بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله


السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله وبركة
﴿ ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب ﴾ «هود 88». صدق الله العلي العظيم. لا زلنا في رحاب عاشوراء نستلهم منها ما امكننا من الدروس والتي تعيننا على اجتياز ما تمر به الامة الإسلامية من محن ومصاعب وعقبات وعوائق. من هذه الدروس الاصلاح فان أول شعار اطلقه الامام الحسين ليكون عنوانا لحركته المباركة هو قوله: «اني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر».
فــالاصلاح في حركة الامام الحسين المركزية والمحورية التي تليق بهذا العنوان في مثل تلك الحركة ويستفاد من تلك الآية التي صدرت بها كلامي وهي قوله تعالى على لسان شعيب ان من أهم وظائف الأنبياء والرسل إصلاح أحوال الامم وإصلاح الدنيا والسعي في الأرض بالإصلاح وإصلاح ذات البين. وقد تكرر في القران الكريم عنوان الاصلاح وقرن بتقوى الله عز وجل: ﴿ فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم ﴾ «الانفال، 1». والإصلاح في هذه الآية لا يختص بمثل الاصلاح بين اثنين من المؤمنين متشاجرين بل يشمل اصلاح ذات البين في عامة ما يرتبط بشؤون المؤمنين والناس ولما قال أمير المؤمنين: «الله الله في نظم اموركم» كان ينطلق من مبدأ الاصلاح الذي تتوقف عليه سعادة الإنسان في هذه الدار.

لذلك اقترنت البعثات والرسل بدعوى الاصلاح. نحن نجد ان شعيبا أهم ما ذكر القران الكريم من عناصر رسالته اصلاح الكيل والموازين ﴿ اوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين ﴾ «الشعراء، 181». ونجد ان القران نبه على ان الذين خالفوا شعيبا كانوا هم الاخسرين، لان الله عز وجل انزل عليهم العذاب الأليم. فالقران والدين والرسالات السماوية عندما تنبه على المصالح الدنيوية تجد في هذا التنبيه ما يدل عل ان المصلحة الدنيوية التي يقررها القران هي عين ما ذكره القران في خلافة ادم. الله عز وجل جعل الإنسان خليفة في الأرض ليعمر هذه الأرض، وليبعث هذه الأرض على الازدهار، وليحي هذه الأرض لا ليلهث وراء مصلحته بحيث يكون ذلك إفسادا في الأرض: ﴿ ولا تعثوا في الارض مفسدين ﴾ «الأعراف، 74». فالإصلاح حقيقته هو العبادة لكن باتباع الأنظمة التي جاء بها الرسل والأنبياء ومنهم نبينا محمد.
الأخذ على أيدي المفسدين:
ورد في حديث خاص رواه العامة في كتبهم - وأنا انقله بتصرف - ان مثل المجتمع مثل السفينة ذات الطابقين. في الطابق الأول أناس صلحاء، وفي الطابق الأسفل أناس يعيثون في الارض فسادا فان ترك أهل الطابق الأول اهل الطابق الاسفل هلك اهل الطابق الاسفل واهل الطابق الاول، لانهم ان خرقوا السفينة غرقت السفينة بكلا الطابقين. وان اخذ اهل الطابق الاعلى على ايدي اهل الطابق الاسفل ونهوهم وزجروهم ومنعوهم من الافساد نجوا وانجوا.
وهكذا حال المجتمع الواحد ان تركنا المجتمع يمشى على هوى افراده والهوى لا يمكن ان يأمر الا بالشر. هلك الصلحاء والاتقياء وغيرهم. وان امر اهل المعروف بالمعروف ونهوا عن المنكر نجى المجتمع كله. لذلك من النتائج التي وجدانها في حركة الامام الحسين انها منعت نزول العذاب على هذه الامة، وهو عذاب الكفار. لولا حركة الامام الحسين لاستأصلت هذه الامة لانه لم يبق من الاسلام الا رسمه وعنوانه. وإذا وصل المجتمع الى هذا الحد بحيث لا يكون هناك جماعة تامر بالمعروف وتنهي عن المنكر استحقوا العذاب لان هذا المجتمع لن يلد الا فاجرا او كفارا حسب ما ورد في القران الكريم: ﴿ ولا يلدوا الا فاجرا كفارا ﴾ «نوح، 27».
-إتباع مسلك الامام الحسين في الاصلاح:
ان الاصلاح ينبغي ان يكون على مسلك الامام الحسين. ورد في الروايات ان الامام الحسين في طريقه الي كربلاء نزلت عليه ملائكة من السماء وعرضت عليه النصر، فاختار الامام الحسين المضي والاتكال على الله سبحانه وتعالى من دون الاستعانة بهم. فأمر الله عز وجل هؤلاء الملائكة ان يبقوا عند قبره يستغفرون لزواره، ومنتظرين لخروج الامام الطالب بثأره عجل الله فرجه الشريف.
