نقرأ في الکتب و القصص التاریخیة، عن مسلم ابن عقیل و عن شجاعة، ورعه و وفاءه للإسلام و العترة الطاهرة. کان مسلم ابن عقیل (َع) بطلا" شجاعا" برز من بین شجعان بني هاشم شابا" یـعد من أحد أعظم الشخصیات الإسلامیة البارزه فی صدر الإسلام جنبا" الی جنب مع الحسن و الحسین (ع). کان له منزلة رفیعة بین المسلمین فی المدینه (یثرب) و في بیت بنی هاشم، خصوصا" و إنه إبن أخ الإمام علی (ع) و إبن عم الحسین ابن علی (ع) عاش مسلم ابن عقیل في بیت عمه علی (ع) و ترعرع و تربي فی حظن عمه تربیة إسلامیة نبویة النهج و علوي السلوک حسین الهدف و المرام إلی جانب الإمامین الحسن و الحسین (ع) جنبا" الی جنب، فتعلم من علي العلم و اقتبس منه الأخلاق الجمیلة، و المنطق الرفیع والمعرفة و إنه كان شریفا" في قومه و فاضلا".
صهر في حب علي (ع) منذ صباه في بیت الولایة و الامامة مع علي (ع) في المدرسة الشیعیة العلویة في عصر الإسلام في عهد النبي محمد (ص) و بدأ التشیع من اول یوم من دخول فاطمة (ع) الي بیت الإمام علي (ع)، من هنا. بدأ المد الشیعي و انتشر، وازداد، وامتـد في عهد خلافة امیرالمؤمنین علي (ع) في الکوفة فکان بیت علي (ع) منبع التشیع والکوفة مهد التشیع العلوي واطلق علي الکوفة إنها علویه، لکثرة حبهم و ولائهم لعلي (ع) فی عهد خلافة علي (ع) و الحسن و الحسین (ع) کانت الکوفة ملجئا" لشیعة علي (ع) عند ما أرسل الحسین (ع) ثقتة من أهل بیت مسلم ابن عقیل (ع) الي الکوفة، کان یعرفهم و یحبهم و یحبونه لحبه لهم . فکان مسلم ابن عقیل (ع) شخصیة" معروفة في عهد خلافة الإمام علي (ع) و الإمام الحسن (ع) و شارک في عدة حروب أساسیة إلى جانب الحسن و الحسین (ع) ثم ارتقى مراتب في الجیش الإسلامي واکتسب المهارة في تعلم فنون القتال و الفروسیة من عمه، و کان یحتمي تحت ظل عمه علي (ع) ویحب الإیثار ..
کان غصناً من شجرة النبوة والإمامه. هذه الشجرة التي اصلها ثابت وفرعها هي السماء، کان في خلافة عمه علي (ع) في الکوفه جندیا وفیا یمارس مهام عمله أثناء الخدمة فی نظام الخلافه الإسلامیة بین سنة 36 الي 40 هجریة .
وقد شغل عدة مناصب حکومیة في عهد الخلافة و شارک فی معرکة صفین و کان قائداً للجیش الإسلامي مع الحسن (ع) والحسین (ع) وعبد الله بن جعفر.
عینه عمه قائداً علي المیمنة و محمد بن ابی بکر وهاشم بین عتبه ( المرقال ) علي المیسره ومقدمة الجیش بید عبد الله بي عباس، و عباس بن ربیعة و مالک الأشتر، إلى جانب بطل الإسلام الخالد علي بن ابي طالب (ع)
فی معرکة صفین کان مسلم كالأسد یحارب المعتدین والمنحرفین عن خلافة علي (ع) الخط السلیم والمستقیم.
وفي اثناء ما کان علي (ع) یتفقد القطعات الأمامیة للجیش ویراقب القادة، فشاهد مسلم ابن عقیل (ع) في میدان الوغي یقابل العدو، ففرح به کثیراً وأطمأن له شابا مؤمنا وشجاعا"٬ ذو روح عالیة وطاهرة مطهرة يمتلئ بالحب والایمان بالله وبالعترة الطاهرة کان صادقاً في القول والعمل عزیزاً في قومه .. اتبع الحق کما أمره الله تعالى .
لازم عمه منذ حیاته فأحبه کثیراً وزوجه إبنته ( رقیة ) بنت أمیر المؤمنین .. بعد ذلک عینه معه الي جنبه في النظام الإسلامي في عصر حکومته في الکوفة لقدرتة علی تحمل المسؤلیة التی قبلها جندیا وفیا فی الکوفة عاصمة الخلافه الإسلامیة خلافة علي (ع) .
