بسم الله الرحمن الرحيم
الَلهّمّ صَلّ عَلَىَ محمدوآل مُحَّمدْ الَطَيبيِن الطَاهرين الأشْرَافْ وَعجَّل فَرَجَهُم ياكريم.
ان التقرب الى الله بأي وسيلة طاعة ، والغاء المسافة والهوة الحاصلة بين العبد وربه يمثلان أعظم مسؤولية يجند الانسان المؤمن نفسه لتحملها ابتغاء مرضاة ربه الكريم فالأليق بالانسان ان يلقى ربه بوجه أبيض وان يتقرب اليه عبر قناعة ورضى وسرور روحي في إداء العبادات المستحبة ، فهي وسيلة التقرب التي تسمو به الى رحاب القدس الأعلى بالاضافة الى ثواب الفرائض ، والتزام سبيل التقوى والورع عن محارم الله ؛ فليكثر الانسان المؤمن من صلواته ما أمكنه لان التقرب الى الله هـو أهم هدف للصلاة ، بل لا صلاة بدون نية التقرب الخالصة لله - تعالى إسمه - بالاضافة الى الاهداف الايمانية التزكوية الأخرى التي نجد خلاصتها في قوله - تعالى - :
{ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } (العَنْكبُوت/45) .
وهكذا الحال بالنسبة الى انواع التكاليف الاخرى التي شرعها الله لنا كالحج والجهاد والقيام بالاعمال الصالحة ، وعلى العموم فان كل عبادة وعمل صالح لايمكن ان يعطي ثماره الا بعد ان يكون هدفه القربى الى الله ، وهذا يعني إزالة الحجب وإختصار المسافة الفاصلة بين العبد وربه ، والسعي من أجل إلغاءها جهد الامكان ، وهذا هو سبيل معرفة الله .
فـالمعرفة - اذن - هي اختصار المسافة ، وإزالـة كل حجاب يبعدنا عن وجه ربنا الرؤوف الرحيم ، وهذا يتم بالعبادة المستفيضة والسعي الدؤوب في العمل الصالح ، إضافة الى التخلق بأخلاق الله - تعالى - ، وأخلاق انبيائه ورسله ، كالتواضع لله من خلال التواضع لإخواننا المؤمنين ، وعدم السماح لأدنى قدر من الكبر ان يدخل القلب ، اللهم الا التكبر على الانسان المتكبر لردعه ، ثم علينا ان لانحسب ان مايقع في ايدينا مما نقتنيه من زخارف الدنيا وبهارجها او ما نناله من مقام يجعل من حقنا ان نتكبر على الناس ..
وبعد التخلق بأخلاق الله يأتي طلب العلم الالهي والنهل والتزود منه ؛ فالعلم وسيلة ذو أهمية كبرى في التقرب والمعرفة الالهية ، وهو لايكون نافعا ، ومثمرا بالخير والبركات الا اذا كان طلبه بنية التقرب الى الله - سبحانه - ، وانها لأعظم مكافأة من الرب الرحيم ان يموت المؤمن وهو على معرفة من ربه ، وحب واشتياق للقائه ، والشهادة في سبيل اللـه هي ذروة هذه المكافأة وهي لاتمنح ولا تـوهب الا لأهلها من الشهداء كما يقول - تعالى - :
{ يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } (الفجر/27-30) ، فالرجـوع والدخـول هما أعظم النعم
الالهية لما فيهما من الرضا المتبادل بين الراجع الداخل ، والمستقبل الكريم الذي يقوم بالضيافة بنفسه .
فاذا كان السرور والفرح يغمرانك عندما تجد مضيفك يقف على عتبة داره لاستقبالك ثم يخدمك ويكرمك بيده في حين ان هذا المضيف هو انسان عادي فكيف الأمر اذا كان المضيف في الغد ربا غفورا كريما ؟ بل واي كرامة وعزة ورفعــة للانسان عندما يوهب ذلك المقام الجليل الذي وصفه - تعالى - في قوله : { فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ } (القمَر/55) ، فمقعد الصدق هذا يتحسر على بلوغه حتى أهل الجنة انفسهم ، والحسرة هذه لايجب ان نفهم منها الالم واللوعة بما ينغص النعيم الذي يعيشه أهل الجنة ، وانما تعني طموحا يتطلع اليه أهل الجنة ، والطموح هذا لايبلغه الانسان بحوله وقوته ، بل بحــول الله وقوته .