رحلتي مع البارود ( الحلقه الثانيه )
للبارود الاسود رائحة نفاذه يعشقها فقط من يهواه وانا من هواته الى اليوم ,, نكمل معاً ما بدأناه فى الحلقة الاولى من رحلتي مع البارود والتي وصلنا بها لوعد والدي ان يشتري لى بندقية صيد تحت مراقبته بشرط ان انتهي عن العبث بالسلاح .
بعد تكرار الطلب من والدي بتنفيذ الطلب احضر لى بندقية كاملة الملامح ولاكنها كانت بندقية هوائية اي لا تعمل على انفجار البارود ولمن لا يعرفها فهي بندقية تعمل على ضغط الهواء فى دفع مقذوف صغير من مادة الرصاص ويصل الى مسافات كافية لاصابة اي عصفور او حمامه وتحتوي على نيشان حساس وبالامكان تركيب ناظور لها
على قدر ما خاب ضني فى حمل سلاح الرجولة الا انى كنت فرح جداً بهديتي الجميلة والتي كنت افاخر بها اقراني وقد علمت لاحقاً ان سبب الهدية حتى ارافق والدي الى اغنامنا البعيدة ولكي يكف الناس من شري الذى لا ينتهي
كان الشرط ان لا استخدمها فى المنزل وفقط فى البر وبعيداً عن الناس وكان دائم التحذير لى من قوتها وان لا استهين بها فهي قاتله ان اصابت العين
كنت اجنى الكثير من العصافير واحياناً حمام القمري ( حمام البر ) واحزن ان مر فأر او سحلية صغيرة ولم ارديها بسرعة ومع الوقت كانت اصاباتى لكل ما هو حي لا تقبل شك او نقاش وقد كانت بندقيتى مدمرة لكل ما هو مفيد , فمن انارة الشوارع الى لافتات الاعلانات ولاحقاً صرت اتسلي وبكل قسوة بضرب القطط والكلاب الضاله
مع الوقت مللت منها وعاودنى حلمي القديم للبارود وهنا بدأت تنمو لدي فكرة كيف يصنع البارود , فانا محب لافلام الكاوبوي او القراصنة والتي يظهر بها براميل البارود وهي تنفجر
ولاكن فى بلادي التي تخلوا من اي مضاهر مسلحة الا من مسدسات صغيرة وبنادق الصيد فقد ... لا اذكر اننا شاهدنا الجيش او اسلحة رشاشة داخل المدينة , فقط رجال الشرطة من يحملون مسدسات والذين نادراً ما نشاهدهم ولهذا كان البارود عملة صعبة او لا يوجد احد يفكر به او يتكلم عنه
بعد فترة طويلة حل علينا ضيف قادم من بادية العراق وقد شاهد بندقيتي واخذ يعبث بها واخبره والدي بتجربتي الاجرامية فى البندقية التي قمت بتصنيعها , ضحك كثيراً وافاد انه صنع العشرات منها فى صغره ولاكنه كان ابرع اذ كان يصنع البارود
هنا ذهلت مما سمعت من الرجل العجوز وصرت اسقيه من القهوة المره تكراراً ومراراً حتى يسهر واتوحد به واخرج السر العظيم منه , وقد كنت انا المكلف بخدمته وبعد استأذان والدي للنوم اخذت اشرح له ما اقوم بصيده ببندقيتي وهو يسألني عن مواسم الطيور وبعد اخذ ورد سالته عن موضوع البارود
قال لى وهو لا يشك انى انوي المحاولة بتصنيع البارود ,,, انه كان يقوم بتصنيعه من ملح الصخر والكبريت والفحم .. قلت له وما هو ملح الصخر قال انه يتم استخلاص الملح من الصخور عبر غربلتها بالفحم والماء ومن ثم استخلاص الملح المترسب واستخدامه بعد فرزه بالكحول
قلت له وما العمل ان لم نجد ملح الصخر فعاودني بابتسامه قال هناك ما هو افضل منه قلت له ما هو قال مخلفات الماعز والغنم فهو يحتوى على ملح قوي لانتاج البارود ولاكنه عاود شرح نفس الطريقة