وقد جاء فی کتب المؤرخین ومن أرخ لأخرعهد الخلافة الإسلامية أنها كانت يوم 12- رجب عام 36- 40 هـ حين قدم الإمام علي عليه السلام الى الكوفة قادما اليها من مدينة البصرة بعد فراغه من موقعة الجمل فاستقبله اهل الكوفة و قالو له: يا أمير المؤمنين اين تنزل؟ أتنزل القصر؟ و قد أرادوا بذلك (قصر الأمارة) فقال: لا , ولكني أنزل الرحبة فنزلها, ثم أقبل الى مسجد الكوفة وصلى فيه ركعتين, و كان في الرحبة بيت أم هاني بنت أبي طالب- أخت الإمام عليه السلام و هي زوجة هبيرة المخزومي, و كانت الدار في هذا الوقت لابن أخته جعده بن هبيرة , وتقع هذه الدار بالقرب من قصر الامارة , ثم بني الامام عليه السلام بيتاً بسيطا ً في هذه الرحبة قد سميت بعد ذلك باسم ( رحبة علي) وكان عليه السلام يخرج من داره الى مسجد الكوفة من خلال باب السدّة التي تقابل داره . و قد وصف الرحالة العربي بن جبير عام 0 58 هـ و اكد ان الدار تقع خارج مسجد الكوفة فنقل منه الى داره حيث لقى ربه راضيا مرضيا في 21 رمضان عام 40 هـ . و قد تولى ولده الحسن و الحسين عليهما السلام تغسيله في هذه الدار و منها نقل الى ارض الغري, حيث دفن فيها حيث مشهده لشريف في النجف الأشراف و الطاهر و ذلك بوصية منه عليه السلام و خلفه الحسن عليه السلام .
قال ألمدائني: أقام الحسن عليه السلام أياما ثم تجهر للشخوص الى المدينة فدخلها, و بقيت الكوفة من بعد صلح الحسن عليه السلام تعاني ألأمرّين من حكم معاوية بن أبي سفيان لمدة 20 عاما من استبداد واضطهاد و عانى اهلها من المغيرة بن شعبة و زياد بن ابيه الكثير من القتل و الاجحاف حتى هلاك حاكم الشام.
و بعد ان تنفس العراق الصعداء توجه اهلها لأهل البيت عليهم السلام ليعيدوا موازين الأمور الى نصابها و كان سيدهم الحسين بن علي عليه السلام هو المؤمل ان يحقق لهم هذه الآمال فكتبوا اليه أنهم قد حبسوا أنفسهم على ان لا يحضروا الجمعة مع الوالي و سألوا الحسين عليه السلام النصرة فبعث إليهم ابن عمه مسلم بن عقيل بن ابي طالب فلما وصلهم مسلم عليه السلام اجتمعوا حوله و بايعوه على ان يسمعوا له و يطيعوا أمر الحسين فيهم وبلغ عددهم أكثر من اثني عشر الفا, حتى انتهى الأمر الى سيطرة عبيد الله بن زياد على الكوفة بعد أن اعلن الأحكام العرفية و بعث العيون الأمنية في كل مكان و اول عمل قام به قبل أن يظفر بمسلم هو قتل هانئ بن عروة الصحابي الجليل و نصير مسلم في الكوفة و هدد أهل الكوفة و بجند الشام و رغب و رهّب حتى بلغ مقصده .
مسلم بن عقيل بن ابي طالب عليهمم السلام .
تربى مسلم في بيت عمه امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليهم السلام , فكان ملازماً للحسن والحسين عليهما السلام وباقي شباب اهل البيت الكريم فشربوا من معين الولاية والهداية والايمان والإباء.
وقد كان مسلم صادقاً وفيّاً مع ما يؤمن به من أحقية قيادة اهل البيت عليهم السلام للامة. وبانت هذه الحقيقة في كتابة الحسين عليه السلام الي اهل الكوفة:
( وإنّي باعثٌ إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي- مسلمَ بن عقيل- ).
وذلك بعد الكتب التي وصلت الى الحسين عليه السلام من:
المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك. فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو. أما بعد. فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد، الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها، وغصبها فيأها، وتآمر عليها بغير رضى منها، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها، فبعدا له كما بعدت ثمود. إنه ليس علينا إمام، فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق... " (1).
ثم أرسلوا الكتاب مع عبد الله الهمداني، وبعد يومين بعثوا إليه بنحو من ثلاثة وخمسين صحيفة موقعة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم لبثوا يومين آخرين، وبعثوا إليه بكتاب قالوا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين. أما بعد. فحي هلا. فإن الناس ينتظرونك ولا رأي لهم في غيرك فالعجل العجل والسلام عليك (2)، ثم كتب إليه شبث بن ربعي ومن معه: أما بعد فقد أخضر الجناب، وأينعت الثمار، وطمت الجمام، فإذا شئت فاقدم على جند لك مجند. والسلام عليك (3).
وروي أن الرسل تلاقت كلها عند الحسين عليه السلام، فقرأ الكتب، وسأل الرسل عن أمر الناس. ثم كتب مع هانئ بن هانئ السبيعي، وسعيد بن عبد الله. وكانا آخر الرسل:
بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملاء من المؤمنين والمسلمين. أما بعد. فإن هانئا وسعيدا أقدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم. وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم، إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم. فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت في كتبكم،ا قدم عليكم وشيكا أن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلا العامل بالكتاب والأخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله. والسلام .
