بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



قال الله عز وجل : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ سورة البقرة : (155)
العالم يعج بالمصائب والويلات والامتحانات بمختلف أشكالها فمن حروب طاحنة ومدمرة تهلك الحرث والنسل وتأتي على الأخضر واليابس وتهدم البيوت والعمارات الشاهقة على رؤوس ساكنيها وتقتل عشرات الآلاف بل مئات الآلاف وكلما تقدم الزمن تقدمت وتطورت وسائل الحرب والإبادة البشرية كما في الصواريخ عابرة القارات والقنابل النووية وغيرها .
ومن أمراض فتاكة لا تقل أثراً عن الحروب الهمجية قد فلتت من بين يدي الإنسان لتعمل فعلتها في بني البشر وعجز الطب الحديث عن مقاومتها والقضاء عليها .
ومن فقر مدقع انتشر في كثير من البلدان . يضاف إلى ذلك موت الفجأة ، كل هذه وغيرها امتحان لمن يعيش في دار الدنيا شاء أم أبى و رضي أم جزع .
الاختبار
لابد من الاختيار والامتحان مهما كانت أسبابه من الظلم والعدوان أو التقصير في حق الله أو حق الآخرين أو أسباب خارجة عن قدرة العبد وتعود إلى أسباب طبيعية وكونية ولم يكن للإنسان مدخل فيها . هذا قانون إلهي لابد أن يجري .
الاختبارات لابد فيها من نجاح ورسوب فينجح من حقق مقومات النجاح ويرسب من أهمل وغفل عن الله سبحانه .
لماذا الاختبار الإلهي ؟
الناس يقومون بامتحان الآخرين ليتعرفوا على قدراتهم ومعلوماتهم وينكشف لهم ما يجهلون ، وهذا لا يتمشى معه سبحانه وهو العالم بكل الأشياء صغيرها وكبيرها ولا يخفى عليه حال الإنسان فلماذا هذا الامتحان إذن ؟
الجواب
1. إن بعض المصائب والابتلاءات تكون لبعض الناس عقاباً لهم على ما قاموا به من ظلم وعدوان أو مخالفات إلهية فيكون ذلك جزاء لهم .
وهذا الانتقام والعقاب مهما كان فإنه أهون من عذاب الآخرة وعقابها ، فهذا العقاب قد يكون رحمة به من الله سبحانه . فباطنه الرحمة وظاهره العذاب
.
2. إن هذه الابتلاءات والاختبارات هي تربية للعبد وتصفية له لإخراجه من وحل المستنقعات الدنيوية إلى الدرجات العلى والمقامات الرفيعة والقرب من الله سبحانه، قال تعالى : ﴿ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ سورة آل عمران : (154)
فالله عالم بما في الصدور ولكن يمتحنهم ليمحص ما في قلوبهم ويصفيهم ويربيهم ويخرج تلك الطاقات الكامنة فيهم ويبرزها من القوة إلى الفعل وهذه سنة كونية ، ويقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام حول سبب الامتحانات الإلهية : (......... وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ، ولكن لتظهر الأفعال التي يستحق الثواب والعقاب ) نهج البلاغة : الكلمات القصار رقم 93
وإن كانت الامتحانات والمصائب مرة ومؤلمة إلا أنه بعد تفجير الطاقات الإيمانية الكامنة عند الإنسان والالتزام بها بعد ذلك يجد العبد لذة الإيمان والفوز بالسعادة لذلك ورد عنهم عليهم السلام : ( ساعات الهموم ساعات الكفارات ) من لا يحضره الفقيه ج4 ص 391 ح5834 .
الامتحان
الاختبار والامتحان و الابتلاء عام لمختلف الطبقات فيدخل فيهم الانبياء والأولياء والصالحون وغيرهم ، قال تعالى : ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ﴾ سورة العنكبوت : (2) .
فالابتلاء شامل وعام للناس جميعا على مختلف مستوياتهم وعقائدهم .
ويعرض القرآن الكريم أمثلة ونماذج للأنبياء عليهم السلام ، قال تعالى : ﴿ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ ﴾ سورة البقرة : (124) .
وفي الحكاية عن سليمان عليه السلام قال : ﴿ فَلَمَّا رَءاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ﴾ سورة النمل : (40) .


