بسم الله الرحمن الرحيم
الَلهّمّ صَلّ عَلَىَ محمدوآل مُحَّمدْ الَطَيبيِن الطَاهرين الأشْرَافْ وَعجَّل فَرَجَهُم ياكريم.
معرفة الله
1- إنَّ حبّ الاستطلاع والتعرف على عالم الوجود كامن في اعماقنا جميعاً.
إنَّنا نريد أنْ نعرف حقّاً: هل هذه السّماء الرفيعة بنجومها الجميلة، وهذه الارض المنبسطة بمناظرها الاخّاذة، وهذه الكائنات المتنوعة، والطيور الجميلة، والاسماك الملونة في البحار، والزهور، والبراعم والنّباتات، وأنواع الاشجار السّامقة، هل هي كلّها قد وجدت في هذا الكون لوحدها، أم أنَّ هذه الصور العجيبة قد رُسمت بيد ماهرة قادرة مدبّرة؟
ثمّ إنَّنا إذا تجاوزنا ذلك كلّه، فإنَّ الاسئلة الاولى التي تراود خواطرنا في الحياة هي:
من اين جئنا؟ أين نحن الآن؟ والى اين سائرون؟
ما أعظم سعادتنا لو إننا عرفنا الاجابة على هذه الاسئلة! أي أنْ نعرف كيف بدأت حياتنا؟ والى أين سيكون مصيرنا في النهاية؟ وما الذي ينبغي أن نفعله الآن؟
إنَّ روح حبّ الاستطلاع فينا تفرض علينا أنْ لا نجلس دون حراك حتى نعثر على أجوبة هذه الاسئلة.
قد يتفق أن يصاب أحدهم في سيّارة و يغمى عليه، فيؤخذ الى المستشفى لمعالجته. وعندما يفيق من اغماءته و يتحسن حاله، يكون أوّل سؤال يطرحه على من حوله هو: أين أنا؟ لماذا جيء بي الى هنا؟ متى أخرج؟ وهذا يعني أنَّ الانسان لا يستطيع أنْ يلزم السّكوت نحو أمثال هذه الاسئلة.
وعليه، فإنَّ أوّل ما يحملنا على البحث عن الله ومعرفة خالق عالم الوجود هو روح حبّ الاستطلاع المتعطشة فينا.
2- عرفان الجميل: لنفرض أنّك قد دُعيت الى وليمة فخمة، هيأوا لك فيها كلّ أسباب الضيافة الكريمة والترحيب بك وراحتك، ولكن بما أنّك قد حضرت الوليمة بصحبة أخيك الأكبر الذي دعاك اليها، فإنَّك لا تعرف مضيفك حقّ المعرفة. لذلك فانت عندما تجد كل هذه الحفاوة والتكريم من صاحب البيت، يكون جلّ همك أن تتعرف عليه لكي تقدم له ما يستحقه من آيات الشكر اعترافاً بجميله.
كذلك هي حالنا عندما ننظر الى مائدة الخلق الواسعة حيث نجد عليها مختلف أصناف النّعم وقد وضعت تحت تصرفنا: عيون ناظرة، وآذان سامعة، وعقول ذكية، وقوى جسمانية ونفسانية متنوعة، ومختلف سبل العيش، ورزق طيب و طاهر، كلّها قد عرضت على هذه المائدة الفسيحة الشّاسعة، فيتجه فكرنا دون اختيار الى ضرورة معرفة واهب كلّ هذه النّعم لكي نقدم له فروض الشكر وإنْ لم يكن بحاجة الى شيء من شكرنا، وما لم نفعل ذلك نصاب بالقلق وبإنَّنا نفتقر الى شيء ما. وهذا محفز آخر يدفعنا للبحث عن الله و معرفته.
3- حساب الرّبح والخسارة في هذا البحث: افرض أنَّك في سفرك قد بلغت مفرق طرق أربعة حيث تسمع الناس يتنادون أنْ لا تمكثوا في هذا المكان، ففيه اخطار كبيرة. إلاّ أنَّ كل فريق يدعوك الى سلوك أحد تلك الطّرق، فهذا يقول: أفضل الطريق هذا الذي يتجه الى الشرق. ويقول فريق آخر: بل الطريق المؤدي الى الغرب أكثر اطمئناناً. فريق ثالث يدعوك الى طريق وسط بين الطّريقين، قائلاً: أنَّه الطريق الوحيد الذي ينجيك من المخاطر ويوصلك الى حيث الأمن والأمان وكلّ أنواع السعادة.
فهل يجوز لنا أن نسلك أحد تلك السبل دون تمعّن أو دراسة؟ أم هل يرتضي لنا العقل أنْ نمكث هناك دون أن نختار واحداً من تلك الطّرق؟ طبعاً لا.
إنَّ العقل ينصحنا بأن نبادر فوراً الى دراسة الوضع وتمحيص أقوال كل فريق بدقة، فاذا وجدنا في أقوال أحد الفرق دلائل مقنعة من الصدق و الصحة أخذنا بها، وسلكنا ذلك الطريق بكل اطمئنان وثقة.
هكذا نحن في هذه الدّنيا، حيث نجد مختلف المذاهب والاتجاهات تدعونا إليها. ولكن لما كانت سعادتنا وتعاستنا، تقدّمنا وتأخرنا، منوطة بدراسة هذه الاتجاهات واختيار أفضلها، فإنَّنا لا نجد بداً من أنْ نفكر في الامر، لاختيار الطريق الذى يؤدي بنا الى التقدم والتكامل، وتجنّب الطريق الذي يوصلنا الى منزلق التعاسة والفساد والشقاء.
وهذا دافع آخر يدفعنا لإمعان الفكر في خالق عالم الوجود.
يقول القرآن الكريم: ?فَبَشِّرْ عِبادِ الّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَولَ فَيَتَّبِعُونَ أحْسَنَه?،(الزّمر:17، 18)
*سلسلة دروس في العقائد الاسلامية،آية الله مكارم الشيرازي