وبعث الحسين إليهم مسلم بن عقيل، وكان ذلك لثمان ليال ماضين من ذي الحجة سنة 60. وكان الحسين قد خرج من المدينة إلى مكة لليلتين بقيتا من رجب سنة 60. وأقام بمكة شعبان وشهر رمضان وشوال وذا القعدة، ثم خرج منها لثمان ماضين من ذي الحجة يوم التروية (.
فلما دخل مسلم الكوفة تسامع أهل الكوفة بقدومه، فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين، فاجتمع على بيعته من أهلها اثنا عشر ألفاً ثم تكاثروا حتى بلغوا ثمانية عشر ألفاً فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها فقد تمت له البيعة.
فانتشر الخبر فكتب يزيد بن معاوية لعامله على الكوفة ابن زياد بأن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله أو ينفيه عن البلد .
بعد ان بايع مسلم بن عقيل عليه السلام الالاف من مريديه حيث استطاع بشخصيته و شجاعته و ورعه و حبه للحق و وفائه للعقيدة و نصرة اهل بيت نبيه محمد صلى الله عليه و اله و سلم استطاع بكل ذلك أن يمهد الأرضية لاستقبال اهل الكوفة لإمامهم الحسين عليه السلام حتى جرى ما دبره عبيد الله بن زياد والي الكوفة للسيطرة على الأوضاع التي انفلتت سيطرته عليها و اتبع كل السبل التي أسعفته في إبقاء مسلم بعيدا عن أنصاره و مريديه.
فسمع مسلم الخبر فركب فرسه واجتمع معه أربعة آلاف من أهل الكوفة وتوجه إلى قصر ابن زياد، فدخل ابن زياد القصر وأغلق عليه الباب، فأقبل أشراف وأمراء القبائل بترتيب من ابن زياد في تخذيل الناس عن مسلم بن عقيل ففعلوا ذلك، فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: ارجع إلى البيت والناس يكفونك، كأنك غداً بجنود الشام قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟ فتخاذل الناس حتى لم يبق معه إلا خمسمائة نفس ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثمائة، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثون رجلاً، فصلى بهم المغرب ثم انصرفوا عنه فلم يبق معه أحد .
فلم يجد مسلم بن عقيل عليه السلام بدا من ان يقدم نفسه الزكية قربانا للعقيدة حيث انتهى به الليل الى دار المرأة المؤمنة طوعة التي استضافته حتى الصباح ليواجه العسكر القادمين لإحضاره الى ابن زياد.
و لم تطاوع نفس مسلم العزيزة و الأبيّة ان يستسلم لحكم الظالمين فواجههم مواجهة الأبطال حتى حفروا له حفيرة سقط فيها مثخنا بجراحه و قادوه مقيدا الى قصر الإمارة فادخلوه على ابن زياد فلم يسلم عليه فلما سألوه: لم لا تسلّم على الأمير ؟ قال مسلم عليه السلام: ليس هو لي بأمير انما أميري الحسين بن علي عليهما السلام فقال ابن زياد :سلمت ام لم تسلم فانك مقتول . و هذا امر لم يكن خافيا على مسلم في أن تكون نهاية السعداء على أيدي الأشقياء.
و فعلا اصعدوه الى سطح قصر الإمارة و قبل ان يضربوا عنقه صلى ركعتين لتكون خاتمته من الدنيا ذكر الله تعالى .
ثم إن ابن زياد قتل معه أناساً آخرين وبعث برؤوسهم إلى يزيد بن معاوية إلى الشام.
. و اسدل الستار على مرحلة حساسة من تاريخ الكوفة بشهادة مسلم بن عقيل عليه السلام و انتهت السفارة الحسينية الى الكوفة بقتله ولا يدري أهل الكوفة ماذا ينتظرهم من الامتحان في قادم الأيام.
فسلام على مسلم بن عقيل بن أبي طالب يوم بعثه الحسين عليه السلام سفيرا الى اهل الكوفه و يوم خرّ من أعلى القصر قتيلا شهيدا سعيدا و يوم يقوم يطالب بظلامته و ظلامة اهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عند قيام الناس لرب العالمين.
إذا كنت ما تدرين ما الموت فانظري الى هانئ في السوق و ابن عقيل
إلى رجل قد هشمّ السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيل
أصابهما فرخ البغي فأصبحا أحاديث تتلى بكل ســــــبيل
***
بكتك دما يا ابن عم الحسين دموع شيعتك السافحة
أتقضي و لم تبكك الباكيات أما لك في المصر من نائحة
أسحلا تجر باسواقهم ألست اميرهم البارحة
( الزاكيات الطيبات فيما تغتدي و تروح عليك يا مسلم بن عقيل)