طرق الاختبار
الآية المباركة عرضت نماذج من طرق الاختبار والامتحان :
1- الخوف .
2- الجوع .
3- النقص في الأموال .
4- النقص في الأنفس يعني كثرة الموتى
. الآية لم تحصر طرق الابتلاء بذلك فيوجد طرق أخرى قد أشار إليها القرآن الكريم والأحاديث الشريفة .
5- الخير والشر قال تعالى : ﴿ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ سورة الأنبياء : (35) .
6- الهم والغم .
7- المكر من الله أو بين الناس بعضهم بعضاً .
8- الاولاد
9- الزوج والزوجة
10- الاموال وغيرها
عوامل النجاح
عوامل النجاح في الامتحان الإلهي كثيرة أشارت الآية المباركة إلى خلاصتها وهي :
1. الصبر: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ فالصبر رمز الانتصار و لا يمكن لأحد أن ينجح بدون صبر
2. الاعتراف بالعبودية لله:
وقد أشارت الآية المباركة إلى ذلك عند اعتراف الصابرين بقولهم ﴿ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ﴾ سورة البقرة= 350) this.width = 350; return false;">156) اعتراف بالملك لله والعبودية له والرجوع إليه.
3. قوة الإيمان :
فإن قوة الإيمان بالله والألطاف الإلهية تجعل العبد قريباً من الانتصار قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ سورة العنكبوت : (69)
4. معرفة تاريخ أهل الابتلاء :
فإن معرفة من مر من الأقوام بالامتحان يهون عليه الخطب ويحصل لديه الثبات .
5. معرفة أن الله عالم بكل ذلك :
فإن الانسان إذا كان عنده اعتقاد أنما يجري عليه بعلم من الله فإن الامتحان سيهون عليه ، قال تعالى : ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ سورة هود : (37)
وعندما اشتد الخطب والابتلاء والامتحان بسيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام قال : ( هوّن عليّ ما نزل بي أنه بعين الله ) البحار ج45 ص 46

