حجر بن عديّ : الذي قبض عليه زياد بعد هلاك المغيرة سنة (51هـ ) وبعثه مع أصحابه إلى الشام بشهادة مزوّرة ، وفرية ظالمة ، كان يراد منها قتله وتوجيه ضربة قوية لشيعة عليّ وتصفيتهم .
يقول المسعودي :
«في سنة ثلاث وخمسين قتل معاوية حجر بن عديّ الكندي ـ وهو أوّل من قتل صبراً في الإسلام ـ وحمله زياد من الكوفة ومعه تسعة نفر من أصحابه من أهل الكوفة وأربعة من غيرها ، فلمّا صار على أميال من الكوفة يراد به دمشق
أنشأت ابنته تقول ولا عقب له من غيرها :
ترفّع أيّها القمر المنير * لعلّك أن ترى حجراً يسير
يسير إلى معاوية بن حرب * ليقتله ، كذا زعم الأمير
ويصلبه على بابي دمشق * وتأكل من محاسنه النسور
ثمّ قتله مع أصحابه في مرج عذراء(2) بصورة بشعة يندى لها الجبين
الشيعة في موكب التأريخ للأستاذ جعفر
قال محمد بن الحنيفة: بتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السم إلى قدميه، وكان يصلي تلك الليلة من جلوس ولم يزل يوصينا بوصاياه ويعزينا عن نفسه، ويخبرنا بأمره إلى طلوع الفجر، فلما أصبح استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه واقبلوا يسلمون عليه وهو يرد (عليهم السلام) ثم يقول: أيها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني، وخففوا سؤالكم لمصيبة إمامكم!! فبكى الناس بكاء شديداً، وأشفقوا أن يسألوه تخفيفاً عنه فقام إليه حجر بن عدي الطائي وقال:

فيا اسفي على المولى التقي ----- ابو الاطهار حيدرة الزكي

قتله كافر حنث زنيم ----- لعين فاسق نغل شقي

فيلعن ربنا من حاد عنكم ----- ويبرا منكم لعنا وبي

لانكم بيوم الحشر ذخري ----- وانتم عترة الهادي النبي

فلما بصر الإمام وسمع شعره
قال له: كيف بك إذا دعيت إلى البراءة مني؟ فما عساك أن تقول؟
فقال: والله يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف إرباً إرباً، وأضرم لي النار وألقيت فيها لآثرت ذلك على البراءة منك!! فقال (عليه السلام): وفقت لكل خير يا حجر، جزاك الله عن أهل بيت نبيك.
علي عليه السلام من المهد الى اللحد
مأساة حجر بن عدي
ذكر ابن الأثير (1) قصة حجر واتباعه فقال :
« دخلت سنة إحدى وخمسين وفيها قتل حجر بن عدي واصحابه وسبب ذلك :
ان معاوية استعمل المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة احدى واربعين فلما امره عليها دعاه وقال :
قد اردت ايصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتماداً على بصرك
ولست تاركاً ايصاءك بخصلة :

لاتترك شتم علي وذمه
والترحم على عثمان
والعيب لاصحاب علي والإقصاء لهم
والإطراء بشيعة عثمان ، والإدناء لهم .

فأخذ المغيرة يشتم علياً .. فإذا سمع ذلك حجر بن عدي قال :
بل إياكم ذم الله ولعن . أنا أشهد ان من تذمون احق بالفضل .

وقد حبس المغيرة أرزاق حجر واصحابه .
فكان حجر يناديه بقوله :
مر لنا ايها الإنسان بأرزاقنا فقد حبستها عنا وليس ذلك لك .

ثم توفى المغيرة وولى زياد فاستمر على الفعل نفسه .

وجمع زياد من أصحاب عدي اثنا عشر رجلا في السجن واحضر شهوداً وقال :
إني لأحب ان يكون الشهود أكثر من اربعة ، فدعا الناس ليشهدوا فشهد جمع كبير منهم :
اسحق ، وموسى ، ابنا طلحة بن عبيد الله ، والمنذر بن الزبير ، وعمار ابن عقبة ابن ابي معيط .
ثم دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه الى وائل بن حجر الحضرمي وكثير ابن شهاب
وامرهما ان يسيرا بهم الى الشام فخرجوا عشية فلما بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هاني واعطى وائلا كتابا فقال :
ابلغه امير المؤمنين فأخذه وساروا حتى انتهوا بهم الى مرج عذراء عند دمشق وكانوا :

حجر بن عدي الكندي
والارقم بن عبد الله الكندي
وشريك بن شداد الحضرمي
وصيفي بن فسيل الشيباني
وقبيصة بن ضبيع العبسي
وكريم بن عفيف الخثعمي
وعاصم بن عوف البجلي
وورقاء بن سمى البجلي
وكدام بن حسان
وعبد الرحمن العنزيان
ومحرر بن شهاب التميمي
وعبد الله بن حوية السعدي ..
وأتبعهم برجلين هما : عتبة بن الاخمس بن سعد بن بكر ، وسعد بن نمران الهمداني . فتموا اربعة عشر رجلا .

