي صيحة هائلة أعظم من الأولى فاشتبكت أعضائي بعضها في بعض كاشتباك الأصابع ثم قال هات الآن عملك يا عبد الله فبقيت حائرا متفكرا في رد الجواب فعند ذلك صرف الله عني شدة الروع والفزع وألهمني حجتي وحسن اليقين والتوفيق فقلت عند ذلك يا عبد الله رفقا بي ولا تزعجني فانى قد خرجت من الدنيا وانا اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده رسوله وان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب والأئمة الطاهرين من ذريته أئمتي وان الموت حق والصراط حق والميزان حق والحساب حق ومسألة منكر ونكير حق والبعث حق وان الجنة وما وعد الله من النعيم حق وان النار وما وعد الله فيها من العذاب حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور فقال يا عبد الله ابشر بالنعيم الدائم والخير المقيم ثم إنه أضجعني وقال نم نومة العروس ثم إنه فتح لي بابا من عند رأسي إلى الجنة وبابا من عند رجلي إلى النار ثم قال يا عبد الله انظر إلى ما صرت إليه من الجنة والنعيم وإلى ما نجوت منه من نار الجحيم ثم سد الباب الذي من عند رجلي وأبقى الباب الذي من عند رأسي مفتوحا إلى الجنة فجعل يدخل على من روح الجنة ونعيمها وأوسع لحدي مد البصر واسرج لي سراجا أضوأ من الشمس والقمر ومضى عنى فهذه صفتي وحديثي وما لقيته من شدة الأهوال وانا اشهد ان مرارة الموت في حلقي إلى يوم القيامة فراقب الله أيها السائل خوفا من وقفة المسائل وخف من هول المطلع وما قد ذكرته لك هذا الذي لقيته وانا من الصالحين قال ثم انقطع عند ذلك كلامه . فقال سلمان صلى الله عليه وآله للأصبغ ومن كان معه هلموا إلي واحملوني فلما وصل إلى المنزل قال حطوني رحمكم الله فأنزلناه إلى الأرض فقال أسندوني فأسندناه ثم رمق بطرفه إلى السماء وقال يا من بيده ملكوت كل شئ واليه ترجعون وهو يجير ولا يجار عليه بك آمنت ولنبيك اتبعت وبكتابك صدقت وقد أتاني ما وعدتني يا من لا يخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك وأنزلني كرامتك فاني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وان عليا أمير المؤمنين وامام المتقين والأئمة من ذريته أئمتي وسادتي فلما كمل شهادته قضى نحبه ولقي ربه صلى الله عليه وآله قال فبينا نحن كذلك إذ اتى رجل على بغلة شهباء ملتئما فسلم علينا فرددنا السلام عليه فقال يا صبغ جدوا في أمر سلمان فأخذنا في امره فأخذ معه حنوطا وكفنا فقال هلموا فان عندي ما ينوب عنه فاتيناه بماء ومغسل فلم يزل يغسله بيده حتى فرغ وكفنه وصلينا عليه ودفناه ولحده بيده فلما فرغ من دفنه وهم بالانصراف تعلقنا به وقلنا له من أنت فكشف لنا عن وجهه ( ع ) فسطع النور من ثناياه كالبرق الخاطف فإذا هو أمير المؤمنين فقلت له يا أمير المؤمنين كيف كان مجيئك ومن أعلمك بموت سلمان قال فالتفت إلي ( ع ) وقال آخذ عليك يا اصبغ عهدا لله وميثاقه انك لا تحدث بها أحدا ما دمت في دار الدنيا فقلت يا أمير المؤمنين أموت قبلك فقال لا يا اصبغ بل يطول عمرك قلت له يا أمير المؤمنين خذ علي عهدا وميثاقا انى لك سامع مطيع انى لا أحدث به أحدا حتى يقضي إلى من امرك ما يقضي وهو على كل شئ قدير فقال يا اصبغ بذا عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله انى قد صليت هذه الساعة بالكوفة وقد خرجت أريد منزلي فلما وصلت إلى منزلي اضطجعت فأتاني آت في منامي وقال يا علي ان سلمانا قد قضى فركبت بغلتي واخذت معي ما يصلح للموتى فجعلت أسير فقرب الله لي البعيد فجئت كما تراني وبهذا اخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله ثم إنه دفنه وواراه فلم أدر أصعد إلى السماء أم في الأرض نزل . قبل ان يأتي الكوفة والمنادى ينادى لصلاة المغرب فحضر عندهم علي ( ع ) وهذا ما كان من حديث وفاة سلمان الفارسي ( رض ) على التمام والكمال والحمد لله حق حمده