26.Nov.203
اتفاق البرنامج النووي الإيراني يثير قلقا في إسرائيل ودول الخليج


يرى مسؤول سعودي أن الاتفاق "أعطى (إيران) مساحة وحرية أكبر (للتحرك) في المنطقة"

شاشاك دوشي- زميل في المعهد الملكي للخدمات المتجدة
بدا الاتفاق الذي أبرم نهاية الأسبوع الماضي بين إيران والقوى الغربية، وزاد في إبعاد إيران عن الأسلحة النووية، الإنجاز الأكثر أهمية في مسار النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني المتواصل منذ عشر سنوات.
بيد أنه بالنسبة لإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها من الأنظمة الملكية في المنطقة، حملت الصور التي خرجت مؤخرا، وتظهر احتفال حلفائهم الأمريكيين والأوروبيين بذلك الاتفاق مع خصمهم التاريخي إيران، دلالات غير مريحة.
ولم تكن ردود الافعال عدائية بالكامل، إذ قالت دولة الإمارات العربية المتحدة إن هذا الاتفاق قد يدعم "استقرار المنطقة"، وقال وزير الخارجية البحريني إنه (الاتفاق) "يبعد المخاوف عنا، سواء من إيران أو من أي دولة أخرى".
على أن اطرافا اخرى لم تكن بهذا القدر من الإيجابية. فقد أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن هذا الاتفاق كان "خطأً تاريخيا" من شأنه أن "يجعل من العالم مكانا يكتنفه المزيد من الخوف".
وحذر أحد مستشاري السياسة الخارجية السعوديين من أن صفقة الـ "خدمة مقابل خدمة" التي قدمها الغرب لإيران "أعطتها مساحة وحرية أكبر (للتحرك) في المنطقة".

فما الذي يفسر ذلك القلق؟

لقد نظرت إسرائيل والأنظمة الملكية العربية إلى إيران، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 ، بوصفها الخطر الأكبر. فإيران دابت على تقديم الأموال والصواريخ المتطورة لجماعات مسلحة على حدود إسرائيل، وأقواها حزب الله اللبناني.
وترى الأنظمة الملكية العربية أن إيران أفسدت عليها فكرة قيادتها السنية لدول ذات غالبية سنية، عبر دعمها المجتمعات المحلية الشيعية الساخطة فيها.

إهانة وجرح

وفي عام 2003، حول الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العراق من عدو لإيران إلى حليف لها. ووقفت الولايات المتحدة أيضا متفرجة وهي تتابع الإطاحة بنظام آخر معاد لإيران بقوة في مصر.

زاد الاتفاق في إبعاد إيران عن امكانية انتاج أسلحة نووية

وقد صُدمت السعودية مؤخرا عندما ألغت الولايات المتحدة فجأة ضربات صاروخية خططت لشنها على النظام السوري، مبددة ما كانت تراه الرياض أفضل فرصة لتحجيم النفوذ الإيراني منذ أعوام.
كما أن معرفة السعوديين بخبر إلغاء تلك الهجمات من شبكة سي أن أن التلفزيونية الإخبارية، بدلا من أن يخبرهم المسؤولون الأمريكيون بذلك بشكل مباشر، أضافت إهانة إلى الجرح الذي شعروا به.
من هنا بدت الدبلوماسية بشان البرنامج النووي، بالنسبة لهذه الدول، تعني شيئا اكبر من مجرد نزاع نووي. فهم قلقون من الغرب قد سارع إلى تخفيف ضغطه بشكل مبكر على إيران قبل أن تستلم بشكل كامل، تاركا لإيران البنية التحتية الكافية التي تسمح لها ببناء قنبلة نووية في المستقبل.
وتستاء تلك الدول بشكل خاص من أن هذه الاتفاقية تعطي تصورا بالسماح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم في أجل غير مسمى (وإن كانت تحت قيود ثقيلة). وهو ما تعارضه إسرائيل بشكل خاص.
بيد أن مصدر قلقهم الأكبر يتمثل في أن ذلك الاتفاق سيفتح الباب أمام دمج الولايات المتحدة لإيران في المنطقة. والذي إذا ما قُرن بالتركيز الأمريكي المتزايد على آسيا، فإنه سيؤدي إلى تآكل مطرد في توجه الولايات المتحدة وقدرتها على حماية مصالح إسرائيل والعرب في مواجهة التدخلات الإيرانية.
ويؤجج هذا الخوف من تخلى الولايات المتحدة، على نحو ما، مخاوف قديمة لدى هذه الدول. ففي إحدى الرحلات التي قمت بها مؤخرا إلى الخليج، قال لي مسؤول من إحدى الدول العربية "يمكننا تذكر الزمن الذي كانت فيه الولايات المتحدة الأمريكية أقرب إلى إيران منها إلى المملكة العربية السعودية"، في إشارة إلى فترة حكم الشاه في إيران.