ودفع وائل الى معاوية كتاب شريح بن هاني .
فإذا فيه : بلغني ان زياداً كتب شهادتي
وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
حرام الدم والمال » .

وروى الطبري (1) مأساة ابن عدي وصحبه على الشكل التالي :

« جاء قيس بن عباد الشيباني الى زياد فقال له :
ان شخصا منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس اصحاب حجر وهو اشد الناس عليك
فبعث اليه زياد فأتى به فقال له زياد :
يا عدو الله ما تقول في ابي تراب
قال : ما اعرف ابا تراب .
قال : اما تعرف علي بن ابي طالب ؟
قال : بلى .
قال : فذاك ابو تراب .
قال : كلا ذاك ابو الحسن والحسين .
فقال له صاحب الشرطة : يقول لك الأمير هو ابو تراب ؟ وتقول انت لا .
قال : وإن كذب الأمير اتريد ان اكذب واشهد له على باطل كما شهد .
قال له زياد : وهذا ايضا مع ذنبك !!! عليَّ بالعصا .
فأتى بها فقال ما قولك ؟
قال : احسن قول انا قائله في عبد من عباد الله المؤمنين
____________
(1) تاريخ الامم والملوك 6 / 149 ـ 155 .
قال : اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلتصق بالارض فضرب حتى لزم الارض .

ثم قال : اقلعوا عنه فسأله : إيه ما قولك في علي .

قال : والله لو شرحتني بالمواسي والمدى ما قلت إلا ما سمعت مني

قال : لتلعننه او لاضربن عنقك
قال : اذا تضربها والله قبل ذلك فإن ابيت الا ان تضربها رضيت بالله وشقيت انت
قال : ادفعوا في رقبته .
ثم قال : اوقروه حديداً والقوه في السجن .

ويستمر الطبري على سرد تلك المأساة فيروي لنا قصة شهادة الزور الكبرى التي لفقتها حكام المسلمين آنذاك
على هؤلاء النفر من المسلمين .
« هذا ما شهد عليه ابو بردة بن ابي موسى لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي
خلع الطاعة وفارق الجماعة .
وجمع اليه الجموع يدعوهم الى نكث البيعة وخلع امير المؤمنين معاوية
وكفر بالله عز وجل كفرة صلعاء .
فقال زياد :
على مثل هذه الشهادة فاشهدوا ، أما والله لاجدن على قطع خيط عنق الخائن الاحمق .
فشهد رؤوس الارباع على مثل شهادته وكانوا اربعة .
ثم إن زياداً دعا الناس فقال : اشهدوا على مثل شهادة رؤوس الارباع .
فقرأ عليهم الكتاب فقال اول الناس عناق بن سرجيل بن ابي دهم التيمي
فقال : زياد : أبدأوا بأسامي قريش ثم اكتبوا اسم عناق في الشهود ومن نعرفه ويعرفه امير المؤمنين .

فشهد إسحق بن طلحة بن عبيد الله ، وموسى بن طلحة ، واسماعيل بن طلحة والمنذر بن الزبير
وعمارة بن عقبة بن ابي معيط ، وعبد الرحمن بن هناد ، وعمر ابن سعد بن ابي وقاص ، وعامر بن مسعود بن امية
ومحرز بن ربيعة بن عبد العزى ابن عبد شمس ، وعبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي ، وعناق بن شرجيل بن ابي دهم
ووائل بن حجر الحضرمي ، وكثير بن شهاب ابن حصين الحارثي وقطن ابن عبد الله بن حصين والسرى بن وقاص الحارثي .
وكتبت شهادته وهو غائب في عمله ـ والسائب بن الاقرع الثقفي وشبث ابن ربعي وعبد الله بن ابي عقيل الثقفي
ومصقلة بن هبيرة الشيباني والقعقاع بن شور الدهلي ، وشداد بن المنذر بن الحارث بن وغلة الذهلي ..
وحجار بن ابجر العجلي ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ولبيد بن عطارد التميمي ، ومحمد بن عمير ابن عطارد التميمي
وسويد بن عبد الرحمن التميمي واسماء بن خارجة القزاري ، وشمر بن ذى الجوشن العامري وشداد ومروان ابنا الهيثم
الهلاليان ، ومحصن ابن ثعلبة بن عائدة القرشي ، والهيتم بن الاسود النخعي ـ وكان يعتذر اليهم ـ وعبد الرحمن بن قيس
الاسدي ، والحارث وشداد ابنا الازمع الهمدانيان وكريب بن سلمة بن يزيد الجعفي ، وعبد الرحمن بن ابي سبرة الجعفي
وزحر بن قيس الجعفي ، وقدامة بن العجلان الازدي ، وعزرة بن عزة الاحمس .


وكتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة ثم دفعها زياد الى وائل بن حجر الحضرمي وكثير بن شهاب الحارثي
وبعثهما عليهم ، وامرهما ان يخرجا بهم .
وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هاني الحارثي .
فأما شريح القاضي فقال :
سألني عن حجر فأخبرته أنه كان صواماً قواماً .
وأما شريح بن هاني الحارثي فكان يقول :
ما شهدت ولقد بلغني ان قد كتبت شهادتي فأكذبته ولمته .. فمضوا بهم حتى انتهوا الى الغريين فلحقهم شريح بن هاني معه كتاب .
فقال لكثير : بلغ كتابي هذا أمير المؤمنين .

ودفع وائل بن حجر كتاب شريح بن هاني فقرأه فإذا به : أما بعد فإنه بلغني أن زياداً كتب اليك بشهادتي على حجر بن عدي
وان شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتى الزكاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حرام الدم
والمال » .
وأما من قتل من أصحاب حجر فهم كما يقول الطبري :
« حجر بن عدي وشريك بن شداد الحضرمي
وصيفي بن فسيل الشيباني
وقبيصة ابن ضبيعة العبسي
ومحرز بن شهاب السعدي
ثم المنقري
وكدام بن حيان العنزي
وعبد الرحمن بن حسان العنزي الذي رد الى زياد فدفن حياً » (1) .

وقد رثت هند بنت زيد بن مخرمة الانصارية حجراً :

ترفع أيها القمر المنير تبصر هل ترى حجراً يسير
يسير الى معاوية بن حرب ليقتله كما زعم الأمير
ألا يا حجر حجر بن عدي توقتك السلامة والسرور
أخاف عليك ما أرضى عديا وشيخاً في دمشق له زئير
يرى قتل الخيار عليه حقاً له من شر أمته وزير
وهكذا انتهت ، على ما يقول الدكتور طه حسين (2) :

« هذه المأساة المنكرة التي استباح فيها أمير من أمراء المسلمين ان يعاقب الناس على معارضة لا إثم فيها ، وأن يكره وجوه
الناس واشرافهم على ان يشهدوا عليهم زوراً وبهتاناً ، وان يكتب شهادة القاضي على غير علم منه ولا رضا ...
استباح أمير من امراء المسلمين لنفسه هذا الإثم ، واستحل هذه البدع واستباح إمام من ائمة المسلمين ان يقضى بالموت
على نفر من الذين عصم الله دماءهم ، دون ان يراهم او يسمع لهم او يأذن لهم في الدفاع عن انفسهم » .
____________
(1) تاريخ الامم والملوك 6 / 155 .
(2) الفتنة الكبرى . علي وبنوه ص 243 .


كتاب علي ومناوؤه
قال حجر بن عدي - رضي الله عنه - لقاتله:
إن كنت أمرت بقتل ولدي فقدمه، فقدمه فاضرب عنقه .
فقيل: تعجلت الثكل !
فقال: خفت أن يرى هول السيف على عنقي فيرجع عن ولاية علي عليه السلام فلا نجتمع في دار المقامة التي وعدها الله الصابرين.
الكتاب : الإمام علي (ع)- أحمد الرحماني الهمداني

وقال حجر بن عدي الكندي في يوم الجمل أيضاً:

سلم لنا المهذب التقيا ... يا ربنا سلم لنا عليا
واجعله هادي أمة مهديا ... المؤمن المسترشد الرضيا
لا خطل الرأي ولا غبيا ... احفظه رب حفظك النبيا
ثم ارتضاه بعده وصيا(2) ... فإنه كان لنا وليا