لمن المفزع ؟
إن الإنسان عندما يمر بالامتحان والابتلاء لابد له من مرجع يرجع إليه ولابد له من مفزع يفزع إليه . الحديث التالي يعرض لنا نماذج في حل مشاكلنا وامتحاناتنا :
روى محمد بن أبي عمير عن أبان بن عثمان وهشام بن سالم ومحمد بن حمران عن الصادق عليه السلام قال : ( عجبت لمن فزع من أربع كيف لا يفزع إلى أربع ، عجبت لمن خاف كيف لا يفزع إلى قوله عز وجل ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ سورة آل عمران= 350) this.width = 350; return false;">173) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها ﴿ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ ﴾ سورة آل عمران= 350) this.width = 350; return false;">174) وعجبت لمن اغتم كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : ﴿ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ سورة الأنبياء= 350) this.width = 350; return false;">87) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها : ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ سورة الأنبياء= 350) this.width = 350; return false;">88) وعجبت لمن مُكر به كيف لا يفز إلى قوله تعالى : ﴿وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ سورة غافر= 350) this.width = 350; return false;">44) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها : ﴿ فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾ سورة غافر= 350) this.width = 350; return false;">45) وعجبت لمن أراد الدنيا وزينتها كيف لا يفزع إلى قوله تعالى : ﴿ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ ﴾ سورة الكهف= 350) this.width = 350; return false;">39) فإني سمعت الله عز وجل يقول بعقبها ﴿إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا* فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ سورة الكهف= 350) this.width = 350; return false;">39،40) – وعسى موجبة - (من لا يحضره الفقيه ج4 ص 392 ح 5835 ).
الخوف
يمكن أن يقسم إلى أقسام :
1. الخوف من الله .
2. الخوف من مقام الله .
3. الخوف من أهوال يوم القيامة وما يحل به في الآخرة .
4. الخوف في الدنيا وما يحل به من نكبات وويلات .
وباعتبار آخر ينقسم الخوف إلى :
1- محمود .
2- مذموم .
1- هو الخوف من الله ومعنى الخوف من الله ليس أن يخاف أن يظلمه وإنما يخاف العبد أن يقصر في حق مولاه وهو في نفس الوقت يطمع فيما عند الله ، قال تعالى : ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ سورة السجدة : (16)
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله : ( أعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه ) البحار ج74 ص 180 وهذا خوف محمود بل مطلوب .
2 - الخوف من مقام الله كما قال تعالى : ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ سورة النازعات= 350) this.width = 350; return false;">40،41) فهذا الخوف ثمرته الجنة .
3 - الخوف من أهوال يوم القيامة فالشعور بوخامة الموقف وأنه قصر في أداء واجباته وهذا أيضا خوف محمود قال تعالى : ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ ﴾ سورة هود= 350) this.width = 350; return false;">103).
4 - الخوف في الدنيا وهذا أسبابه عديدة منها مايصلح أن يكون مبرراً للخوف ومنها لا يكون مبرراً لذلك .
القسم الأول : الموت ، الاهمال في الواجبات الإلهية ، وهذا خوف محمود أيضاً ويلزمه أن يتدارك ما قصر فيه .
وأما القسم الثاني : فأمثلتها كثيرة ، الخوف من العدو، الخوف من الفقر ، من المرض ، عدم الحصول على أهدافه الدنيوية كالوظيفة أو الزوجة أو المنزل أو عدم النجاح….
وهذا الخوف الذي يوجب له القلق والاضطراب والكثير منها لا مبرر له وإذا كان بعضها لها أسبابها الطبيعية والعادية فإن الأكثر لا موجب للخوف فيها فإن سبب ذلك الخوف والاضطراب هو الشيطان ، قال تعالى : ﴿ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾ سورة آل عمران= 350) this.width = 350; return false;">175)
فيجب على الجميع اللجوء إلى الله والفزع إليه ولا ينافي ذلك الاستعداد لرفع أسبابها كالاستعداد للقاء العدو ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ سورة الأنفال : (60) .
فإذا فزع إلى الله فإن خوفه سوف يزول ، قال تعالى : ﴿ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ سورة يونس : (62) .
الغم
حالة الكآبة والهم والغم والحزن كثيراً ما يبتلى بها الإنسان ويذهب يميناً وشمالاً لأجل رفع هذا الكابوس الجاثم على نفسه وربما يرجع إلى بعض الحلول التي تزيد في الطين بلة وتضيف إلى همه هماً آخر . فالرجوع إلى قوله تعالى : ﴿لا َّإِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ وهذا الذكر الذي كان يكرره نبي الله يونس عليه السلام عندما ابتلي وصار في بطن الحوت ، وقد ذكر الشيخ جواد ملكي ( قدس ) أن هذا الذكر من أنفع الأذكار وأكثرها تأثيراً خصوصاً إذا كررها الذاكر ألف مرة في أثناء سجوده .
فالاعتراف من العبد بتقصيره وظلمه لغيره أو نفسه يفتح له باب الإجابة بل قد ضمن المولى له ذلك فقال : ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ فمن يفزع إلى الله بكل قوة وإخلاص سوف ينجح في الامتحان الإلهي والمؤمنون هم الناجحون .
المكر
المكر من الله حسن ومن الناس قبيح وليس بعجيب أن يبتلى الإنسان بمكر الأخرين وخدعهم والذي ينجيه من مكر الماكرين وخدعهم هو أن يفوض أمره إلى الله ويلجأ إليه كما قال تعالى : ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إلى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ .
من يريد الدنيا
إن أكثر الناس إن لم يكونوا كلهم عندما يريدون الدنيا وزينتها يذهبون ويبيعون الآخرة بأبخس الأثمان بينما الرواية تقول إذا أردت الدنيا فارجع إلى قوله تعالى ﴿ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ وهي تقول أن كل شيء في الوجود هو بيد الله وهو قادر على كل شي ، فلماذا يذهب الضعيف المحتاج إلى القوي ولا يرجع إلى من بيده ملكوت السموات والأرض وهو الله سبحانه .
فقوله : ﴿ فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ ﴾ وقال الشيخ الصدوق ( قدس ) فكلمة ( عسى ) لم تكن هنا للترجي و لا للتمني وإنما استعملت على نحو الإيجاب أي ربي سوف يعطني خيراً من جنتك.

والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين .

آية الله الشيخ حسين الراضي.