خطورة الجهل

قال الإمام الصادق عليه السلام في حديث طويل: من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كالرجل الذي اشتهر بين العامة من الناس بالخير والإحسان إلى الآخرين، فكانوا يعظمونه ويبجلونه، وكان ذكره يتردد على الألسن والمدح والثناء يزجى إليه من كل حدب وصوب، وكانت شهرته بالتقوى والصلاح قد طغت حتى فاضت بها القلوب والأفواه. أما الكلام عن شرفه وسخائه فقد كان يدور في كل ناد ويتكرر في كل مجلس، فأحببت أن أشاهده عن كثب ومن حيث لا يعرفني، وذات يوم رأيته وقد أحدق به خلق كثير فدنوت منه متنكرا فوجدت الناس مسحورين به وهو لا يزال يراوغهم حتى فارقهم فتبعته من حيث لا يعلم كي أعرف أي طريق يسلك وأي مكان يريد وماذا يفعل وما هي الأعمال الحسنة التي يقوم بها؟

وبعد برهة رأيته يقف أمام حانوت خباز وما هي إلا لحظة حتى انتهز فرصة انشغال صاحب الحانوت فتناول رغيفين وأخذ طريقه، فتعجبت منه وقلت في نفسي إذا كان قد اشتراهما فلماذا اغتنم فرصة انشغال صاحب الحانوت. ثم لم أزل أتابعه وأنا في خضم هذا الفكر حتى مر ببائع رمان فتوقف عنده هنيهة،ومازال يراقبه حتى تغفّله وأخذ منه رمانتين وتابع سيره فدهشت لأمره، وقلت في نفسي لعله قد اشتراهما أيضا، ثم تساءلت: ولكن لماذا أخذ الرمانتين في غفلة من بائع الرمان؟

ثم لم أزل أتابعه حتى مرّ بمريض وهنا بلغ عجبي منتهاه، عندما وجدته يضع الرغيفين والرمانتين بين يديه. وهنا اقتربت منه وقلت له: أنا رأيت منك عملا عجيبا وبينت له كل ما شاهدته منه، وسألته أن يوضح لي ذلك، فنظر إلي وقال: ألست جعفر بن محمد؟

-بلى، حدسك صحيح، أنا جعفر بن محمد.

فقال: أنت ابن رسول الله ولك حسب ونسب أصيل ولكن ما ينفعك شرف أصلك مع جهلك؟

فقلت: أي جهل رأيته مني؟

قال: جهلت قول الله عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وإني لما سرقت الرغيفين كنت قد اقترفت سيئتين، ولما سرقت الرمانتين كنت قد اقترفت سيئتين فهذه أربع سيئات فلما تصدقت بكل واحدة منها كان لي أربعون حسنة فانتقص من أربعين حسنة أربع سيئات فيبقى لي ست وثلاثون حسنة.

فقلت له: ثكلتك أمك، أنت الجاهل بكتاب الله ، أما سمعت قول الله تعالى: إنما يتقبل الله من المتقين، إنك لما سرقت الرغيفين كانا سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانتا أيضا سيئتين ولما دفعتها إلى غير صاحبها وبغير أمر صاحبها كنت أضفت أربع سيئات ولم تضف أربعين حسنة إلى أربع سيئات.

قال الإمام عليه السلام وتركته وهو على هذه الحال يلاحقني ببصره وانصرفت.

وعندما انتهى الإمام عليه السلام من نقل هذه القصة إلى أصحابه توجه إليهم وقال: بمثل هذا التأويل القبيح المستنكر يضلّون ويضلّون (1)

(1)- وسائل الشيعة ج2 ص57.