وكالة الأنباء العراقية المستقلة / فؤاد العبودي
التوابيت ... والثلاجات والمبردات العاطلة تحولت إلى زوارق يعبر بها الموطنون من ضفة رصيف منازلهم إلى الر صيف الأخر ... الشعب العراقي دائما يبتكر الأشياء الضرورية في أوقات الأزمة ... ومنذ الحصار الجائر كما كان يطلق عليه طحنوا نواة التمر وحولوها إلى طحين لصنع الخبز ... وغيرها من الابتكارات ذات المساس بمصلحتهم .
شيء واحد لا يجيده الشعب هو العصيان والتمرد على واقعهم السيئ منذ أربعة عقود خلت .. حتى جاء عقد التغيير ليأكلوا " النخالة " ويتذوقوا طعم الوعود الغامضة التي لم يتحقق منها شيء ...
شعبنا في وقت الشدة والأزمات يصبح أبناؤه واحدا يكره الأخر .. ولا تشدهم المصاعب وتجاهل الحكومة لمطاليب بعضهم إلى البعض ..بل .. على العكس يحاول كل شخص أن يسبب الأذى لأخيه في الدين و الوطن ... فالسائق مثلا يتمرد ويطلع لسانه للواقفين من طوابير الناس " عيني متروح لباب المعظم مثلا .. أو الباب الشرقي .. أو ... أو "
لايجيبك بل يرفع رأسه عاليا وكأنه ملك وعلى " كوكة " رأسه ريشة ... يسرع مخلفا وطاشا الطين في وجوه الواقفين ...
" حجي مطر .." يستهزئ بالحكومة .. والبلديات ... ومسؤولي أمانة بغداد .... فيقول ضاحكا موجها كلامه لجمع من الشباب " بويه .. المطر خير ... أشمالكم منزعجين " ويرد الشباب بتندر ضاحكين أيضا ( عمي .. صدكت .. دنشوف .. احنه الخير على شكل أو حال .. وتحول شوارع العاصمة. اهوار ...
احدهم يقول " مادام صدام جفف الاهوار ... ويزادله ماء ... فلماذا لا يحولون هذه البحيرات في المناطق السكنية إلى الاهوار "
يرد عليه الأخر" أخي .... أذا كانوا لا يستطيعون سحب هذه المياه التي مضى عليها ثلاثة أسابيع إلى الأراضي الخالية المتروكة ... فكيف تطالب منهم تحويلها إلى الاهوار " ...
شاب يهمس في إذن صاحبه الذي يجلس بجانبه ب" الكيا " " خليهه سكته يا لفته "..
مصادفة وانأ أقف في تقاطع جامع النداء ... والركاب من الطلبة والطالبات والموظفين ينتظرون المنقذ من السواق .. حتى تأتي سيارة ( الكيا ) ويتزاحم على صعودها جمع غفير .. وكأننا في يوم المعشر ...
يصيح احدهم على السائق " عيني .. هاي للحسينة " يجيبه السائق " أي عيني .. بس الأجرة 1,500 دينار" يرد عليه صاحبنا السائل " عمي لو تكول ثلاثة ألاف بس وصلني .. لان امي في البيت راح تصير بيه سكتة قلبية على تأخيري "
أحاديث شتى .. بينها الغاضبة على الحكومة الموقرة .. وبعضها الأخر على السواق ...
رجل المرور الذي احتذى " جزمه " في تقاطع الصحة وسط الماء الذي وصل إلى ركبتيه , لكنه لم يترك واجبه في تنظيم السير .. جاءه تبليغ بعقوبة أدارية لأنه لم يساعد موكب احد المسؤولين لقطع الطريق بين زحام ( التر يلات ) من سيارات الحمل والسيارات الصغيرة الأخرى ... وبعد مثوله في دائرة المرور العامة اتضح أن سائق مركبة المسؤول هو الذي كان فيها وحضرة جنابة يريد ان تشق له الطريق ليسلك الشارع بسرعة " بشرفكم هذا مو يراد له طرد "
جاءنا الفرج .. رجل كبير السن يقود " كوستر " صاح : حسينية .. حسينية وهرع الناس إليه وكأنهم في الحرب العالمية الأولى أو الثانية ... بالطبع الشباب أول من تسلق وصعد ... هناك امرأة مع طفلها تصيح لكن صياحها يضيع في أطار أنانية العراقيين " يمعودين أنه آخيتكم ... وهذا أبني راح يغمى عليه " ...