الأخذ بالأسباب الطبيعية في عملية الاصلاح:
ان مثل هذا المضمون في هذا الحديث ورد في حق نبينا. النبي عرضت عليه كنوز الارض وخير بين ان يكون ملكا رسولا، وبين ان يكون عبدا رسولا. فاختار ان يكون عبدا رسولا يجوع فيسأل الله مرة ويشبع فيشكر الله أخرى.
يستفاد من مثل هذه المواضيع وغيرها: ان الشريعة تريد منا ان الاصلاح بالاسباب الطبيعية، باتباع الاسباب والقوانين التي اودعها الله عز وجل في هذه الارض اعتمادا على قدراتنا الذاتية، من دون ان نسعى وراء القوى الغيبية والروحية وغير ذلك. فليس من الدين ولا من شأن الأنبياء والرسل ان يصلحوا المجتمع بدعوة في ظهر الغيب، وفي بطن النيل لينزل جبرائيل ويمسح على عقول الناس مرة واحدة ليهتدوا. الله عز وجل يقول: ﴿ ان الله على كل شئ قدير ﴾ «البقرة، 106».
مفهوم هجرة المجتمع:
الهجرة لا تكون كذلك، زيد وعمرو مخيران بين حالتين:
- اما ان يهاجروا كما قال الله تعالى: ﴿ قالوا الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها ﴾ «النساء، 97».
- واما ان يظهروا معارضتهم لتلك الظاهرة المنهي عنها.
لم؟ لانهم لو سكتوا عن هذه الظاهرة سوف يرسخ في هذا المجتمع رئاسة اهل الفساد والفسق. وبالتالي يكون حال هذا المجتمع ما يقوله أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا رأي لمن لا يطاع». فاذا وجد من له رأي ولكنه لا يطاع كان هذا المجتمع مجتمعا فاسدا يستحق العذاب. والعذاب درجات ومنه: الاستئصال، ومن درجاته ما ورد في الرواية: «لم يزل أمرهم في انفكاك» أي يزداد هذا المجتمع في انحطاط بمقدار انزواء اهل الصلاح، وتصدي اهل الفساد، وبذلك يزداد المجتمع انحطاطا. وهكذا ولا يكفي اهل الصلاح ان يقولوا قد اجتنبناهم. حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ واذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم او معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة الى ربكم ولعلهم يتقون ﴾ «الاعراف، 164».
المجتمع الصالح:
اما الذي ياخذ الجانب السلبي ويقول انني لم ارض. فقد ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام): «من لم ينصر الحق فقد خذله». ووجد في التاريخ عن بعض الصحابة من قبع في بيته بدعوى اجتناب الفتنة وان الساعي فيها شر من القاعد، والقاعد فيها شر من المضطجع وهكذا. وأسماؤهم معروفة في التاريخ هؤلاء يستحقون من العذاب ما استحقه من وقف في جه امير المؤمنين (عليه السلام)، لأن المآل والنتيجة واحدة. والذي ساعد المجتمع على ان يستعصي على مثل أمير المؤمنين (عليه السلام), هو هذه المسألة.
ولذلك نقول ان المجتمع الفاسد هو من يكون الرأس فيه لأهل الفسوق والطاعة فيه لأهل الفجور. واما المجتمع الصالح فليس هو المجتمع الذي يكون فيه صلحاء، بل المجتمع الذي يتبع الصلحاء، ويبتغي الصلاح ويرفض اأهل الفسق والفجور والإفساد.
لذلك لو طبقنا هذا على المجتمع النبوي، القران الكريم يقول: ﴿ ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين امنوا ﴾ «البقرة، 8-9». القران الكريم يقسم المجتمع في عهد النبوة الشريفة الى فريقين: فريق فساد، وفريق صلاح وايمان. هؤلاء المنافقون يقال لهم لا تفسدوا في الارض، قالوا انما نحن مصلحون. هؤلاء كان يواجههم فريقان: فريق مؤمن كان يرفضهم ويرفض مبايعتهم ومعاشرتهم وغير ذلك. وهؤلاء هم الذي وقفوا مع النبي الى ما بعد وفاته. وهناك اناس يخالطون هؤلاء ويقولون نحن معهم بألسنتنا وخلافهم في قلوبنا، هؤلاء زادهم الله مرارة وأصابهم بعض ما أصاب هؤلاء المنافقين من العذاب لانهم لم ينهوا المنافقين. والنهي ان يتمعر وجه الانسان وان يغيره بيده وادنى مراتب التغيير ان يجتنب الانسان هؤلاء بحيث يوجد في المجتمع ظاهرة تكون معارضة لظاهرة الفساد.
نسأل الله عز وجل ان يرزقنا واياكم الصلاح والإصلاح والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله.