كلامه هو الكلام الذى قل عدد حروفه ، وكثر عدد معانية ، وجل عن الصنعة ، ونزه عن التكلف ، وكان كما قال الله تبارك وتعالى قل يا محمد : ( وما أنا من المتكلفين ) فكيف وقد عاب التشديق ، وجانب أصحاب التقعير ، واستعمل المبسوط في موضع البسط ، والمقصور في موضع القصر ، وهجر الغريب الوحشى ، ورغب عن الهجين السوقى ، فلم ينطق إلا عن ميراث حكمة ، ولم يتكلم إلا بكلام قد حف بالعصمة ، وشيد بالتأييد ، ويسر بالتوفيق ، وألقى الله عليه المحبة ، وغشاة بالقبول ، وجمع له بين المهابة والحلاوة ، وبين حسن الافهام ، وقلة عدد الكلام ، ومع استغنائه عن إعادته ، وقل حاجة السامع إلى معاودته ، لم تسقط له كلمة ، ولازلت به قدم ولا بارت له حجة ، ولم يقم له خصم ، ولا أفحمه خطيب ، بل الخطب الطوال بالكلام القصير ، ولا يلتمس إسكات الخصم إلا بما يعرفه الخصم ، ولا بحتج إلا بالصدق ، ولا يطلب الفلج إلا بالحق ، ولا يبطئ ولا يعجل ، ولا يسهب ولا يحصر وما سمع كلام قط أعم نفعا ولا أصدق لفظا ولا أعدل وزنا ولا أحمل مذهب ،ولا أكرم مطلب ، ولا أفصح عن معناه ، ولا أبين في فحواه من كلامه :ومن كلامه طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس ، وأنفق من ماله ما اكتسبه من غير معصية ، رحم أهل الذل ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن أذل نفسه وحسنت خليقته وصحت سريرته ، وعزل عن الناس شره ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله ، ووسعته السنة ، لم يعدها إلى البدعة