جاء " عباس " وهو شاب يستوفي جباية من كل سائق يقف في تقاطع النداء او تقاطع المعهد القضائي ... كان عباس هذا شهما ورجل ابن او اوادم ... أوقف مركبة كيا ووقف ببابها ... قال فقط للنسوان اللائي بيوتهن في الحسينية .
قال احد الواقفين " والله يابه خلف الله عليه ... لو ما هيجي جان النساء اليوم تطلقن من أزواجهن على هذا التأخير " " حجي مطر " يشاهد امرأة وهي ترفع نفنوها إلى ما فوق الساقين ... صرخ محتجا : بله مو عيب على الحكومة هذا المنظر ... وين راح تصل الأمور بينه ... عيب ... عيب يا حكومة .
أحد الشباب يجادل حجي مطر " عمي قبل شويه قلت المطر خير "
أجابه حجي مطر " ولك بويه ... خير بس مو تمشي نسوانه عرايه " ..
عبارته تسكت كل من حاضر في الشارع الذي غطت هطول الأمطار على الرصيف وأصبح الشارع والرصيف " يك حساب " لا يستبان منهما الا الماء ...
أين الق بغداد ... وعراقتها ... أين الترليونات بهذا الحديث تحدث احد الموظفين ... شبكات صرف صحي ماكو ... تبليط شوارع ماكو ... حصة تموينية ماكو ... خلي تصير الحكومة واسطة وتهجرنا إلى بلاد العالم .
بغداد العزيزة ... حتى وان بكيت ... فقد سبقك المطر الغزير إلى البكاء ولكن على شكل لعنة أصابت كل سكنة بغداد .
(( يابه راح أفوت على حي الجزائر )) قال سائق الكوستر ... ردوا عليه ... أجل ... أجل ... شويه نخلص من غرق شارع الشعب الرئيسي .
وفعلا حول السائق مساره ... وقطع عدة شوارع وحين دخل أحدها ... صاح به الناس " عيني سائقنا هذا مغلق ... ارجع ... ارجع " ...
عاد السائق من جديد ليسلك شارعا أخر في زقاق من أزقة حي الصحة حتى ينتهي الى الشارع المؤدي الى منطقة الحسينية ... وهنا أوقفة العسكري " عمي هنا حفر عميقة وسيارتك تتعطل .... لأن البلديات حفرته وتركته " ....
الساعة تجاوزت السابعة والنصف ليلا ... والركاب يتأففون ...
كان قد وقف بقرب كشك ... وراحت نداءات الركاب
*عيني نستلة يرحم والديك ...
*الطفلة هذه عيوني عطشانة ... فد بطل ماء ...
*أخي الله يخليك باكيت جكاير أسبين رصاصي .....
*والله لو رايحين للبصرة جان وصلنه ...
*منا وهيج راح نجيب عشانه ويانه ...
أرفع رأسك أنت عراقي ... تمشي في الطين
الساعة شارفت على الثامنة مساء ... والسائق حائر بين السير وبين أن يجبر الركاب للنزول وسط ماء المطر ... المهم ... وصلنا إلى سيطرة مدخل الحسينية (( وعينك ما تشوف الا النور )) طابور طويل ...طويل ... من المركبات ... و " تيتي ... تيتي " تمشي السيارات ... وعناصر السيطرة .
( الله يساعدكم أخوان ... رجاء علاليكم طلعوهه ) ومنين جاي ... وين رايح ...
(منقول )