أفادت تقارير أن الولايات المتحدة كانت تعقد محادثات ثنائية سرية مع إيران منذ ما قبل انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني في يونيو/حزيران

وعلى الرغم من أن تلك المخاوف بدت مبالغا بها، إلا أنها متأصلة بشكل قوي ومنتشر في منطقة الشرق الأوسط. ولا تتعزز بخلاصة ذلك الاتفاق ،حسب، بل بالطريقة التي أبرم بها أيضا.
وقد أفادت تقارير أن الولايات المتحدة كانت تعقد محادثات ثنائية سرية مع إيران منذ ما قبل انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني في يونيو/حزيران، وضمنها الفترة التي ألغت ضرباتها المقررة على سوريا. وقد كشفت المملكة العربية السعودية لإسرائيل معلومات عن تلك الاتصالات السرية.

تقارب سعودي إسرائيلي

ويضعنا ذلك أمام اتجاهين مثيرين للاهتمام، أولهما: أن وجهات النظر السعودية والإسرائيلية تتقارب بشكل متزايد، على الرغم من أن النظام السعودي لا يعترف بإسرائيل كدولة.
وثانيهما يتمثل في تزايد قناعة حلفاء الولايات المتحدة بأن التعاون ما بين هذه الأخيرة وإيران، سيكون بشكل لا يمكن تجنبه، على حساب الدول العربية وإسرائيل. وهي وجهة نظر ستتعزز إذا ما شاركت إيران في محادثات السلام التي تقودها الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا.
والسؤال هنا كيف ستستجيب تلك البلدان لهذه المستجدات؟ لقد حذر مسؤولون إسرائيليون من أنهم ليسوا ملزمين ببنود هذا الاتفاق، في تهديد ضمني بأن الخيار العسكري ما زال مطروحا على الطاولة، بينما أشار مسؤولون سعوديون إلى إمكانية حصولهم على سلاح نووي من باكستان.
بيد أنه لا يتوقع حدوث أي من هذه الخطوات خلال فترة الاتفاق المؤقت هذه. إذ قال عاموس يادلين، المدير السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إن "مشروعية شن هجمة على إيران ستتضاءل خلال الأشهر الستة القادمة".
إلا أن الولايات المتحدة وإسرائيل سبق أن تعاونتا في شن هجمات إلكترونية ضد إيران. وينتشر عن إسرائيل أيضا قيامها باغتيال علماء إيرانيين متخصصين في المجال النووي، وهو أمر لا يمكن استبعاده على الرغم من أنه قد يفضي إلى غضب الإدارة الأمريكية وكل من شاركوا في التفاوض من أجل ذلك الاتفاق.
وإذا لم تتبع ذلك الاتفاق تسوية طويلة الأمد، وجددت إيران توسيع نشاطها النووي، فستزداد حينئذ مخاطر شن إسرائيل لهجمات جوية عليها.
ومن المستبعد أن تقدم المملكة العربية السعودية دعما عسكريا مباشرا لأي هجمة تشنها إسرائيل على إيران، إلا أنها قد تفتح مجالها الجوي بشكل سري أمام المقاتلات الإسرائيلية –حسبما ورد في صحيفة صنداي تايمز البريطانية هذا الشهر-.
ومن المحتمل أيضا أن تزدهر الاتصالات الاستخباراتية ما بين السعودية وإسرائيل، في ظل تصيدهما لأي علامة تظهر تلاعب إيران بذلك الاتفاق. إلا أن أيًّا من البلدين لا يستطيع أن يدفع الولايات المتحدة الأمريكية بعيدا جدا في هذا الصدد.
إن اتفاقية جنيف خطوة أكثر تواضعا خلّفت وراءها عملا كثيرا لم يُنجَز بعد، إلا أن بعض حلفاء الولايات المتحدة ينظرون إليها على أنها علامة مقلقة عما سيأتي، لذا ستنصب أولوياتهم على ضمان ألا يستحيل ذوبان الجليد في موضوع البرنامج النووي الإيراني إلى إعادة ترتيب الاصطفافات في المنطقة.