قلت له وعند احضارنا الملح ما العمل اللاحق لصنع البارود ... قال نحضر كبريت وفحم ناعم ونخلطه من كل صنف مكيال ثم نضيف اليه 6 مكاييل من الملح الصخري ونخلطهم جيداً ثم نضع معهم ماء ونسخنهم بحذر حتى يتبخر الماء وننشر الناتج فى الشمس حتى ينشف وبعدها نقوم بتنعيمه ويصبح لدينا بارود جاهز للعمل
علمياً اليوم ما يدعيه هذا الرجل العجوز هو انتاج نترات البوتاسيوم ويتم عبر احضار الصخور المفتته او الرمال فى المساكن المهجورة او الاراضى الغير زراعية والبكر ومن ثم يتم عمل فلتر او مرشح من الفحم وسكب الماء الحار عليه وما ينزل بالاسفل يكون هو البوتاسيوم بتركيز خفيف
يتم لاحقا غسله بالكحول فترتفع درجته عبر اقتناص الذرات المتبلورة من المادة المصفاه
لم اكن اعلم ان ما يعنيه هو نترات البوتاسيوم ولهذا سعيت بتجميع المواد .. الفحم كان اسهل مادة للحصول عليها والكبريت تم استعارته من مختبر المدرسة ولاكن كانت استعارة غير شريفة وتبقى لدي الملح الصخري والذى ساقوم بتصنيعه
الكبريت
احضرت روث الماعز والذى كنت اكرهه ولاكن فى هذا اليوم اصبح عزيز , قمت بطحنه وتتبعت العمليه باحضار قماش وضعت به فحم واغلقته جيدا ثم جعلت الفحم المغطي فى منتصف برميل صغير وسكبت فوقه الروث ومن ثم احضرت ماء ساخن وصرت اسكبه فوق الروث بمهل حتى انتهى الماء اخرجت الماء المتبقى فى البرميل ومررته بعملية تبخير وبالنهاية حصلت على ملح الصخر
عاودت العملية مرات حتى اصبحت لدي كمية جيدة وقد كانت العملية مضنيه ولاني لا املك الكحول فقد استعرت ايضاً قنينة كولونيا لعلمي ان بها نسبة كحول كبيرة , صرت اغسل الملح ولا اعلم كيف اصفيه بالكحول لانى لم اسئل العجوز ما هو عمل الكحول ولاكن بالنهاية اصبح لدي ملح صخري معطر
والان اتى دور خلط المقادير ,,, قمت بطحن كميه صغيرة من الكبريت الاصفر ذو الرائحة القوية وصنعت لى مكيال عبارة عن غطاء علبة دواء , واحضرت الفحم الناعم واخذت منه مكيال وخلطته مع الملح الصخري الذى قمت بانتاجه من روث الماعز
ونسبة الخلط ستكون 3 ارباع الكمية من الملح الصخري والربع الاخير موزع بالتساوي ما بين الكبريت والفحم المطحون
لخوفى من اشتعال الخليط فى عملية التسخين الاخيرة احضرت سخان كهربائي لا يوجد به نار وصرت اسخن الخليط بعد ان خلطته بالماء واخذت اقلبه وهو يقلي وكل خوفى ان ينفجر بوجهي باي وقت ... فالعجوز كان يقول ان البارود غالباً ما يحرق صاحبه ان تهور بالتعامل معه
بعد انتهاء التسخين قمت بنشره بالشمس حتى ينشف ومن الغد كان بارودي جاهز للعمل بعد تنعيمه بشكل جيد .... وهو جاهز للتجربة
قمت بتفريغ طلقة خرطوش واخرجت بارودها حتى تكون معاينة الجودة بشكل جيد ... وفى لحظة التجربة لاحظت ان بارودي بطيئ الاشتعال وذو دخان كثيف ... لقد كان اشبه باي منتج رديئ ... كانت النتائج محبطة رغم انه اشتعل ولاكن سيكون درجة عاشرة بالنسبة للبارود الاصلي
فى الحلقة القادمة نكمل مسيرة رحلة البارود